موجات نزوح عديدة جراء الصراع السوري
25 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2017
تميّز الصراع السوري، منذ عام 2011، بنزوح كارثي لسكانه. ويوجد الآن نحو 6.5 مليون نازح داخلي، ويعدّ هذا الرقم أعلى موجة نزوح داخلي، على مستوى العالم.
وعلى الرغم من تراجع الصراع، كنتيجة لنهاية (داعش) واستعادة النظام السوري لمعظم الأراضي؛ فإنّ موجات النزوح الداخلي لم تتوقف. ففي عام 2017 وحده، نزح نحو 1.2 مليون شخص داخليًا، وكان ذلك بالنسبة إلى معظمهم النزوح الثاني أو حتى الثالث[1]. علاوةً على ذلك، يوجد الآن ما يقارب 5.437.603 لاجئ سوري مسجّل رسميًا حول العالم، وكان معظم هؤلاء قد تعرض للتهجير أكثر من مرةً أيضًا[2].
يترك النزوح المتكرر آثارًا فظيعة على المستوى الشخصي؛ فغالبًا ما يواجه النازح صعوبات عملية ونفسية، بسبب تنقله المتعدد. وفقًا لـ “مجلس اللجوء النرويجي- NRC”، يؤدي كل نزوح إلى تقليل الموارد المالية للنازح؛ الأمر الذي يُدَهور من شروط حياتهم، ويزيد من هشاشتهم[3]. في الواقع، يضطر هؤلاء إلى إعادة بناء حياتهم وهجرها، في مناسبات عديدة، وغالبًا ما يجبرون على الانفصال عن بقية أفراد أسرهم. غالبًا ما يواجه هؤلاء مشكلات في الاستقرار، ويرون حياتهم كرحلة متنقلة[4]، وكلّ هذه المعاناة تأتي نتيجة تراكم انتهاكات حقوق الإنسان.
بعد رفض بلدان الجوار، كالأردن ولبنان، التوقيع على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين والبرتوكول الملحق بها، بقي الخيار الوحيد لطالبي اللجوء السوريين، للبقاء على قيد الحياة في تلك البلاد، يتمثل في إعادة توطينهم من قبل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة- UNHCR، أو التنقل من جديد في أرجاء المنطقة.
يعيش طالبو اللجوء السوريون في دول الاتحاد الأوروبي، كبولندا، التجربة ذاتها، فعلى الرغم من حصص اللاجئين التي فرضها الاتحاد الأوروبي؛ فإنّ دولًا، كبولندا والمجر، على سبيل المثال، لم تقبلا لاجئًا سوريًا واحدًا، منذ اشتداد الصراع، وبالتالي، يُجبر السوريون الواصلون إلى تلك البلدان على إعادة الاستقرار في بلدان أوروبية أخرى[5]. يحدث الشيء نفسه في ماليزيا، حيث يُعدّ اللاجئون غير قانونيين، ويُجبرون على العيش بطريقة غير شرعية ملؤها الخوف من السجن، وإن كانوا محظوظين كفاية يُعاد توطينهم، كما يتم طردهم وإجبارهم على العودة إلى بلادهم، التي يخشون فيها التعرّض للاضطهاد، وحياتهم تبقى في خطر.
من بين هؤلاء النازحين، يوجد عدد ملحوظ من الفلسطينيين والسوريين القادمين من منطقة مرتفعات الجولان. تعرّض معظم الفلسطينيين، الذين يعيشون في سورية، للطرد من بلدهم الأصلي عند قيام “إسرائيل”، نتيجة لسياساتها الاحتلالية في الأراضي الفلسطينية. كذلك كان حال السوريين في الجولان، حيث تعرضوا لإخلاء بيوتهم نتيجة لاحتلال “إسرائيل” مرتفعات الجولان السوري، إبان حرب الأيام الستة عام 1967.
عاش معظم الفلسطينيين في سورية في ظروف معيشية صعبة، قبل اشتداد الصراع، فبعضهم كان يعيش في مخيمات، كما كانت نسبة وفيات الأطفال أعلى نسبيًا في أوساطهم، ونسبة تسجيل الأطفال في المدارس أقلّ من مستضيفيهم السوريين[6]. قبل عام 2011، كان كلّ من الفلسطينيين والجولانيين يعانون مسبقًا من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، كالافتراق عن العائلة وخسارة الممتلكات، إضافةً إلى مشكلات تتعلق بحقوق الهوية. ومنذ بداية الثورة، ساءت شروط حياة كل من الشريحتين السابقتين، وزاد نسبة تهجيرهما. بحلول عام 2014، جرى تهجير 50 في المئة من فلسطينيي سورية، إلى داخل أو خارج البلاد[7].
إلى جانب معاناتهم من نتائج النزوح المتكرر، يواجه أولئك السكان مشكلات تتعلق بمدة نزوحهم، إذ عاش الجولانيون مسبقًا 50 سنة من النزوح، وكانت تلك المدة أطول بالنسبة لبعض الفلسطينيين، من دون أي أفق لعودتهم إلى ديارهم.
لكن على الرغم من المعاناة والصعوبات التي يسببها النزوح المتكرر، لم يأخذ القانون الدولي تلك العوامل بالحسبان، فعلى سبيل المثال، لا تعطي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين- UNHCR أي اهتمام خاص للأفراد الذين تحملوا عبء موجات النزوح المتعددة وطويلة الأمد. والأسوأ من ذلك أنه لا يندرج السوريون الذي هُجِّروا مرارًا وتكرارًا، في إطار الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين والبرتوكول الملحق بها؛ كونهم لم يعبروا الحدود، وبالتالي فهم مجردون تقريبًا من أي حماية دولية[8]، وتبقى مسألة حمايتهم متروكة بين أيدي النظام السوري الذي أظهر عدم رغبته في حمايتهم، والذي غالبًا ما لجأ إلى استخدام التهجير كسلاح حرب.
ولذلك، يعاني كلٌّ من النازحين داخليًا، وطالبي اللجوء واللاجئين السوريين، من انتهاكات متكررة وجسيمة لحقوق الإنسان كنتيجة للصراع، ويعود ذلك إلى وجود فجوة في أدوات حماية السكان المهجرين. لذلك، من الضروري خلق وسيلة حماية دولية لحماية الأفراد النازحين داخليًا في أوقات الصراع الداخلي، حيث يفتقد النظام إلى القدرة أو الرغبة في حمايتهم. إضافةً إلى ما سبق، يتحتم على المجتمع الدولي أن يدفع الدول إلى التوقيع على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين والبرتوكول الملحق بها، للمشاركة في تحمل عبء الترحيب باللاجئين، ولتجنب إعادة التوطين والنزوح التكرر لهم.
وأخيرًا، على المفوضية العليا لشؤون اللاجئين- UNHCR أن تكرس اهتمامًا خاصًا للأفراد الذين يعانون من النزوح المتكرر وطويل الأمد، نظرًا إلى تعرض حقوق الإنسان الخاصة بهم للانتهاك في مناسبات عدّة.
العنوان الأصلي
Multiple displacements caused by Syrian conflict
الكاتب
إيما كابرول- Emma Cabrol
المصدر
مركز حرمون للدراسات المعاصرة، برنامج الباحثين الزائرين الدوليين
المترجم
وحدة الترجمة والتعريب
[1] المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. (2017). السكان النازحون داخليًا- سورية. (على الإنترنت) متوافر على الرابط: http://www.unhcr.org/sy/internally-displaced-people (تم التصفح بتاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر 2017).
[2] بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. الجواب الإقليمي على اللاجئين السوريين. (على الإنترنت) متوافر على الرابط: http://data.unhcr.org/syrianrefugees/regional.php (تم التصفح بتاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر 2017).
[3] المجلس النرويجي لشؤون اللاجئين. تقرير HLP عن سورية. (NRC, 2017)، ص10.
[4] بيتر كاباشنيك وجوانا ريغولسكا وبيث ميتشنيك، “أين ومتى يكون الوطن؟ النزوح المزدوج لأشخاص النزوح الداخلي الجورجيين من أبخازيا”، مجلة دراسات اللجوء، عدد 23 رقم 3، (2010)، ص 315.
[5] رانكن، ج. (2017). قد يقوم الاتحاد الأوروبي “بإلغاء خطة توزيع حصص اللاجئين“. (على الإنترنت). ذا غارديان. متوافر على الرابط: https://www.theguardian.com/world/2017/dec/11/eu-may-scrap-refugee-quota-scheme-donald-tusk (تم التصفح بتاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر 2017).
[6] الأونروا. (2017). سورية/ الأونروا. (على الإنترنت). متوافر على الرابط: https://www.unrwa.org/where-we-work/syria (تم التصفح بتاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر 2017).
[7]شبكة الإغاثة. (2017). الفلسطينيون من سورية. (على الإنترنت). متوافر على الرابط: https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/palestinians_from_syria_march_2014.pdf (تم التصفح بتاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر 2017).
[8] كاثرين فونغ، الحماية الدولية للنازحين الداخليين، ص37؛ لوك ت. لي، “إعلان لندن لمبادئ القانون الدولي في شأن الأشخاص المهجرين داخليًا، ص457.
إيما كابرول
[sociallocker]
جيرون