العدالة الانتقالية في سورية.. بين الإمكان والاستحالة!

25 ديسمبر، 2017

تؤكد مجموعة من الحقوقيين ورجال القانون أن تطبيق العدالة الانتقالية في سورية، بعد تبدّل النظام، ليس بالأمر اليسير؛ ذلكَ أن الأخير ومؤيديه وحلفاءه ارتكبوا عددًا خياليًا من الجرائم بحق الشعب، فضلًا عن انتهاكات أخرى ارتكبتها بعض المجموعات المعارضة له؛ ما أسفر عن تصدّع وتشرذمٍ إنساني واجتماعي كبير، ليس من السهل جبره.

في هذا الموضوع، قال الحقوقي حبيب عيسى لـ (جـيرون): “عند الحديث عن العدالة الانتقالية، لا بد من الحديث عن مرحلة انتقالية، يسود فيها القانون، وتتضّح فيها معالم نزاهة القضاء، بحيث يشعر كل مواطن في سورية بأنه ليس بحاجة إلى تحصيل حقوقه المهدورة أو الحفاظ على حقوقه بيده، وإنما هناك قضاء يحقق ذلك للجميع، فالناس سواسية أمام القانون وأمام القضاء، ونجاح الأولى يتصل اتصالًا وثيقًا بالثانية”.

من جهة ثانية، تطرّق المحامي محمد النعسان، رئيس التجمع الشعبي في الغوطة، إلى مجموعة من العوامل التي تجعل طريق تطبيق العدالة الانتقالية شائكًا ومحفوفًا بالصعوبات، وقال في هذا الصدد: “خلال الحقبة التي تولّى فيها نظام البعث السلطة في سورية؛ حصلت انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، تمثّلت في المجازر المتنقلة في المكان على كامل مساحة سورية، وفي الزمان لتمتد على طول فترة الحكم اﻻستبدادي، وبخاصة مع بداية الثورة السورية، وقد أثرت هذه المجازر والجرائم على اللحمة الوطنية، وتماسك بنية المجتمع السوري، لتغرس بذرة حب الانتقام لدى الضحايا وذويهم ومكوناتهم اﻻجتماعية والعرقية والدينية والطائفية”.

أضاف النعسان موضحًا بعض التفاصيل: “إن العدالة اﻻنتقالية هي -بالتعريف- مصطلح سياسي حقوقي حديث، يتضمن قيام سلطة قضائية معترف بها مستقلة وحيادية بالتحقيق والحكم في جرائم ومجازر وعمليات قتل فردي وجماعي ومخالفات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، وهدفها السياسي هو طي حقبة من الفلتان اﻻستبدادي، والتأسيس لمرحلة جديدة يسود فيها القانون، وينعم فيها المواطن بحريته وكرامته. من هنا تبدو أهمية العدالة اﻻنتقالية كضرورة وطنية سوريّة لتعلن نهاية الحقبة الدموية، فهي بهذا المعنى ﻻ تهدف إلى انتقام طرف من آخر، بل إلى محو آثار الحقبة الدموية، وجبر الأضرار التي تعرّض لها الضحايا، وإدانة المجرم الحقيقي.

وأضاف: من هنا، نرى أن العدالة اﻻنتقالية -كمؤسسة- ﻻ تتعلّق بما يجري من مفاوضات وتوازنات وتسويات، ونصر مزعوم للنظام وحلفائه الإقليميين والدوليين، فلا مستقبل لسورية دون محاسبة من أجرم بحق الشعب، وﻻ تسوية سياسية دون تفكيك الدولة الأمنية، وكل ذلك تتوﻻّه العدالة الانتقالية، ولا بدّ من أن نقول: لو تمت محاسبة من ارتكب جرائم السبعينيات والثمانينيات في سورية؛ لما ارتُكبت المجازر ابتداءً من عام 2011”.

في الموضوع ذاته، قال ياسر السيد، وهو محام في منظمة (محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان)، لـ (جيرون): “إن مسألة العدالة الانتقالية لا تكون إلا بانتقال سياسي، من الحكم الشمولي الدكتاتوري إلى الحالة الديمقراطية، وفصل السلطات، وتطبيق أسس العدل في الدولة، وقد تكون مثل المملكة المغربية، عبر تسلّم المعارضة للحكومة وقيادتها للمرحلة، مع أن النظام ملكي”.

المحامي أحمد صوان في منظمة (عدالة للمساعدة القانونية) أكد أن الظروف غير موضوعية، لتطبيق آليات العدالة الانتقالية في هذه المرحلة، وأضاف في هذا المعنى لـ (جيرون): “ما زال النظام -وهو المسؤول الأول عن الإجرام- يتمتّع باعتراف دولي، ولا توجد إرادة دولية لتطبيق أسس العدالة، وفي ضوء ذلك؛ من المستحيل إحلال أركان العدالة الانتقالية وأبرزها: محاسبة المرتكبين وتعويض المتضررين، كما أن آليات العدالة الانتقالية لا يبدأ تطبيقها إلا بعد انتهاء النزاع، وتوقف الحرب، وتوقف ازدياد أعداد القتلى والمُنتَهكين”.

أحمد مظهر سعدو
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون