بعد عام على سقوطها.. من يضمّد جراح حلب وسكانها المهجّرين؟



على الرغم من مرور عام على سقوط حلب، وسيطرة النظام بمساعدة حلفائه عليها؛ فما زال الدمار وركام البيوت والمدارس والمستشفيات شاهدًا على أكثر حدثٍ آلمَ قلوب السوريين. وربما كان بداية تكتيك جديد للنظام، يقوم على سياسة التجويع؛ ومن ثمّ تهجير المدنيين. ففي مثل هذه الأيام من العام الماضي حاصرَ النظام الأحياءَ الشرقية لحلب عدة أشهر، وتحوّلت حياة سكانها نتيجة ذلك إلى مسرح للأزمات الإنسانية، قبل أن يتم تهجيرهم من بيوتهم، بعد هجومٍ دامَ خمسة أسابيع، حصد أرواح نحو 600 مدني.

ما زال الناشط الحلبي بكري الزين يذكر كلّ لحظةٍ قضاها في حلب، على الرغم من مرور عامٍ على خروجه منها، وقال لـ (جيرون): “من أكثر اللحظات التي أذكرها، الطريقُ الترابي الذي مشيت فيه، وأنا أخرج من حلب ولا أعلم إن كنت سأعود إليها ثانيةً أم لا. أما الآن فإمكانية الرجوع شبه مستحيلة، بخياري الشخصي وخيار عائلتي، وضمن المعطيات السيئة الموجودة حاليًا في حلب، على الرغم من أن النظام بدأ يُسهّل عودة العائلات، لاستخدامهم في تحسين صورته إعلاميًا، وليأخذ الشبان منهم إلى الخدمة الإلزامية”.

سبّب سقوط حلب حالةً من الألم والخذلان، في نفوس الحلبيين وسائر السوريين، ومن وجهة نظر الزين، فإن الوفود المفاوضة لم تكن على حجم المسؤولية المطلوبة منها، ولم تستطع أن تتقن فن ممارسة السياسة الدولية، وراهنت على حليفٍ واحد، خذلها في نهاية المطاف.

مع أن حلب، بطرفيها الشرقي والغربي، أصبحت تحت سيطرة النظام؛ فإن ذلك لم يغيّر الشرخ المجتمعي، بين سكان المنطقتين حتى قبل اندلاع الثورة، فما زالت الأحياء الشرقية تعاني أوضاعًا خدمية سيئة للغاية، والحياة فيها أشبه بنضال يومي، يقول الزين: “بعد معاناة لأكثر من أربع سنوات، تعزّزت الفجوة بين سكان حلب أكثر من قبل، ويتمثّل ذلك بحالة عدم القبول التي يشعر بها سكان الشرقية من قِبل أهالي الجانب الغربي، وهذا طبعًا انعكس على رغبة وقرار الكثيرين في العودة إلى بيوتهم، فنسبة العائلات التي عادت حتى الآن لا تتجاوز الـ 20 بالمئة، من إجمالي عدد السكان”.

يشعر غالبية المهجّرين من حلب، بعدم الثقة والأمان، نتيجة انتشار شبيحة وميليشيات النظام في الأحياء الشرقية، وقيامهم بسرقة ممنهجة للبيوت والمحلات كردِّة فعل انتقامية. علّق الزين على ذلك: “إن أغلب المعامل التي لم تُسرق خلال خمس سنوات، سرقَتها ميليشيات النظام خلال أسابيع، وهناك سرقات نفذّتها شبيحة الحارات ذاتها التي تم تهجير سكانها، انتقامًا من السكان المؤيدين للثورة”.

لم يضبط انتشار الشرطة الروسية في أحياء حلب الشرقية، منذ أواخر العام الماضي، حالات الانفلات الأمني التي تسبّبها ميليشيات النظام، والمخزي في الأمر أن (قاعدة حميميم)، وهي قاعدة جوية روسية تقع جنوب شرق مدينة اللاذقية في الساحل السوري، أشارت حينئذ إلى “تلقيها العديد من الرسائل التي تطالب الشرطة الروسية بالتدخل، لحماية أملاك المدنيين، من أعمال السرقة التي تقوم بها ميليشيات النظام”.

لم يقتصر تواجد الشرطة الروسية، خلال هذا العام، على الأحياء الشرقية والمناطق العسكرية فقط، بل باتوا منتشرين في أغلب أحياء الجانب الغربي أيضًا، ويكون تواجدهم في الساحات العامة والأسواق الشعبية، في حالةٍ أعادت إلى أذهان الكثير من المواطنين، ولا سيما كبار السن، ذكريات الاستعمار الفرنسي قبل استقلال سورية عام 1946.

قالت (أم كنان)، وهي سيدة حلبية من سكان الطرف الغربي، لـ (جيرون): “المضحك المبكي في الأمر أن الشرطة الروسية التي تحتل مدينتنا لا تشكّل مصدر خوف وقلق، بالنسبة إلينا، بقدر الرعب الذي نشعر به من شبيحة النظام وميليشياته، فعناصر هذه الميليشيات اعتادت على العنجهية والتسلّط، خلال السنوات الأربع السابقة، ولم يعودوا قادرين على تقبّل فكرة أنهم لا يستطيعون العبث، كما يحلوا لهم. يبدو أن ضبطهم عملية صعبة تحتاج إلى وقت طويل”.

قال الحكم شعار، وهو زميل بحث في (Aleppo project) في جامعة أوروبا الوسطى في (بودابست): “إن الألم من جرّاء ما حدث لحلب أكبر من اختصاره ببضع كلمات، ولكن بعد عامٍ على سقوط المدينة، ومن خلال الواقع الاجتماعي الذي تشهده حاليًا، أستطيع القول: إن النظام مسؤول بشكل أساس عن حرمان حلب من مجتمع مدني ناشئ وواعد، وعن دمار جزء كبير منها، وتهجير أكثر من نصف سكانها”.

أضاف شعار، في حديث خاص لـ (جيرون): “على المجتمع الدولي أن يتحمّل مسؤوليته، بعدم السماح بتكرار واستمرار جرائم التهجير والاستبعاد، وضمان وصول آمن للمهجّرين، قبل قبول أي شرعية لإعادة إعمار المدينة، لأن حلب من دون سكانها الأصليين ستفقد الكثير من جوهرها”.


نسرين أنابلي


المصدر
جيرون