موت الطغاة فرحة لا تكتمل



يقول الكاتب والروائي جابرييل غارسيا ماركيز، في روايته (الحب في زمن الكوليرا): “لا شيء يشبه الإنسان كطريقة موته”. وهذا ما أكده التاريخ في محطاته الغابرة والمعاصرة، وهذا ما تُبرهن عليه الطرق التي مات فيها أغلب الطغاة عبر التاريخ، فمن أولئك الطغاة مَن أقدم على الانتحار، ومنهم من عُلّق على المشانق، ومنهم من تم سحله. ولا يختلف الأمر -عربيًا- فمن الطغاة من قُبض عليه في جحره واقتيد للإعدام، ومنهم من قُبض عليه في “مجرور الصرف الصحي”، وتم قتله بطريقة تشبهه، شناعةً وقبحًا، وآخرهم -وليس أخيرهم- علي عبد الله الصالح، الذي قُتل قنصًا.

لقد جثم هؤلاء الطغاة على صدور شعوبهم عشرات السنين؛ ما استدعى انتفاض تلك الشعوب عليهم، معلنين ربيعهم العربي، ضد الاستبداد والتسلط والإجرام، هذا الربيع الذي لمّا يُستكمل بعد، وسنشهد ضمن أجزائه التالية موتَ طغاة آخرين، وستكون الطرق أعنف وأشد قبحًا، كما تليق بهم، وكما تشبههم.

لا ينكر أحد مدى الفرح والسرور الذي اعتمر قلوب الثائرين، يومَ سمعوا نبأ موت أولئك الطغاة، كما لا يمكننا نكران مدى تشوقنا وتلهفنا لسماع نبأ مصرع من تبقى من طغاة، يرتكبون يوميًا جرائم ضد الإنسانية بحق شعبهم، ولا يحق لأحدٍ مصادرة حقهم في شعورهم ذاك، فقد ذاقوا ما ذاقوه من ويلات، دامت طيلة سني حكمهم، لكن مع مرور سنوات الربيع العربي، والتحولات عسيرة الهضم ومرة المذاق التي واكبته؛ تكشّف لدى الكثيرين أن هذا الفرح منقوص، فمقتل طاغية لا يعني انتهاء الاستبداد، بل هو مجرد تفصيل صغير في سيرورة التحول، نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالثقافة التي أفرزت الأسد وصالح والقذافي وغيرهم، قادرةٌ على إعادة إنتاجهم إلى ما لانهاية، ما لم تواجَه سلبياتها، وما لم تتبن ثقافة الديمقراطية فكرًا وسلوكًا، وتحدث مراجعات جادة لما يتنافى وثقافة حقوق الإنسان.

إن ثورات الربيع العربي -هذا الحدث التاريخي الجلل- قد وضعتنا أمام مكاشفات ذاتية عميقة، تضرب جذورها عمق ثقافتنا، ومَردُ ذهنيتنا، وما هؤلاء الطغم الطغاة إلا من مفرزاتها، ومن صنوف عيوبها. لقد عبّر هؤلاء الطغاة عن شخصيتنا الثقافية الجمعية في حالنا المعاصرة؛ فأمسوا أيقونات للوجه القميء لثقافة الإقصاء ورفض الآخر التي نملك، مستخدمين في سبيل فرض ذاتهم أعتى أدوات الإجرام، متحالفين مع أعداء شعوبهم في سبيل تحصنهم وانغلاقهم واستبدادهم، ونهايتهم واحدة “الموت قتلًا”، ولكن بطرق مختلفة، تشابه القتيل.

في بداية الربيع العربي، ومع انتقال شعلة “البوعزيزي”؛ تنكر الطغاة لهذا الواقع الجديد، مستبعدين انتقال الثورات إلى بلدانهم، لكنها انتقلت، ومع مصرع كل طاغية بطريقة، تنكر الطغاة مرة أخرى، وقد قُتلوا أو خُلعوا، ومن بقي منهم لم يعتبر، بل زاد إمعانًا في القتل والتدمير، فهم كما وصفهم الكاتب والمفكر الراحل عبد الرحمن منيف، حين قال: “لو قرأ المستبد التاريخ؛ لوفّر على شعبه ونفسه الكثير”.

لقد قُتل الطغاة أو تم خلعهم؛ وهذا من نتائج ربيع العرب، ولولا ذلك، لولّى كل منهم أحد أبنائه خلافته من بعده، لتستمر الكارثة، وتُؤجل النهضة، ويتأخر ولوج التاريخ لشعب عُطّل وغيّب عن مفاعيله.

فرحنا، وسنظل نفرح، بمصرع كل طاغية، لكن فرحتنا لن تكتمل إلا بتجفيف منابع الاستبداد، وإحلال قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وجعلهما غايةً ووسيلةً في سبيل وعي ذاتنا ونهوضها.


فادي كحلوس


المصدر
جيرون