الذهاب إلى سوتشي.. قبول بالأسد وبموسكو



قبل أن يُودّع السوريون عامًا، ويستقبلوا آخر، صار بإمكانهم التحدث عن صراع متعدد الأشكال والأعداء، صراعٍ ينطوي على العسكري والسياسي والدبلوماسي، يضاف إليها صراع إعلامي وثقافي وأخلاقي، وبعد أن تراجع العنصر العسكري؛ بقيت العناصر الأخرى مؤكَّدة، بسبب تغير سياق الصراع، كما فرضته فاشية الأسد وموسكو.

تأتي اندفاعة موسكو لعقد مؤتمر يجمع المعارضة السورية في سوتشي الروسية، لفرض الإملاءات التي يلقيها “المنتصر على المهزوم”. وترى موسكو أن المشهد السوري، ومن خلفه المشهد الإقليمي والدولي، قد تغيّر كثيرًا، وبقي السوري المشتت، كما السوري في كل زوايا وطنه، يرى في نظام الأسد وموسكو وطهران، وكل سلال الخذلان الدولي، سببًا لبؤسه واضطهاده ومقتلته.

يتأمل السوريون عامهم المختوم بأثقال جبارة، وقد خفتت وتراجعت الأصوات والمواقف المساندة لهم والمدافعة عن حقوقهم، بعضها استطال الوقوف إلى جانب الطاغية، وآخرون يعملون على تزييف الوقائع وتزويرها، على ضوء مشهد جديد لا بهجة فيه. كان من المفترض أن يختم السوريون عامَهم وقد رأوا “زعماء معارضتهم” يتّحدون على موقفٍ، تجاه مؤتمر سوتشي الروسي، قبل أن يعيد مندوب بوتين إلى سورية: ألكسندر لافرنتيف، تصريحاته بأن “من كان يريد رحيل الأسد؛ فمن الأفضل له أن لا يأتي إلى سوتشي”. لا وضوح أكثر من هذا؛ يقولها الروس بصراحة نحن نريد الأسد رغمًا عن إرادة كل السوريين، وكل المفاوضات ستكون تحت هذا السقف. بحيث بات أمام المعارضة ما يكفي من الأسباب والوقائع التي تشير إلى أهمية المرحلة الجديدة التي تنتظرهم، أي المبادرة إلى تطوير الأدوات والوسائل الملازمة لهذا العمل، كأدوات مواجهة لمحتل يعمل على فرض وصايته، ليس على طاغيتهم بل على إرادتهم.

لكن ما يحصل -للأسف- يذهب باتجاه مختلف، فما تبقى من هذا العمل أصبح متعثرًا، بل لم يعد يعثر إلا على الحد الأدنى المطلق اللازم له، كأن نتمنى أن ترفض المعارضة قبول دعوة موسكو، لحضور مؤتمرها في سوتشي لإعادة تأهيل الأسد، والقبول بكل ما ترتبت عليه وحشية الشريكين الروسي والأسدي، علمًا أنه في سنوات سابقة كانت المعارضة السورية تمتلك أكثر مما هو مطلوب لاحتياجاتها وأغراضها، لكنها تبددت في الاتجاهات المدمرة التي يعرفها الجميع.

من الخطأ والغبن، إغفال الحالة الصعبة التي ستنتهي إليها حال المعارضة السورية، في حال المشاركة فقط في سوتشي، وما يترتب على ذلك من خيارات سياسية رسَم الروسي سقفها وأرضها، وهي جدية وخطرة، إن كانت أساس الحل الروسي القائم على حصانة مكانة الأسد وحصانة مصالح موسكو معه، تحت كل ذلك، متاح الحديث عن ثرثرات أخرى، كتعديل الدستور، وطريقة الحكم، وكل ذلك تحت ذات السقف الذي دمّر تاريخ وحاضر ومستقبل سورية.

إن رهن نضالات الشعب السوري وتضحياته، لآليات وديناميات، يسيطر عليها المحتل الروسي الذي قاد عملية تدمير منهجية لمكامن قوة المجتمع السوري، من خلال الاحتفاظ بقاتل ومغتصب وفران بشري ومجرم حرب، والإصرار في كل مناسبة على حمايته من العدالة الدولية، لا يمكن أن تؤدي النتائج التي ترتبها موسكو وطهران، بالاتفاق مع واشنطن وتل أبيب، سوى إلى تحويل مستقبل الشعب السوري، إلى موقع الخاضع والتابع، ليستخدمها الطاغية والمحتل لفرض هيمنته وشرعيته.

السؤال المطروح في الطريق إلى سوتشي الروسية: هل قيادة المعارضة السورية المتخبطة والمتعثرة، لا تحفل بالمتغيرات ولا تلتفت إليها، كما لو أنها في برج عاجي منخلع عن الواقع؟ وهل تعمل هذه المعارضة للحفاظ على حركتها الذاتية، أكثر مما تعمل للحفاظ على دينامية الثورة وروحها، للتخلص من الطاغية والمحتل اللذين يعملان على تشريع كل ما نتج عنهما في مفاوضات عبثية؟ في الحالات كلها، هناك خلل موجود في مكان ما أو أمكنة متعددة؛ ذلك أن وهن عضو من جسم المعارضة يعلن عن خلل في كل منصاتها وتشكيلاتها، إن سُقِفت بما أدلقه ممثل بوتين عن الأسد. إذًا على ماذا قامت التضحيات المستمرة إلى الآن!


نزار السهلي


المصدر
جيرون