ما فشل في جنيف لن ينجح في أستانا وسوتشي



لا يُسجل “نجاح” -في مفهوم التفاوض- إلا لموسكو ودمشق وطهران، في أستانا وجنيف، وصولًا إلى سوتشي التي تفرض موسكو طريقها ونهجها، لتحجيم مكتسبات السوريين في التفاوض، بعد فرضها هزيمة عسكرية في الميدان لصالح الأسد.

لا شيء يؤطر الصورة هنا بشكلها الصحيح، سوى خوف المعارضة وتذبذبها مما تَدَعي وتدعو إليه موسكو، لقد جاء فشل جولة جنيف الثامنة تتويجًا لتخاذل ونفاق المجتمع الدولي، بعدما أسفر عدوان موسكو وطهران على إحداث آثار بعيدة المدى، عززت من فشل المفاوضات ونزع جوهرها القاضي برحيل الأسد.

أما وقد انقضَت النسخة الثامنة من مفاوضات جنيف السورية، إلى فشل نسخها الماضية؛ فإن الأنظار تتجه إلى جولة أستانا الثامنة، وإلى مؤتمر سوتشي الذي تعتزم موسكو عقده مطلع شباط/ فبراير المقبل، لاستكمال التعامل مع الملف السوري، بعد إفراغ مبدأ التفاوض من جوهره.

على المنوال نفسه، يمكن أن تنتهي جولة أستانا، وسوتشي بعدها، فمنذ إعلان خفض التصعيد الذي ضمنته موسكو وطهران وتركيا، يقوم طيران بوتين مع طيران النظام ومدفعيته بقصف معظم المناطق المشمولة باتفاق خفض التصعيد. سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى، تحت يافطة استمرار الدبلوماسية مع قتلة ومجرمين، لن يُحدث أي نتائج يفترض الخروج بها من عملية التفاوض، والسبب يعود إلى أن موسكو لم تقدّم التزامًا أكيدًا بالنسبة إلى مجمل القضايا موضوع التفاوض، ونسف كل الجهود الدولية التي كان يمكن أن تحقق بعض العدالة والتوازن.

لا معنى للتبدل الشكلي في أماكن التفاوض، إذا لم تكن قاعدته رفضًا قطعيًا وكليًا لدور ووظيفة نظام الأسد. على أي قاعدة سيقف المعارضون والمهرولون، من جنيف إلى سوتشي وأستانا؟ مع العلم المسبق أن عقلية وسلوك النظام وحلفائه لم تعد قيد التكهن والتيقن الذي يقود إلى جلسات تفاوض، تسمح باكتشاف المكتشف. هل كان على السوريين انتظار دفع فاتورة دم عالية، حتى يكتشف السيد دي ميستورا أن سلوك النظام وعقليته هي المعطلة والقاهرة لحياة السوريين، مع أنهم صرخوا في وجه المبعوث الدولي آلاف المرات، يواجهون نفاقه وانحيازه وصمته عن جرائمه؟ وهل على المعارضة أن تختبر جدية موسكو وأن تتحمل فذلكة مندوب الأسد “الجعفري”، بجولات تفاوض جديدة، وأن تتعرف إلى غلاظة لافروف؟

جولات قادت في نهاية المطاف، إلى تقويض الإطار والآلية التي التقت عليها أساسًا فكرة إدارة حوارٍ مع نظام مجرم، خصوصًا مع ضعف وتردي مواقف عربية ودولية “داعمة” للثورة السورية، وذلك بعد ظهور إجماع إقليمي، تقوده موسكو وطهران، بضرورة التعامل مع الأسد، على الرغم من كل النتائج التي خلص إليها الواقع السوري. وإذا كان الأمر كذلك، حسب اعتراف المبعوث الدولي بمسؤولية النظام تعطيل المفاوضات؛ فإن السؤال الذي يُطرح هو: كيف سيكون موقف المبعوث الدولي دي ميستورا، ومن خلفه الأمين العالم للأمم المتحدة، ودور موسكو كراعية لعملية تفاوض، أنشأتها لتكون نقيضة وبعيدة عن القرارات الدولية الخاصة بسورية.

تسوية موسكو سقفها الأسد، وبنيانها احتلال طويل الأمد، وهي تعني نسف الأسس والمفاهيم التي تقود إلى مستقبل سورية من دون الأسد، وما فشل في جنيف لن يتحقق ادعاء عكسهِ في أستانا أو سوتشي، باعتبار أن الطريق المسدود الذي تبنيه موسكو وطهران، حول مصير الأسد، لن يجلب السلام في سورية، والفجوة الكبيرة بين موقف المعارضة السورية أو الشعب السوري، وبين أعدائه من مفاوضي النظام وداعميه، مليئة بالدم لا يُمكن تخطيها بادعاءات.


نزار السهلي


المصدر
جيرون