تراتيل ميلاد.. دمشقيّة



أنت السوريُّ..

فلتمُت.. كما تعشقكَ الحياة.

يليقُ بكَ.. موتُكَ

سبعًا دامياتٍ.. وبلا كفَنٍ؛

قبرُكَ.. كلُّ هذِي الأرض

من طُورِ سنينٍ.. إلى أنطاكيَّه.

فلتَمُت واقفًا..

كالنَخلِ في واحاتِ تدمُرَ؛

مُترَبِّعًا.. على عمودكَ

في قلعةِ سمعان؛

وكالقناديلِ.. قٌدَّت مِن صَخرٍ

في ليلِ البَترَاء؛

ومثلَ المعريِّ.. في محبَسَيهِ

لم تَقتُل..

جَنَى عليكَ.. جميعُهُم

وما جنيتَ على أحد.

فلتَمُت..

مصلوبًا.. كمسيحِ آرامِنَا؛

نائمًا.. كأولِ الأبجديّاتِ

في ألواحِ الصَلصَال؛

مُحترِقًا.. بالفوسفور الأبيضِ

كخَزَفِ الشامِ في جداريَّات غرناطة؛

كشهقة الفينيقيّ في آخرِ البِحَار؛

كالندى على قبرِ

مُحيي الدينِ بنِ عربي؛

كالبياضِ في أثوابِ الدراويشِ

يدور.. حول نُقطةٍ في الأزَل

صعودًا نحوَ مُشتَهَاه.

فلتَمُت..

كدمعةٍ خضراءَ..

كلما بكى قبلَ قِطَافِهِ.. الزيتونُ.

كالفُستُقِ الحلبيّ.. في بساتينِ القمر.

كالعناقيدِ.. في خَوَابِي صَيفِها

كَرِعشَةِ الزيزفون..

قبل آهاتِ المساء؛

كصلواتِ اليَمَامِ

في باحةِ الأمويِّ

بياضُ رِيشِهِ.. مرآةُ روحِكَ

في دموعِ المَجدَلِيَّة.

فلتَمُت.. كسوريٍ

منذُ بَدءٍ الخليقةِ

وحتى ينفُخَ في الصُورِ.. إسرافِيل

طُغاتُكَ.. أمامَكَ

يمنعون عنكَ.. دَربَكَ

ومِن خَلفِكَ.. إسرائيل.

احمِل تابوتَكَ على كَتِفَيكَ

أينما.. ارتحَلتَ؛

مثلَ جَدِّكَ.. يُوحَنّا المَعمَدَان.

انسِجهُ.. بمِخرزِ جدَّتكَ

على أقلِّ مِن مَهلِكَ

فلا موتُكَ.. يُمهِلكَ

ولا أنتَ.. تُهمِلُهُ

كخيطِ الحرير في أنوالِ حَلبَ

أنتَ.. لُحمَتُهُ

وأنتَ السُدَاة.

فلتَمُت إذًا.. أيها السوريُّ

موتُكَ.. أمامَكَ

مِن حيثُ تشرِقُ شمسُكَ

إلى حيثُ تتغرّبُ في شَتَاتِك

مِن جنوبِكَ.. ومِن شِمَالِك

وأينما وَلَّيتَ وَجهَكَ؛

فلا تنظُر خلفَك؛

كُن هابيلَ..

ابتسِم.. كالفجرِ

بعد طعنةِ أخيكَ

في ظهرِكَ.. أو في الخاصِره.

كلما مُتَّ..

تصدَحُ الأجراسُ في بيت لحمٍ

تَنعِيكَ المَآذِنُ من الأقصى إلى الشهباء

ومن الفراتِ.. إلى الناصِرَه.

لا بدَّ.. يَحُطَّ على سفحِ قاسَيُونَ

ذاكَ الغُرَاب

يَحثُو عليكَ.. التُرَاب.

لا بُدَّ..

يفقأ عينيهِ.. قابيلُ

بأصابعِ ما ارتكَبَت يدَاه؛

شُلَّت يمِينُهُ

ضَمُرَت يَسَارُهُ

انقصفَت مِن إثمِهِ.. رُكبتَاه.

لا بُدَّ.. تنوحُ عليكَ عَشتَارُ

بسبعٍ.. مِن جَدَاولِ بَرَدَى

تضيقُ العبارةُ.. عن مراثِيكَ

يتسعُ بموتِكَ.. هذا المَدَى.

ماذا لو أنّكَ تموتُ

يومًا.. برِمَاحِ الغُزَاةِ

ويومًا.. بسيفِ الطُغَاة؟!

فَمُت.. من حِصَارِ نِفقُورَ

حتى يقولَ مُفتِيُّ سيفِ الدولة:

“كلُّ مَن ماتَ في حلب؛

فَلِسَيفِ الدَولةِ.. ما تَرَك”.

أنتَ صوتُ الشام.. أنتَ الصَدَى

كلّما مُتَّ.. تحيا

كبُحَّةِ النايِ.. بعد حصادِ القَصَب.

مُت أيها السوريُّ.. حُرًّا

ليس بعدَ موتِكَ.. مَوتٌ يُضَاهِيهِ

وليس يُضَاهِيكَ في حُبِّ الحياةِ.. أحَد.

إسطنبول 20 – 12 – 2017 ق. م الحرية.


نجم الدين سمان


المصدر
جيرون