استحقاق سوتشي يؤسس لتصعيد عسكري



حددت روسيا مسارين للتحرك في سورية خلال المرحلة المقبلة. وبالتوازي مع التوجه لعقد مؤتمر سوتشي للحوار بمن حضر، ثمة تصعيد ميداني يلوح في الأفق، يهدف إلى الضغط على ما تبقى من معارضة مسلحة وإنجاز الحسم العسكري على الأرض.

الرسائل التي وجهتها موسكو خلال الأسبوعين الأخيرين واضحة لا تقبل التأويل. هي ماضية في ترتيباتها لتنظيم مؤتمر سوتشي، بعدما توصلت إلى ما يشبه الصفقة مع الأمم المتحدة لضمان رعاية أممية في مقابل الضغط على الحكومة السورية لحضور الجولة المقبلة من جنيف. والإصرار على الحضور الأممي تزامن مع توسيع أجندة الحوار المزمع لتشمل إضافة إلى ملفَي الدستور والانتخابات، مسألة رفع العقوبات الدولية المفروضة على حكومة دمشق، ووضع تصور أولي لمشروع ضخم لإعادة الإعمار. بهذا المدخل تمهد موسكو لتحويل منصة سوتشي إلى مسار كامل يوظف التغيرات الميدانية التي حدثت خلال العام الأخير، ويسعى إلى ترجمتها سياسياً، وهو أمر لا يوفره مسار جنيف.
هنا يكمن التشدد الروسي مع المعارضة، التي ما زال خطابها يراوح عند سقف بيان جنيف واحد، بينما تعتبر موسكو أن الواقع الميداني تجاوزه.

منذ البداية، لم تكن موسكو مرتاحة لمخرجات لقاء الرياض-2 وبذلت جهداً كبيراً للتأثير في مساعي تشكيل الوفد المعارض الموحد وفي البيان السياسي الصادر عن الاجتماع. فمطلب رحيل الأسد مع بداية المرحلة الانتقالية يقوّض مساعي تثبيت «الانتصار العسكري» سياسياً. لذلك تركّز موسكو جهدها حالياً على وضع شروط تعجيزية أمام الجسم الأساسي للمعارضة، من خلال الإصرار على ضرورة التخلي عن هذا المطلب إذا أرادت الانضمام إلى سوتشي.
يعتقد بعض أطراف المعارضة بأن موسكو سترضخ أمام موقف موحد للمعارضة السياسية والمسلحة بمقاطعة سوتشي، بينما الرسائل الصادرة عن موسكو توحي بأنها ستذهب إلى أبعد من محاولة إذلال المعارضة، وتعمل حالياً على تفكيكها والقضاء على ما تبقى من عناصر تمدها بالقوة.
فهي أولاً تحضّر لتمثيل واسع للمكوّنات القومية والدينية والعشائرية والمناطقية في سورية، مستندة إلى بند في القرار 2254 يتحدث عن حوار بين كل مكوّنات الشعب السوري. ما يعني أن حضوراً موسعاً وكثيفاً بهذا الحجم من شأنه صناعة تمثيل جديد للشعب السوري على هوى موسكو وبالتعاون مع حليفيها التركي والإيراني.
ثانياً، أعادت لهجة التهديد بتحرك واسع يرفع هذا المرة شعار «القضاء على جبهة النصرة» التذكير بمقدرة موسكو على ممارسة ضغط عسكري قويّ مسرحه غوطة دمشق وإدلب. وإضافة إلى هدف إحكام قبضة النظام على المنطقتين، يبرز التوجه إلى تعزيز الانقسامات في صفوف المعارضة المسلحة وإجبارها على الانخراط في المصالحات الميدانية في عدد من المناطق.

تراقب موسكو في الوقت ذاته، التطوّرات الجارية في الجبهة الجنوبية، وسط تحذيرات من أن اقتراب قوات النظام والميليشيات الحليفة من الجولان يهدّد بمواجهة مع إسرائيل. وثمة من يرى في موسكو أن التصعيد في هذه المنطقة يوفر عناصر ضغط جديدة لمصلحة المشروع الروسي. خصوصاً مع امتلاك موسكو ورقة إضافية للتأثير كونها تحافظ على علاقات جيدة مع الطرفين الإيراني والإسرائيلي.
لكن نقطة الضعف الأساسية في الرؤية الروسية لخريطة تطور الأوضاع، تكمن في العجز عن إطلاق مشروع جاد لإعادة الإعمار، وعلى رغم استعداد شركات روسية كبرى للانخراط في هذا الجهد، والإشارات الكثيرة عن استعداد مماثل لدى الصين لتوظيف «مبالغ ضخمة» لكن من الصعب تخيل إطلاق مشروع «مارشال 2» لسورية وفق تعبير الرئيس فلاديمير بوتين، من دون مشاركة أطراف مانحة أساسية مثل بلدان مجلس التعاون التي لن تقبل بالمشاركة في تمويل وجود إيراني دائم في سورية. أو من دون أوروبا والولايات المتحدة التي تسعى روسيا بدأب إلى تقليص دورها في وضع ملامح التسوية النهائية.

(*) كاتب سوري


الحياة


المصدر
جيرون