الممانعة المكشوفة.. نظام الأسد وأشقائه

25 ديسمبر، 2017

بسرور بالغ، رفع بنيامين نتنياهو كأس النبيذ. إنه يحتفل مع رئيس جهاز الموساد: يوسي كوهين، برأس السنة اليهودية. لكن الحقيقة هي غير ذلك. إنهما يحتفلان بتطور العلاقة التي تربط “إسرائيل” ببلدان عربية راديكالية، لم تعقد معاهدات سلام معها.

يصف نتنياهو الأمرَ بأنه “لم يسبق حدوثه في تاريخنا، حتى عندما كنا نبرم الاتفاقات، وبالرغم من عدم بلوغ التعاون -بشتى الطرق والمستويات- مرحلة الظهور علنًا بعد، فإن الأمور الحاصلة بصورة غير معلنة، أوسع نطاقًا، من أي حقبة مضت على تاريخ دولة (إسرائيل)”.

تخفي هذه العلاقة الصادمة تفاصيل كثيرة. لكن أيًا يكن الأمر، فعلينا أن نعترف، أن هناك من يصنع أكاليل غار لهزيمة العرب، مرة باسم الاعتدال، وأخرى باسم الواقعية السياسية. وفي كلتا المرتين، هناك من يعمل على مشروع تطبيعي عربي–إسرائيلي آني، مقابل دعم متعدد الجنسيات لأنظمة حاكمة، شاخت، تبحث عمن يحافظ على أمنها واستمرارها في السلطة.

الممانعة المكشوفة

في العقد الأخير، حيث تعرضت السكونية السياسية لضربة موجعة، داخل خمس دول شمولية؛ تراجعت أولويات الأجندة النضالية للقادة العرب، وبات من الواضح أن الأنظمة التي رفعت شعار فلسطين، على مدى نصف قرن أو أكثر، لم تعد تهتم اليوم به، قدر اهتمامها بحماية نفسها من غضب الشعوب.

فبشار الأسد، الذي حكم بلاده بالحديد والنار، ووُصِف بأنه “زعيم جبهة ممانعة”، لم يتأخر عن سحب عناصر جيشه النظامي من الخطوط الأمامية للجبهة، عندما اقتضت الضرورة، ليقاتل شعبه في المدن والأرياف السورية، ويعلن قبل وقت قصير تخليه عن العروبة، ويقول في لقاءٍ بعثي عام، ما هو أخطر من ذلك: “لتذهب القضية الفلسطينية إلى الجحيم”.

أما الزعيم الشيعي حسن نصر الله “سيد المقاومة ضد العدو الصهيوني، وقائد ميليشيات أنشئت خصيصًا لهذه الغرض” الذي يعتد برجاله وطريقة إعدادهم، فقد بات يرى أن الطريق إلى القدس يمر من المدن السورية، شمالًا، أي في الاتجاه المعاكس لجبهة حربه المفترضة، على الحدود الجنوبية المتاخمة لـ “إسرائيل”.

اليوم تتقاسم المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، بحسب تقرير أعدته مؤسسة PRI الإعلامية الأميركية، أهدافًا مشتركة مع “إسرائيل”، من بينها تطوير تكنولوجيا جديدة للمياه والطاقة والزراعة. وفي عام 2015 افتتحت “إسرائيل” أول بعثة دبلوماسية لها في الإمارات العربية المتحدة، وهناك علاقات تجارية واسعة، بين “إسرائيل” ودول الخليج، تقدر بمئات الملايين من الدولارات.

فيما ترى دول عربية أخرى “إسرائيل” كصاحبة تجربة، يمكن الركون إليها، في مواجهة التهديدات الإقليمية (إيران)، وما تتعرض له أنظمتها من تحديات أمنية، بسبب الصراع العسكري مع التنظيمات الأصولية الإسلامية.

الحقيقة كاملة

في السادس من كانون الأول/ ديسمبر، وافق الرئيس الأميركي ترامب، على اعتبار القدس عاصمة أبدية لـ “إسرائيل”. وفي الوقت الذي اكتفى القادة العرب بإدانة منضبطة لهذه الخطوة، رأت “إسرائيل” في هذا الانضباط مناسبة، لتؤكد بلسان وزير خارجيتها الأسبق: موشيه آرنس، أن برودة ردة الفعل العربية الرسمية تجاه القرار، وتجاهل القضية الفلسطينية، والتعامل معها كقضية هامشية، إنما لأن القادة (معنيون أساسًا بالتحالف مع إسرائيل). ويُقرّ بأن (التهديد النووي الإيراني لدول الخليج والسعودية، دفع بعضهم لأن ينظر إلى “إسرائيل” كحليف في التصدي لإيران، على اعتبار أن من شأن هذا التحالف، أن يساعدهم في حماية أنفسهم وأنظمتهم).

في ارتدادات القرار على مستوى الأنظمة، لا يعزل الشارع العربي هذا الانضباط، عما سبقه من عوامل مهدت له، ربما تأتي في مقدمتها العلاقة غير المعلنة مع تل أبيب. إن دهشة الشعوب من حكامها، لا تقل في الواقع عن دهشة روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، من أمين عام منظمة التعاون الإسلامي: يوسف العثيمين. ففي لقاء جمعهما، لم يلفظ العثيمين كلمة القدس قط، وبدلًا من ذلك، راح يتفاخر بالصداقات التي أقامها مع الحاخامات في أوروبا وأميركا، والزيارة التي أجراها مؤخرًا إلى كنيس يهودي في باريس!

اليوم تمثل سياسة الجنرالات، الذين وصلوا إلى سدة الحكم بالقوة، النموذج الأبرز لهذا النهج. ففي شهر أيار/ مايو الماضي، وقف الجنرال السيسي إلى جانب الملك سلمان والرئيس ترامب، متجاورين، خلف مجسم لامع للكرة الأرضية، لالتقاط صورة تؤكد تحالفهم، في أثناء القمة التي عقدت بالعاصمة السعودية الرياض. كان من الملاحظ غياب القضية الفلسطينية عن جدول أعمالها، وخلو الكلمات من التنديد بـ “إسرائيل”، واستُعيض عن ذلك بالصمت، حين هاجم ترامب حركة (حماس)، ووصفها بالمنظمة الإرهابية. لقد كان يتوجب على الحضور أن يدفعوا ضريبة هذا التحالف.

الفجوة ما تزال

بالنسبة إلى القادة العرب، اعتبرت القضية الفلسطينية والقدس، على مدار سنوات طويلة، قضيةً مركزية (نظام الأسد في سورية كمثال) وأي مساس بها إنما يمس شرعيتهم. وكان دعمها العلني وسيلة موثوقة لاجتذاب ود شعوبهم، أو صرف انتباههم عن مشكلات داخلية، في جو غابت عنه الحريات السياسية والفرص الاقتصادية التنموية.

غير أن الصورة تكشفت، ولم يعد بعد هذا التطبيع ما يستحق التكتم عليه. إن معظم الذين خرجوا إلى الشوارع، ضد هذا القرار، يدركون تمامًا أن أنظمتهم باعت قضاياهم ومقدساتهم، بثمن بخس، بهدف أن تحصل على مساعدات أميركية-إسرائيلية، في الحرب على المتطرفين الإسلاميين، ومواجهة الخطر الإيراني المتزايد. وعندما سمح بعض القادة، لهؤلاء في التعبير عن سخطهم، إنما سمحوا بذلك لمجرد التنفيس عن غضبهم، لا أكثر.

تذكرنا المقاربة غير الشعبية للسياسات العربية الخارجية، الراهنة، بمرحلة ما قبل الربيع العربي. فالشبه الكبير بين النظام الإقليمي الحالي، وبين نظيره قبل عقد من الزمن، يشير إلى أنه ما زال بوسع هؤلاء القادة، العودة إلى نهج ما قبل الانتفاضات، والعمل بسياسة الوجهين، دونما أي حرج.

وقد منحت الازدواجية السياسية لتعامل القادة مع شعوبهم، فرصةً للرئيس ترامب، كي يفرض شروطه، ليس فقط بالنسبة إلى قيمة الفاتورة الباهظة، بل حتى فيما يتعلق بالقضايا المحرمة، كالقدس. ولذلك عندما أمر بنقل السفارة إليها، كان مطمئنًا من أن التحولات التي هيمنت على الشرق الأوسط، ووطدت علاقات القادة العرب بـ “إسرائيل”، سوف تحد من غضب الجميع، وسيكون التنديد المنضبط، بمثابة أكاليل غار، على صدور قادةٍ يتمسكون اليوم بسلطتهم أكثر مما يتمسكون بأوطانها.

علاء كيلاني
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون