صحيفة فزغلياد: نجاحات الجيش السوري الجديدة تهدّد “إسرائيل”



الصورة: عمار سفرجلاني/ زوما-/ وكالة تاس

تعقّد مناورات الجيش السوري الاستراتيجية وضعَ “إسرائيل” بدرجةٍ عالية، حيث تُظهر “إسرائيل” ردات فعلٍ متوترة، إزاء أيّ ظهور شيعيٍّ قرب مرتفعات الجولان. حتى إنّ محاورة الإرهابيين المكشوفين تناسب “إسرائيل” أكثر بكثيرٍ. في هذا الوقت، يواصل الجيش السوري التقدم في محافظة إدلب بشكلٍ تدريجي، ممّا قد يستفزّ أيضًا التحالف الموالي للولايات المتحدة الأميركية.

تمكّنت القوات السورية الحكومية، مدعومة بالميليشيات الموالية، من إخراج مقاتلي “جبهة النصرة” من مواقعها الاستراتيجية بالقرب من نبع المياه العذبة في منبج [ريف دمشق]، وأحكموا الطوق حول معقل الإرهابيين في قرية (مُغر المير) جنوب –غرب دمشق. واستطاع الجيش السوري التغلّب على مقاومة الجهاديين، بعد معارك شرسة، وتدمير عدّة قطعٍ من المعدّات الحربيّة، بحسب الأنباء الواردة.

تؤكّد المصادر العربيّة أنَّه بعد تطويق (مغير المير) وتحرير (بيت جنّ) بالكامل، وافقت “جبهة النصرة” على القبول بشروط الجيش السوري بتسليم مواقعها. والآن يضع مقاتلو (النصرة) أسلحتهم ويغادرون إلى “محميّة” محافظة إدلب.

سبق لقيادة الجيش السوري أنْ عرضت على “جبهة النصرة” في منطقة دمشق الاستسلام، غير أنَّ الإسلاميين رفضوا هذه العروض، آملين بتلقي الدعم من “إسرائيل”، التي تحتلّ هضبة الجولان المجاورة. بيد أنّهم أعادوا التفكير جذريًا، بعد حصار (مغر المير) وسقوط (بيت جنّ). فبلدة (مغر المير) تقع على أبواب جبال حرمون، وعادةً ما يثير كلّ ما يجري في المنطقة اهتمام “إسرائيل” البالغ. وبالفعل، كان الإسرائيليون مستعدّين لتحمُّل “جيرانٍ” من إرهابيي (جبهة النصرة)، إلا أنّ الوضع الذي سيتشكّل بعد هزيمتهم وانتقال السيطرة على مرتفعات جبل الحرمون إلى الجيش السوري يثير لديهم ارتباكًا مضرًّا.

في “إسرائيل”، يدفعون باتجاه أنّه “وفق معلومات الاستخبارات الغربية”، فقد شاركت في العمليات التي جرت قرب دمشق، وفي منطقة القنيطرة، وحداتٌ شيعيّة، بما فيها وحداتٌ من “حزب الله” اللبناني أحد ألدّ أعداء الدولة العبرية. غير أنّه يتوجّب على القوات الحكوميّة السوريّة وحلفائها (بما في ذلك من الشيعة) حلّ مشكلة المجموعات الجهادية، بأيّ ثمن. وإذا كانت “إسرائيل”، لأسبابٍ ما، لا تقبل هذه الحقيقة الجديدة هناك؛ فهذه مشكلتها وحدها.

الأمر الآخر أنّ “إسرائيل” في مثل هذا الوضع، تميل إلى التصرّف العنيف. فقد قامت غير مرّةٍ بشنِّ هجماتٍ صاروخية على الأراضي السورية، خاصّة لاستهداف تلك المواقع التي تقع بالقرب من دمشق وفي محافظة القنيطرة، اللتين تعتبران من المناطق التي تسيطر عليها الفصائل الشيعيّة. وكانت الضربة الأخيرة قد وقعت في بداية شهر كانون الأوّل/ ديسمبر، حيث قامت الطائرات الإسرائيليّة بقصف القاعدة الجويّة في الكسوة جنوب مدينة دمشق، التي اعتبرها الإسرائيليون من معاقل إيران، وأيضًا “بحسب الاستخبارات الغربية”.

وبالنتيجة، فإنّ “إسرائيل” مستعدةٌ بأيّ وسيلةٍ كانت لإبعاد الفصائل الشيعيّة والقوات الحكومية السورية عن هضبة الجولان، مشدّدة بالتحديد على الانتماء الطائفي لهذا الفصيل أو ذاك. وانطلاقًا من هذا المنطق، يبدو الجهاديّون (وهم من وجهة نظرٍ رسميّة من السنَّة) جيرانًا مقبولين أكثر من أيٍّ من الشيعة.

ومع ذلك، فإنّ المجموعات الشيعية في هذه المنطقة، تتألف بغالبيتها من السكان المحليين، ولا ينتمون رسميًّا إلى “حزب الله”. على أيّ حال، سيكون على “إسرائيل” الاعتراف بأنّ هناك الكثير من السكان الذين يقطنون مناطق سفوح الحرمون منذ زمنٍ بعيد، هم من الشيعة والدروز. فإن لم تفلح محاولات إخراجهم من مناطقهم، حتى بالاستعانة بجهود الجهاديين، فكيف بصرخات قادمة من تلّ أبيب!

حتى الآن، ما زال الجيش السوري يقدّم التنازلات لـ “إسرائيل” في هذه المنطقة، بإحجامه عن استخدام المدفعية الثقيلة بعيدة المدى قرب هضبة الجولان. ولأسبابٍ غير مفهمة يتوتّر الإسرائيليون، عندما تظهر على مسافة 30 كم من هضبة الجولان مدفعيةٌ بعيدة المدى. أغارت الطائرات الإسرائيليّة مرتين على مرابض المدفعية السورية، مؤكّدةً أنّها لا تخشى الجيش العربي السوري، بقدر خشيتها من إمكانية وقوع أنظمة المدفعية بعيدة المدى بيد “الرجال الأشرار”.

والآن، لا يوجد “رجالٌ أشرار”، حول دمشق أو في محافظة القنيطرة، لذا تبدو مخاوف “إسرائيل” المعتادة كجنون عظمةٍ. كما أنّ القوات الجوية-الفضائية الروسية لا تعمل في هذه المنطقة، لأنّها تعدّ “منطقة منزوعة السلاح”، بحسب الاتفاقات الروسية الأميركية. في الأيام الأخيرة، ساند الطيران الروسي هجوم القوات الحكومية جنوب محافظة إدلب التي طالت عذاباتها. فقد تعرضت للقصف مواقع مقاتلي “النصرة” في أطراف قرية (أبو دالي) وما حولها. وتهدف هذه العملية إلى تأمين تقدّم وحدات الجيش السوري باتجاه قاعدة مطار (أبو ظهور) شمال المنطقة الجنوبية من المحافظة، التي يسيطر عليها الإسلاميون.

سبق أن تمكّنت القوات الحكومية المهاجمة من محافظة حلب بمساعدة الطيران الحربي الروسي من استرجاع جزءٍ من المناطق على أطراف إدلب الجنوبية من يد الإرهابيين، وخاصّةً منطقة تل خنزير. على التوازي تشنّ وحدات الجيش السوري هجماتٍ باتجاه “محميّة” مدينة خناصر جنوب حلب. وشيئًا فشيئًا، يتقدّم الجيش السوري بتغطيةٍ ودعمٍ من القوات الجوية الفضائية الروسية في المنطقتين، إلا أنّ “النصرة” تقاوم بشراسة. أمّا المجموعات الأكثر اعتدالًا في إدلب فتلتزم بنظام التهدئة، وبالتالي لا تتعرّض للقصف الجوّي.

كلّ هذا لا يعني، حتى الآن، بداية هجومٍ واسع على إدلب، لأنّه من الصعب إيجاد تبرير سياسيٍّ لمثل هذه العملية، في الوقت الراهن. بغضّ النظر عن وضوح وجهات نظر وأساليب “جبهة النصرة”، التي تغيّر تسمياتها وهيكليتها باستمرار، فإنّ الغرب لا يقيّمها بشكلٍ صريح، كما حال (تنظيم الدولة الإسلاميّة).

ومهما بدا الأمر مدهشًا؛ فإنّ الولايات المتحدة الأميركية تواصل الإصرار على وجود ما يسمّى “المعارضة المعتدلة”، التي تموّلها وفق مبدأ “المتبقّي” (من بقى). ويمكن أن نرى في ذلك مصلحةً لتلك الأوساط في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، الذين يقبعون منذ سنواتٍ على أكوامٍ من الأموال التي لا تخضع للمحاسبة المالية، ولا يريدون مغادرة هذه المأدبة. وبالنتيجة فإنّ المجموعات الإرهابية نفسها، ولكن بمسمّيات تغيرّت عدة مراتٍ خلال نصف عام، تبتعد أحيانًا عن الجهاديّة، وتعود أحيانًا لتدخل تحالفاتٍ متلونة مع “النصرة” و”القاعدة”.

في نهاية الأمر، يبقى من الصعب -حتى الآن- تحديد أهدافٍ حقيقية داخل “المحمية في إدلب”، كي يتمّ التعامل معها. ولكن مع توغّل القوات في عمق المحافظة؛ ستصبح المقاومة أكثر شراسةً. فعلى سبيل المثال، خلال الاحتفالات بأعياد الميلاد الكاثوليكية التي جرت في مدينة (محردة) التي تمتلك أهميةً استراتيجيّة، بسبب مرور طريق دائري منها يلتفّ حول كامل مرتفعات اللطامنة، تعرّضت محردة لقصفٍ مكثّفٍ من مواقع مجموعة (جيش العزّة)، التي كانت تُعدّ، قبل فترةٍ وجيزة، جزءًا من المعارضة “المعتدلة”، ومما يسمّى الجيش السوري الحرّ، والأكثر من ذلك، المموّلة من قبل وكالة المخابرات المركزية. والآن يتعاون (جيش العزّة) مع (جبهة النصرة). فمن يكونون بعد هذا؟

 

اسم المقالة الأصلية Израиль угрожает новым успехам сирийской армии

  كاتب المقالة يفغيني كروتيكوف مكان وتاريخ النشر صحيفة فزغلياد 26 كانون أول 2017 رابط المقالة https://vz.ru/world/2017/12/26/901294.html

  ترجمة سمير رمان

 


سمير رمان


المصدر
جيرون