الشباب السوري المهدور.. البعض يتماهي مع (الشبيحة)



فرضَت الثورة السورية واقعًا جديدًا، حاول كثير من الشباب السوري التأقلم معه لأسباب مختلفة. قبل الثورة كان السوري يعرف “الشبيحة”، من خلال صيتهم السيئ، ويعلم أن هذه المجموعة مرتبطة بآل الأسد، وأن نشاطها يعود إلى الثمانينيات، أيام كانت تعمل في تهريب البضائع، غير أن عملها تطور فيما بعد، وبخاصة بعد التأسيس الفعلي لها على يد محمد الأسد (ابن عم بشار الأسد) المعروف بـ “شيخ الجبل”، فقد أصبح لهم (الشبيحة) صفات خاصة، مثل الأجسام الضخمة وانعدام الثقافة، والتفنن في الإجرام.

بعد الثورة؛ أصبح “التشبيح” ظاهرة اجتماعية ممنهجة من قبل رأس النظام. قال أحد المواطنين، الذي تربطه صداقة قديمة بوزير المصالحة علي حيدر، لـ(جيرون) إنه طلب منه العمل على تحسين صورة الحواجز في مدينة حماة وريفها عام 2012، من خلال تطعيمها ببعض الشبان المتعلمين، وبخاصة من (الحزب القومي السوري) الذي يترأسه الوزير ذاته، فكان جوابه: “إن السيد الرئيس ذاته أكد على وجوب احتضان كافة الزعران والمجرمين في المنطقة، وتأطيرهم”، في مؤسسات البطش لدى النظام، التي انتشرت في كافة المناطق التي ثارت ضد النظام، حيث مارسوا وحشية وعنفًا على المواطنين العاديين، وكانت كتاباتهم التي تعبّر عن جهلهم تصبغ الجدران، كما كانت لهم الحصة الكبيرة من تعفيش المناطق الثائرة على النظام. وللشبيحة مظهر موحد تقريبًا: لباس عسكري مموه، ولحى كثيفة، ومفردات لغوية موحدة، وطبعًا أسلحتهم التي لا تفارقهم.

هذا الانتشار الكبير للشبيحة فرضَ على الشبان السوريين غير المتأطرين في مؤسسات “التشبيح”، والذين يقطنون المناطق الخاضعة لسلطة النظام، التماهي مع شخصيات “الشبيحة” وأشكالهم، خوفًا ومداراة من بطشهم، أو لأنهم وجدوا النجاة في أن يكونوا مثلهم.

إن حال الشبان السوريين الخائفين تُشكّل هاجسًا كبيرًا لهم، وذلك من خلال محاولتهم التماهي مع الواقع المفروض عليهم، حيث يغتربون عن أنفسهم، ويصبحون صورة أخرى، لم يرغبوا يومًا في أن يكونوا عليها، فالجميع متشابه إلى درجة لا تميز بها الأم ابنها من صديقه، جميعهم يرتدون اللباس العسكري المموه، ويطلقون لحاهم، ويصبح لديهم حياة مزدوجة، واحدة خارج المنزل والأخرى داخله. وتكبر المشكلة يومًا بعد يوم، وهي لا تقل خطورة عمّا تمر به سورية؛ ذلك أن عدم قدرة الشبان على إيجاد ذواتهم، بسبب ما فرض عليهم من أوضاع، هو هدر لطاقات الشباب المقبل على الحياة، وهدرٌ لفكرهم وقيمتهم، هدر لكل ما يمكن أن يعول عليه منهم، ولقدراتهم التي يحتاج إليها البلد.

أصبح الشبان مجردين من حريتهم الشخصية حتى في اختيار مظهرهم الخارجي، ومفردات لغتهم اليومية، لا يرغب هؤلاء الشبان في أن يزج بهم في ساحات القتال، حيث الموت المباشر، فهم يرغبون في الحياة، ولكن أي حياة لديهم، في ظل واقع فرض عليهم ما فرض!

إنهم يعيشون على هامش الحياة، ولم يكتف النظام بما شرّد وهجّر وقتل، بل أضاف إلى كل هذا الخراب خرابًا جديدًا بأن هدر طاقات من بقي في الداخل الواقع تحت سيطرته، وجعله يدور في دوامة الخوف والتماهي معه، وبهذا أصبح هؤلاء على هامش الحياة. ومهمة التهميش من مهمات السلطة الاستبدادية، هذه السلطة التي ابتليت بها سورية، أما من وجد النجاة بأن يكون مثلهم، فهؤلاء ليسوا إلا خسارة تسجل في ميزان الخسارات الكثيرة التي خسرتها سورية. الشباب السوري المهدور.


زين الأحمد


المصدر
جيرون