أعياد الميلاد.. الاحتفالات تغيب عن كنائس الحسكة



أحيَت مختلف الطوائف المسيحية في محافظة الحسكة، عدا طائفة الأرمن الأرثوذكس التي تتبع التقويم الشرقي، يوم الإثنين الماضي 25 كانون الأول/ ديسمبر، ذكرى ميلاد السيد المسيح، بغياب شبه تام لطقوس الاحتفال المعتادة، حيث اقتصرت على الصلوات والقداديس في الكنائس.

عزا جميل دياربكرلي، مدير (المرصد الآشوري لحقوق الإنسان)، سببَ هذا البرود في أداء الشعائر الدينية إلى “أن الحرب قد أسدلت ظلالها على مجتمع المسيحيين في الجزيرة، وأثّرت على الأهالي الذين لمّا تبرأ جراحهم بعدُ، من جرّاء الهجمات الإرهابية التي استهدفت مناطقهم في القامشلي، في شهر الميلاد قبل عامين، كما أسهم الوضع الاقتصادي المتردّي الذي يعيشه أهالي الجزيرة في الحدّ من مظاهر العيد المعتادة”.

أضاف دياربكرلي لـ (جيرون): “منذ عدة سنوات، يجري تفريغ مناطق الجزيرة من الوجود المسيحي، وتعاني معظم بيوت المسيحيين في الجزيرة من هجرة أبنائها، لذلك أضحت الأعياد بلا طعم أو لون، واقتصرت على الصلوات في الكنائس، لكي يعمّ السلام في ربوع البلاد”.

تضمّ محافظة الحسكة عشرات الكنائس والأديرة لعددٍ من الطوائف المسيحية، حيث تضم مدينة القامشلي وريفها 13 كنيسة، تتبع لطوائف (السريان الأرثوذكس، السريان الكاثوليك، الأرمن الأرثوذكس، الأرمن الكاثوليك، الكلدان والإنجيليين)، وتعدّ كنيسة (ماريعقوب النصيبيني) للسريان الأرثوذكس أقدم كنيسة سريانية هناك، حيث تأسست عام 1927، وكذلك كنيسة (القديسة فبرونيا) في هيمو، ودير القديس (مار آحو) في الدمخية.

أما مدينة الحسكة فتضمّ 8 كنائس لمختلف الطوائف المسيحية، أشهرها كنيسة (مار جرجس) التي تأسست عام 1925، إضافةً إلى عددٍ من كنائس الآشوريين النساطرة، في وادي الخابور بين مدينتي الحسكة وتل تمر. وتعرضت قرى وادي الخابور الآشورية لهجومٍ واسع من قِبل تنظيم (داعش) عام 2014، أدى إلى مقتل واختطاف العشرات، وتدمير هذه القرى فضلًا عن تدمير عددٍ من الكنائس.

تضمّ الدرباسية كنيستين وعامودا كنيستين أيضًا، وتوقفت الصلاة في مجمل كنائسهما، منذ العام 1970، ولكن أُعيد افتتاح كنيسة عامودا للسريان الأرثوذكس، بعد ترميمها قبل عدة أشهر، كما تضمّ القحطانية (القبور البيض) وريفها 14 كنيسة، وتضمّ المالكية (ديريك) سبع كنائس، ما زال معظمها مفتوحًا وتقام فيها الصلوات، بحسب موقع دليل الكنائس السريانية (أولف).

وصف كرم دولي، عضو (المنظمة الآثورية الديمقراطية)، الاحتفالات بذكرى ميلاد السيد المسيح التي كانت تقام في الجزيرة سابقًا، بأنها كانت “تعكس طبيعة الحالة الاجتماعية بين المسيحيين أنفسهم، وبينهم وبين بقية مكونات الجزيرة السورية. فقد كانت تنشط خلال احتفالات الميلاد عادةً الفِرق الكشفية، والفرق الشعبية التراثية التي تُضفي الألفة بين الجميع”.

أضاف دولي: “مسيحيو الجزيرة لديهم علاقة عميقة مع بقية المكونات، وتمثل منطقة الجزيرة -تاريخيًا- موطن السريان الآشوريين، وفي العصر الحديث بُنيت المدن بأيدي جميع السكان، وكان للحضور المسيحي دورٌ كبير في بناء المدن”.

أظهرت الصور التي نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، من مختلف كنائس الجزيرة السورية، أن معظم الموجودين في أعياد هذا العام هم من كبار السن، وأعدادهم قليلة جدًا، كما أن الشعائر الدينية والطقوس، من صلوات وقداديس، كانت مختلفة عن الأعوام الماضية، من حيث زخمها وشكلها. ويعزو (دولي) السبب إلى “شعور المسيحيين بالغربة، بسبب التغيير الديموغرافي الذي حصل في المنطقة، نتيجة الهجرة والتهجير الذي تعرضوا له، وافتقاد عنصر الشباب”، وأضاف في هذا الجانب: “لقد اختلفت مظاهر العيد لأن الشعور المهيمن عند مجمل المسيحيين هو الحسرة والذاكرة المؤلمة”.

أضاف دولي: “يسيطر على الأهالي شعورٌ دائمٌ بالقلق من المستقبل، بفعل الهدوء الذي تعيشه منطقة الجزيرة، ويُخشى من مرحلة تسبق صراعًا عنفيًا، من الممكن أن يشتعل في المنطقة، نتيجة طبيعة القوى المسيطرة فيها؛ إذ توجد خشية من صراع بين ميليشيات (قوات سورية الديمقراطية) وقوات النظام، ناهيك عن أن منطقة الجزيرة باتت تحت المجهر، حيث يوجد فيها حضور عسكري أميركي عبر القواعد الأميركية، وحضور عسكري روسي ووجود أمني للنظام، فضلًا عن تداعيات الوجود الكردي المُسلّح الذي يسيطر على مناطق واسعة، تحتوي ثروات نفطية ومحاصيل زراعية، هذه العوامل مجتمعة تجعل المسيحيين يشعرون بالقلق”.


سامر الأحمد


المصدر
جيرون