الكوتا النسائية السورية وفشل الاستحقاق الأول

29 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2017
5 minutes

جاء مؤتمر المعارضة السورية الموسع الثاني في مدينة الرياض، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، كامتحان أول لمفهوم (كوتا) المشاركة النسائية في الكيانات السياسية المعارضة، بعد أن طالبت به المُشاركات في مؤتمر الرياض الأول، عام 2016، وثُبُّت في الورقيات في كلا المؤتمرين. لكن تطبيقه على أرض الواقع كان مرهونًا بالضغط الدولي في هذا الاتجاه، من دون أي مبادرة إيجابية سورية في هذا الشأن، على العكس فقد قُوبلت هذه المطالب بتململ تجاهها في أوساط المعارضة، وكان أن فُرِضت من قبل مبعوثي المجتمع الدولي والأمم المتحدة بشكل شبه إلزامي أن يشمل الكيان الناتج عن مؤتمر المعارضة الثاني ثلاثون بالمئة على الأقل من السيدات.

لكن الأمر لم يتوقف عند الوجه الإيجابي لهذه المطالب بتطبيق الكوتا النسائية، فكان لها ما للتبعية بالقرار من مآخذ سلبية، حيثُ فُرض ضمنيًا بأن تُكتسب النسبة الغالبة من الكوتا النسائية، من التيار السياسي القابل للمهادنة في القبول ببقاء الأسد خلال المرحلة الانتقالية، وربما لما بعدها أيضًا، وفق المسار الجديد الذي يفرضه المجتمع الدولي في هذا الشأن، والذي أُحدِثَ وفقه الكيان الجديد، بحيث يكون متجانسًا في هذه المفاهيم.

بالإضافة إلى ارتهان الكوتا للمطالب الدولية، نسبة ودورًا، فقد أظهر هذا الاستحقاق بوضوح الشرخ العميق في مفهوم العمل السياسي عند البعض، والذي اتخذ منحًى يعيد تدوير أساليب النظام الاستخباراتية، عن جهل أو عن عمد؛ فاتسم بتنفيذ خطط، بتشريع الكذب والتشهير والإشاعات، للوصول إلى الموقع الذي ما زال يُعتبر موقعًا للتسلط، وليس موقعًا لخدمة المصلحة السورية، على الرغم من كوارث السنوات السبعة جميعها، تسبقها كوارث السنوات الخمسين والتي نرى بصماتها واضحة في هذا السياق.

لا يعني ذلك أن نفقد إيماننا بضرورة النهوض بالمرأة السورية، ونستسلم لهذا الواقع المفروض اليوم باستغلال هذا الحراك بعيدًا عن مصلحة السوريات، فهو واقع تفرضه الظروف المحيطة بالشأن السوري، من إملاءات خارجية، وتشريع أساليب ملتوية لتحقيقها، وصراع مستميت على حرف المسار لمصلحة النظام ووأد الثورة وقيمها. بل يعني أن العمل عميقًا، على عودة المرأة السورية إلى مفاصل الحياة العامة، يحتاج إلى جهد حثيث ضمن العمل على التغيير الشامل والثورة المجتمعية في سورية، ومن ضمنها تغييرُ نظرة المجتمع السوري إلى تواجد المرأة في العمل في الشأن العام؛ ليكون تطبيق الكوتا النسائية في المستقبل مطلبًا سوريًا طبيعيًا، لا يُفرض فرضًا عليهم. والعمل الحثيث أيضًا على أن لا تورث العقلية الاستبدادية التي وسم بها كثيرون من الأجيال السابقة، ممن نشؤوا في كنف النظام أو تآلفوا معه، للأجيال السورية الشابة الصاعدة، كي لا تساهم بإعادة إنتاج آلياته بعد أن شكلت الثورة السورية معبر خروج للشابات والشبان من هذا النفق.

يحضرني في هذا السياق حدث تاريخي حصل خلال الثورة الفرنسية، فبعد مسيرة النساء الفرنسيات من باريس إلى فيرساي للمطالبة بالخبز، كانت أعدادهن بالآلاف، وأُوفد منهن عدد قليل لمقابلة الملك، وبعد أن وافق الملك على مطالبهن بتحضير عربات الخبز وإرسالها لباريس؛ خرجت النسوة الموفدات للقاء الأخريات ونقل ما حدث خلال المقابلة، فرفضت المتظاهرات النقل الشفهي، وطالبن الوفد بوثيقة مكتوبة وموقعة بما تم الاتفاق عليه مع الملك، وكان لهنّ ذلك وعادت الموفدات للحصول على توقيع الملك بما جرى من اتفاق حول قوت النساء وعائلاتهنّ.

أما خلال سبع سنوات من الثورة السورية، فقد قابلت بضع عشرات من النساء ممثلين عن المجتمع الدولي باسم قضية الشعب السوري، وها نحن نرى اليوم أن هذه الجهات الدولية تقرر عدم دعم السوريين في مطالبهم بالحرية والديمقراطية، بل ترجح كفة نظامٍ انتهك حقوق المرأة منذ اليوم الأول لتسلطه على الأرض السورية، فلا بد لنا أن نطلب وثائق عن هذه اللقاءات الرسمية، تبين ما نُقِل باسم السوريين يومًا بعد يوم لما يزيد عن ألفي يوم. بالطبع لم يكن ضروريًا المطالبة بهذه الصدقية، المذمومة من قبل المعارضة المتصدرة للمشهد منذ سبع سنوات، لو أن المطالب المحقة للشعب السوري تحققت، ولولا أن سورية تدمرت وهجّر نصف شعبها، واستشهد مليون إنسان من أبنائها، فبات ضرورةً فصل كلمة الحق عما دونها وسط هذا الضجيج وهذه الغوغائية.

سميرة مبيض
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون