نظام ولاية الفقيه ونهج الاغتيالات للمعارضين السياسيين



على وقع تصريحات فائزة رفسنجاني، ابنة الرئيس الإيراني الراحل: علي أكبر هاشمي رفسنجاني، التي كشفت فيها أن وفاة والدها لم تكن طبيعية، ما يعني أن خصومًا سياسيين يقفون خلف موته؛ نستعرض في هذه المقالة سلسلة الاغتيالات السياسية والتصفيات الجسدية التي ينتهجها نظام ولاية الفقيه ضد الخصوم من معارضيه، داخل وخارج إيران.

كانت ابنة رفسنجاني قد ذكرت، في السابع عشر من الشهر الجاري، أن “الفحوصات الطبية التي أُجريت على جثة والدها أظهرت وجود إشعاعات أكثر من المعتاد بـ 10 أضعاف، في جسد والدها”. وأضافت في تصريح لها، لموقع (فرارو) الإخباري في طهران، أنه “جرى إبلاغنا، خلال اجتماع بين بعض أعضاء مجلس الأمن القومي الأعلى وأفراد عائلتنا، أن الإشعاعات في جثة والدي كانت أكثر من المعتاد بـ 10 مرات”.

وفي 8 كانون الثاني/ يناير الماضي، توفي رفسنجاني، الذي تولى رئاسة الجمهورية الإيرانية فترتين متتاليتين ما بين 3 آب/ أغسطس من سنة 1989 إلى 2 آب/ أغسطس 1997، وكان يشغل منصب رئيس (مجمع تشخيص مصلحة النظام)، في إثر جلطة قلبية تعرض لها، عن عمر ناهز 82 عامًا، وفق ما أُعلن حينها.

وكانت ابنة رفسنجاني قد شككت، في آذار/ مارس الماضي، بأسباب وفاة والدها، في كلمة لها خلال مراسم تأبين أقيمت بجامعة “العلامة الطباطبائي” بطهران. وأضافت: “على الرغم من أن والدي كان في الـ 82 من عمره، لكنّه كان يتمتع بصحة جيدة، وفي ما يتعلق بما حدث (وفاته)، فهناك بعض الغموض بالنسبة إلينا أيضًا”.

تصريحات فاطمة رفنسجاني هذا الشهر، تعيد إلى الأذهان سلسلة الاغتيالات السياسية والتصفيات الجسدية، ضد المعارضين والخصوم السياسيين، التي اعتمدتها الأنظمة الإيرانية المتعاقبة على مر السنين، والتي لم تقف منذ بداية ثورة الخميني. المروع بالأمر أن هذه الجرائم البشعة لم تتوقف عند حدّ التصفيات الجسدية، بل امتدت إلى تصفية قرى وبلدات كردية، وإزالتها من الوجود، كما جرى لـ 270 قرية كردية في عهد الجمهورية الإسلامية.

رفسنجاني وموجة “الاغتيالات المتسلسلة”

تشير تقارير إعلامية عديدة إلى أن رفسنجاني، الذي تلمّح ابنته فاطمة إلى أن نظام الحكم في طهران قد يكون خلف مقتله، كان من أبرز القتلة، قبل أن يتسلم دفة الحكم في بلاده، فبحسب صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية، فقد كان رفسنجاني -بناءً على شهادة أحد ضباط المخابرات في المحكمة الجنائية في ألمانيا- يجتمع دومًا، بشكل منتظم، مع “لجنة العمليات الخاصة” المشرفة على محاولة الاغتيالات في خارج البلاد.

بدأ تورط رفسنجاني بمجزرة إعدام عشرات الآلاف من السجناء السياسيين بالسجون، في صيف عام 1988، حيث كان يتولى منصب رئيس البرلمان بين عامي 1980 و1989، وفي آخر أعوام الحرب العراقية – الإيرانية التي انتهت عام 1988، عينه الخميني قائمًا بأعمال قائد القوات المسلحة. وهو الذي لعب دورًا رئيسيًا باختيار علي خامنئي مرشدًا أعلى للنظام، بعد وفاة الخميني في 1988. كما احتفظ لنفسه برئاسة “مجمع تشخيص مصلحة النظام”، منذ تأسيسه بقرار من الخميني في 1987 حتى تاريخ وفاته.

وبحسب تقارير صحفية، فقد حدثت في عهد رفسنجاني عشرات الاغتيالات وعمليات التصفية، ضد معارضي نظام ولاية الفقيه في داخل إيران وخارجها، لعل أبرزها اغتيال زعيم “الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني”، ومساعده عبد الله آذر، عام 1989، وهما على طاولة التفاوض مع وفد جاء من طهران، وكان ذلك في بداية عهد رفسنجاني كرئيس للجمهورية، وفي العام الثاني لرئاسته، اغتالت عناصر المخابرات الإيرانية في 24 نيسان/ أبريل 1990، في جنيف، كاظم رجوي، شقيق مسعود رجوي، زعيم “منظمة مجاهدي خلق” المعارضة، وكان ناشطًا بارزًا في مجال حقوق الإنسان.

وفي الثالث من أيار/ مايو 1991 اغتال الحرس الثوري الإيراني الأمين العام لـ “الجبهة العربية الأحواز”، حسين ماضي، في بغداد، حيث كان مقر الجبهة. وفي العام نفسه، قام الحرس الثوري باغتيال شابور بختيار، آخر رئيس وزراء في إيران في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، ما أودى بحياة رجل أمن فرنسي وسيدة فرنسية أيضًا. وفي السنة الموالية اغتال نظام ولاية الفقيه في برلين، الأمينَ العام لـ “الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني”، صادق شرفكندي وثلاثة من مساعديه. واتهمت محكمة ألمانية، حينذاك، رفسنجاني بناء على اعترافات اثنين من المتورطين المعتقلين، أحدهما من عناصر الحرس الثوري، والآخر من ميليشيات “حزب الله” اللبناني.

في السياق ذاته، أشارت تقارير إخبارية إلى أن ما يُسمى “وزارة الاستخبارات” الإيرانية كانت قد نفذت، في عهد رفسنجاني، موجة “الاغتيالات المتسلسلة”، حيث تم تصفية عشرات الكتّاب والسياسيين في الداخل، ومن أبرز من راح ضحيتها (محمد مختاري وجعفر بويندة وداريوش فروهر وزوجته بروانه إسكندري وبيروز دواني، والفنان الإيراني فريدون فرخ زاد، الذي كان يعتبر من وجوه الشاشة الإيرانية في عهد الشاه، وقد قُتل في ألمانيا عام 1992).

وكانت سلسلة هذه الاغتيالات تتم، وفق فتاوى من رجال الدين المتشددين، أمثال مصباح يزدي وجنتي، حيث سَرّبت قائمة تقضي بفتاوى لاغتيال 197 مثقفًا وكاتبًا، لكنها توقفت بعد جدل في داخل النظام، وصعود نجم “الإصلاحيين”.

واتهمت قوى في المعارضة الإيرانية، في أكثر من مناسبة، رفسنجاني، بالإشراف على اغتيال قادة “الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني”، في مطعم ميكونوس في العاصمة الألمانية برلين عام 1991. وخلال حكم الرئيس الإيراني الأسبق: محمد خاتمي، نفذت مجموعة في وزارة الاستخبارات سلسلة اغتيالات طالت عددًا من الكتاب والصحفيين، وكذلك المنظّر الإصلاحي سعيد حجاريان.

في دراسة للباحث المتخصص في الشأن الإيراني: علاء إبراهيم حبيب، بعنوان (نظام الملالي في إيران وجرائم اغتيال المثقفين)، رصَد الباحث أسماءَ العديد من المثقفين الإيرانيين الذين تعرضوا للاغتيال، طيلة أكثر من 35 عامًا، وخلال عهدي الخميني وخامنئي، فضلًا عن الفترات الرئاسية لكل الرؤساء الإيرانيين، وهي الجرائم التي قام بعدد من الباحثين والكتاب العرب بتوثيقها في مؤلفاتهم، ومنها كتاب (شهادات واقعية من داخل إيران) لعبد المنعم الجبيلي (1988)، وكتاب (الاغتيالات السياسية في إيران) للدكتور أحمد الشاذلي (1997)، وكتاب (الثورة البائسة) للدكتور موسى الموسوي (2007).

نهج دموي أطاح المثقفين والإصلاحيين

اغتيال أحمد مولى، رئيس “حركة النضال لتحرير الأحواز”، أمام منزله في مدينة لاهاي الهولندية، في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، كان آخر ما بلغنا من أنباء تتعلق بالجرائم التي يمارسها نظام الملالي في طهران، ضد خصومه السياسيين والمختلفين معه، أيديولوجيًا وعرقيًا وقوميًا، ليصبح بذلك أكثر الأنظمة السياسية دموية وعنفًا في العالم.

كما اغتالت طهران، في نهاية نيسان/ أبريل الماضي، في مدينة إسطنبول بتركيا، رجل الأعمال سعيد كريميان، مالك شبكة القنوات التلفزيونية المسماة (جيم/Gem )، والعضو في “منظمة مجاهدي خلق”.

كذلك اغتال نظام الملالي، زعيم “حركة جيش النصر” البلوشية، عبد الرؤوف ريغي، في مدينة كويتا، غربي باكستان في العام 2014، وكانت إيران قد أعدمت شقيقه زعيم “حركة جند الله” عبد المالك ريغي، في حزيران/ يونيو 2010. ومن بين من اغتالتهم طهران أيضًا، القيادية في “منظمة مجاهدي خلق” زهراء رجبي، عام 1996 في إسطنبول. وقبل ذلك بثلاثة أعوام اغتالت المخابرات الإيرانية، ممثلَ المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في إيطاليا: محمد حسين نقدي.

اعترف التلفزيون الرسمي الإيراني، للمرة الأولى، في منتصف شباط/ فبراير الماضي، بتنفيذ عمليات اغتيال لمعارضي النظام خارج البلاد، على يد عملاء له، بحسب ما جاء ضمن برنامج حواري، شارك فيه اللبناني أنيس النقاش، المعروف بتدريبه لعماد مغنية، القائد العسكري السابق لميليشيات “حزب الله”. حيث أشار النقاش في هذا البرنامج، إلى أنه كان مسجونًا في فرنسا، وذلك بعد قيامه بمحاولة اغتيال فاشلة، استهدفت رئيس وزراء إيران في عهد الشاه، شابور بختيار، بعد مرور عام من الثورة الإيرانية، وقد حُكم عليه من قبل القضاء الفرنسي بالسجن عشر سنوات.

وفي عام 2014 اعترف وزير الاستخبارات الإيراني: محمود علوي، بـ “تنفيذ اغتيالات ضد معارضين لنظام الجمهورية الإسلامية في الخارج”، ضمن نشاطات وزارته خارج البلاد، حيث أكد في تصريحٍ، نشرته وكالة أنباء “السلطة القضائية” الإيرانية، أن “الاغتيالات شملت زعيم “جيش النصر” البلوشي، عبد الرؤوف ريغي وابن شقيقه وأشخاص آخرين في باكستان”.

تجدر الإشارة إلى أنه في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، وبمناسبة مرور 30 عامًا على تأسيس وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية، كشفت وسائل إعلام في طهران عن وجود 16 جهازًا للاستخبارات والأمن، تعمل بإشراف “مجلس تنسيق المعلومات”، يرأسه وزير الاستخبارات. وأنشأت إيران عام 1984 وزارة الاستخبارات لتقوم بدمج الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التي كانت تعمل بشكل مستقل، منذ حل جهاز “السافاك” الأمني التابع لنظام الشاه عقب الثورة الإسلامية عام 1979.


غسان ناصر


المصدر
جيرون