عاصمة “داعش” تحت الركام وسكانها مشردون.. من يقوم بإعادة بناء الرقة؟

25 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2017
13 minutes

[ad_1]

مقاتل من (قوات سورية الديمقراطية) يمشي في شارع مدمر في الرقة، بعد سيطرة التحالف الدولي الأميركي على المدينة السورية، 17 تشرين الأول/ أكتوبر، 2017. (دليل سليمان/ وكالة الأنباء الفرنسية/ غيتي)

كانت الجماهير تغلي بالإحباط. صرخ أحد الرجال قائلًا: “نريد أن ندخل! لقد قالوا لنا عندما يتم تحرير الرقة؛ يصبح بإمكاننا العودة إلى ديارنا”. وحاول بعض المقاتلين المدعومين من أميركا، الذين طردوا مقاتلي تنظيم (داعش) إلى خارج المدينة السورية في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، إقناعَه. وقال له إنها غير آمنة. وكان العشرات من الأشخاص قد جُرحوا أو قُتلوا بسبب الألغام، منذ نهاية القتال. وصاحت الجماهير: “حرام عليكم.. هذا خطأ!”.

كان هناك العديد من التبادلات السريعة في نقاط التفتيش، حيث عانى المقاتلون المعروفون باسم (قوات سورية الديمقراطية)، وهي قوات حليفة للميليشيات الكردية والعربية، من صعوبات إدارة الأراضي الواسعة التي استعادوا السيطرة عليها من تنظيم (داعش)، في شمال شرق سورية. وتعدّ التحديات خطرة في المدينة التي أعلنها (تنظيم الدولة الإسلامية) عاصمة له، وطبّق فيها حكمًا بقبضة متعطشة للدماء. وبعد مرور نحو شهرين من استعادة السيطرة عليها، ما تزال مدينة الرقة مدينة أشباح مغطاة بالحطام.

وكان الشعب بأكمله (حوالي 300 ألف شخص) قد فرّ من قتال دام أكثر من أربع سنوات، وانتقل إلى مخيمات للنازحين أو للعيش في بيوت أنسباء لهم في مدن مبعثرة داخل سورية وخارجها. وتم السماح لنحو 8 آلاف من السكان السابقين بالعودة إلى حفنة من الأحياء النائية. لكن العاملين في المجال الإنساني يقولون إن سنوات قد تمر، قبل أن يعود معظم السكان إلى بيوتهم.

لأن المدينة مليئة بألغام قاتلة وذخائر غير متفجرة. وقد تم العثور على قنابل تحت السجاد، وداخل الأفران والثلاجات، وفي حالة واحدة على الأقل، تم العثور على قنبلة داخل دمية محشوة. وقد هُدم 80 بالمئة من المنازل والشركات، في أثناء القتال على الأرض والغارات الجوية. وتم تدمير البنية التحتية الأساسية، كمحطات توليد الكهرباء ومضخات المياه وخطوط الصرف الصحي والمشافي والمدارس. وتبقى هوية الجهة التي ستعيد المدينة، كي تصبح صالحة للسكن غير واضحة.

عائلة تصل لتفقد منزلها في الرقة، بعد إخراج قوة كردية لميليشيات (داعش) من الجزء الشمالي من المدينة السورية. (بولينت كيليك/ وكالة الأنباء الفرنسية/ غيتي)

وقد أرسلت الولايات المتحدة خبراء ومعدات، للمساعدة في إزالة المتفجرات وتنظيف المدينة من الأنقاض وإصلاح الهياكل التي يحتاج إليها العاملون في مجال المساعدة والسلطات المحلية لتشغيلها في المدينة. بَيد أن المسؤولين الأميركيين قد صرحوا غير مرة بأنهم لم يعودوا في مهمة “بناء الدولة”. وحتى بعد تحرير الرقة من تنظيم (داعش)، لا تزال المدينة محط نزاع، ويطالب بها كل من حكومة الرئيس السوري بشار الأسد والمقاتلين الأكراد الذين حرروها.

في غياب تسوية سياسية أوسع؛ شكلت القوات السورية المنتصرة مجلسًا مدنيًا مؤلفًا من زعماء العشائر المحلية، وتكنوقراطيين لإدارة المحافظة التي تنتمي إليها مدينة الرقة. غير أن المجلس لا يمتلك الموارد اللازمة لإعادة بناء مدينة بأكملها. وعلى الرغم من أن عددًا من البلدان ومنظمات المساعدات الدولية قد عرضت المساعدة، فإن أعضاء المجلس يقولون إنهم لم يروا إلا القليل منها.

قالت ليلى مصطفى، وهي مهندسة مدنية كردية شابة، وتترأس المجلس المحلي بالشراكة مع شخص عربي: “لدينا خطط ولجان خاصة بنا، ونحن مستعدون للبدء بالعمل، لكننا بحاجة إلى المساعدة من الخارج”. وأضافت: “إذا حصلنا على المساعدة سريعًا؛ فإن المصالحة ستحدث سريعًا”.

ولكن مع مرور الوقت، يزداد الإحباط بين صفوف الجماعات المشردة في الرقة، إحباط يخشى البعض هنا أن يحمل الأغلبية العربية من السكان على المحررين الأكراد، ويخلق أرضًا خصبة لعودة تنظيم (داعش) من جديد؛ إذ كان لدى مقاتلي التنظيم ثلاث سنوات لنشر فكرهم المتطرف، أثبتوا فيها براعتهم في استغلال المظالم المحلية.

يلوح المزيد من القتال في الأفق، وقد تعهد الأسد باستعادة كافة أجزاء البلاد التي سقطت من سيطرة الحكومة منذ بدء الحرب الطاحنة، والتي دخلت سنتها السابعة وخلفت مئات الآلاف من الضحايا والعديد من الأماكن تحت الأنقاض. والآن، بعد أن أطاحت قوات الحكومة، المدعومة من القوة الجوية الروسية والميليشيات التي ترعاها إيران، بالمسلحين خارج المستوطنات الأخيرة التي سيطروا عليها في سورية، أشار مساعدو الرئيس إلى أنه قد يأمر قريبًا بتقدم قواته باتجاه الرقة.

كما يستعد أعضاء من (وحدات حماية الشعب) الكردية، والتي تشكل العمود الفقري للقوة التي تسيطر على المدينة حاليًا، لمعركة مع تركيا، تلك التي أرسلت قوات إلى الداخل السوري، لكي تحبط المساعي الرامية إلى إقامة منطقة فيدرالية كردية شبه مستقلة في الشمال. وتعتبر تركيا المقاتلين الأكراد السوريين إرهابيين، بسبب علاقاتهم مع متمردين شنوا هجمات لعقد من الزمان على حدودها.

يقول المقاتلون الأكراد الذين يسيطرون على ربع مساحة شمال سورية، إنهم سيسمحون لسكان الرقة بتحقيق رغبتهم في أن يكونوا جزءًا من المنطقة الكردية، لكنهم تعهدوا بالدفاع عن المدينة ضد كافة “التهديدات الخارجية”.

ويبقى حجم المساعدة الذي قد يحصلون عليه من الولايات المتحدة غير واضح؛ لأن إدارة ترامب لا ترغب في التورط في معركة قد تضع القوات الأميركية في مواجهة مباشرة مع روسيا أو تركيا، حليفتها في حلف شمال الأطلسي. ويقوم البنتاغون بتخفيض برنامج تسليح الأكراد، وسحب 400 جندي من مشاة البحرية، الذين قدموا دعمًا مدفعيًا، في معركة تحرير الرقة.

وكان المحور الزراعي على الضفة الشمالية لنهر الفرات أول الأقاليم التي فلتت من سيطرة الحكومة السورية، في آذار/ مارس 2013. واستولى تنظيم الدولة الإسلامية، وكما يُعرف بتنظيم (داعش)، على المدينة في كانون الثاني/ يناير عام 2014، بعد اشتباكات مع جماعات أخرى معارضة لحكم الأسد.

وعلى مر السنوات، تعرضت مدينة الرقة لغارات جوية كثيفة من قبل حكومة الأسد والتحالف الذي شكلته الولايات المتحدة لمحاربة المسلحين. غير أن الهجوم الأخير الذي شُن أوائل شهر حزيران/ يونيو، هو الذي دمّر المدينة تمامًا. وقد وصف السكان الأيام المرعبة التي أمضوها في منازلهم، بينما كانت قذائف التحالف تتساقط عليهم. وقد تم استخدام أكثر من 20 ألف ذخيرة في المعركة، أسفرت عن مقتل ما يقدّر بـ 1464 مدنيًا، وفق ما ذكرته مجموعة (أيروورز) للرصد.

تمّ إجلاء الدفعة الأخيرة من السكان بعد أن أعلنت القوات الكردية تحرير المدينة في 17 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2017. ولم يبق فيها إلا الأموات الذين دُفنوا تحت أكوام شاهقة من الإسمنت المسلح وقضبان الحديد الملتوية وغيرها من الأنقاض.

سرعان ما تبددت النشوة في صور المقاتلين الأكراد الذين داروا بعرباتهم المصفحة تعبيرًا عن نصرهم، عندما واجهوا المهمات الصعبة بإرساء الأمن في المدينة المدمرة وإزالة الأنقاض وترميم الخدمات الأساسية ومنع الهجمات من قبل خلايا تنظيم (داعش) النائمة.

قالت قائدة كردية، اسمها الحركي كلارا الرقة: إن “العمل الذي نقوم به الآن أكثر صعوبة من تحرير المدينة”. وأضافت “إننا مشغولون كثيرًا بنزع فتيل الألغام، وفتح الطرق والتحدث إلى المدنيين”. لقد ترعرعت القائدة في المدينة، وتكنّت باسمها، غير أن فرحتها برؤية الرقة محررة من قبضة تنظيم (داعش) تبدّدت بسبب الحزن على الثمن الذي دفعته المدينة.

وقفَت في دائرة مرور فارغة، عند أسفل برج الساعة، حيث قام المسلحون بالعديد من عمليات قطع الرؤوس والجلد، وقالت: “كانت هذه الأماكن مليئة بالناس. لكنها الآن مدمرة”. وتوجهت إلى شارع للتسوق كان يومًا مزدحمًا، ومرت بجانب كتلة بعد كتلة من المباني المدمرة، التي كانت واجهاتها الأمامية مفتوحة ومحتوياتها مقذوفة على الرصيف. وفي مقابل حديقة صغيرة ممتلئة بالأنقاض، رأت جثة متفحمة لمقاتل من تنظيم (داعش) ملقاة على الشارع، وبقربها دراجة طفل هوائية. ولم يظهر مطعم واحد أو محل تجاري أو شقة من دون أذى.

وفي أثناء ذلك، سُمع صوت انفجار عن بعد، واحدة من عدة قنابل فجرتها فرق التخلص من المتفجرات ذلك الصباح. ويقول الخبراء إنهم لم يشاهدوا مكانًا مليئًا بمخلفات الحرب مثل ذلك المكان.

هـ. مورفي ماكلوي، وهو خبير في التخلص من الذخائر، ويعمل على فريق تابع لوزارة الخارجية لتقديم الدعم للمجلس المدني، قال: “زرعت (داعش) الأرض هناك بكل أنواع الأجهزة المتفجرة المتطورة والمميتة”. دُفن الكثير من هذه الأجهزة تحت الأنقاض؛ ما جعل تعيين أمكنتهم حتى أكثر صعوبة من السابق.

وقد أعلنت القوات السورية المسيطرة على الرقة معظم تلك المناطق ممنوعة على المدنيين لأكثر من ثلاثة أشهر. ولكن بعد تظاهرة قام بها مقيمون مهجرون من حي المشلب الشرقي؛ تحولت إلى عنف في تشرين الأول/ أكتوبر، تم السماح لبعض العائلات بالعودة.

وتم تحويل فريق نزع المتفجرات إلى أحياء أخرى في المدينة، ولكن يبقى الكثير من المواد المتفجرة مخبأ في البيوت، والحدائق، والشوارع. وقال منظمة (أطباء بلا حدود) إنها قامت بعلاج 49 شخصًا من جروح من جراء الشظايا، خلال 10 أيام في أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر. وعلى الرغم من المخاطر، تقدر الأمم المتحدة أن أكثر من خمسة آلاف شخص قد عادوا إلى حي المشلب. لكن وضحة حيدر، التي عاشت في المنطقة مع زوجها وأربعة أطفال، ليست بينهم.

وضحة حيدر، لا يمكنها تحمل نفقات إعادة بناء بيتها المدمر في الرقة، سورية. أنفقت عائلتها كل مدخراتها لشراء دراجة نارية، بغية الهرب من المدينة حين كانت تحت القصف. لذا تقضي فصل الشتاء مع أطفالها الأربعة في خيمة في مخيم عين عيسى. (أليكساندرا زافيز/ لوس أنجلس تايمز).

قالت وضحة: “تم تدمير البيت الذي كنت أعيش فيه، ولا يمكننا العودة”، قالت ذلك وهي تنحني فوق طبق ساخن لتحضير الغداء للعائلة، في مخيم شديد الازدحام في (عين عيسى)، على بعد نحو 50 كيلومترًا شمالي الرقة.

لا تتحمل وضحة أو عائلتها تكاليف إعادة البناء. فقد أنفقوا ما كان لديهم من مدخرات لشراء دراجة نارية بغرض الهرب من المدينة، حين كانت تحت القصف. ومثل آلاف غيرهم، ظلوا عالقين في خيمة في (عين عيسى) فصل الشتاء. قالت: “البرد شديد؛ نحن ستة أشخاص في خيمة، وليس لدينا سوى ثلاثة أغطية وفرشتان”. ويفضل آخرون أن يجربوا حظهم في المدينة المدمرة.

أحمد حميد، وهو صاحب محل في الحي الغربي، وقف مؤخرًا وسط مجموعة من الرجال الغاضبين المتوقفين على نقطة تفتيش تقع خارج الرقة، وقد سمع أن هذه المنطقة لم تكن متضررة بالقدر الذي تضررت به غيرها، ورغب في العودة. قال: “إن كان هنالك لغم في بيتي، فلا بأس.. أفضّل أن أموت في بيتي على أن أعيش في خيمة”.

عنوان المادة
Islamic State’s self-styled capital is in ruins and its population scattered. Who will rebuild Raqqah?

اسم الكاتب
Alexandra Zavis

أليكساندرا سافيز

المصدر تاريخ النشر
Chicago Tribune

16-12-2017

الرابط
http://www.chicagotribune.com/news/nationworld/ct-syria-rebuilding-raqqah-20171215-story.html

اسم المترجم
مروان زكريا

مروان زكريا
[ad_1] [ad_2] [sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون