أزمة جديدة في إيران



لا يمكن فصل الاحتجاجات المتصاعدة التى تشهدها إيران فى الوقت الحالى عن التطورات التى طرأت على الساحة الإقليمية فى الأعوام الأخيرة، ومثلت فيها إيران طرفا مهما، بسبب إمعانها فى التدخل فى الشئون الداخلية لدول المنطقة وتهديدها لأمنها واستقرارها.صحيح أن تلك الاحتجاجات اندلعت فى بدايتها لأسباب داخلية، وتحديدا اقتصادية، بسبب تدنى الأجور وارتفاع مستويات البطالة والتضخم والفقر إلى جانب زيادة الأسعار خاصة الوقود بعد رفع الدعم عن بعض الفئات خلال الفترة الأخيرة، إلا أن ذلك لا ينفى فى الوقت ذاته أن أحد أسباب تلك المشكلات الاقتصادية المستعصية التى فشلت الحكومات المتعاقبة فى التعامل معها أو على الأقل تقليص حدتها رغم أن إيران دولة نفطية، يكمن فى استنزاف نظام الجمهورية الإسلامية للخزينة الإيرانية فى تعزيز دوره فى الخارج وتكريس تدخلاتها فى شئون الدول الأخري.
وتوازى ذلك مع انتشار حالة من الإحباط العام نتيجة عدم نجاح حكومة الرئيس حسن روحانى فى تنفيذ وعودها على صعيد توفير مزيد من فرص العمل ورفع مستويات الأجور، فضلا عن أن سياستها تسببت فى إفلاس بعض الشركات والبنوك التى قام المواطنون بإيداع أموالهم فيها، بعد أن رفعت الحكومة مستوى طموحات تلك الجهات عبر المبالغة فى التوقعات الخاصة بالعوائد الاقتصادية التى سوف يفرضها الاتفاق النووى على الاقتصاد الإيراني.
لذا لم يكن مفاجئا أن تمزج الشعارات التى رفعها المحتجون بين المطالب الداخلية والخارجية، على غرار «الموت للديكتاتور» و«اخرجوا من سوريا واهتموا بنا» و«لا غزة ولا لبنان روحى فداء إيران»، فى إشارة إلى أن حل المشكلات الاقتصادية التى تواجهها إيران بات مرتبطا، إلى حد كبير، بالتوقف عما يمكن تسميته «المغامرات» التى يقوم بها النظام فى الخارج، وتحديدا داخل دول الجوار ودول الأزمات.
لكن رغم ذلك، لا يبدو أن النظام سوف يستجيب بسهولة لمطالب تلك الاحتجاجات، وربما يتعمد تفكيكها من أجل إضعاف الزخم الذى باتت تحظى به الاحتجاجات داخليا وخارجيا، وذلك من خلال دعوة الحكومة إلى استيعاب المشكلات المعيشية التى تواجه الإيرانيين، وإجراء تعديل فى سياستها الاقتصادية لتقليص حدة الضغوط التى تفرضها قرارات رفع الدعم عن الوقود وبقاء مستويات البطالة والتضخم عند مستويات مرتفعة، فضلا عن انتشار الفساد داخل مؤسسات الدولة، والذى بدا جليا فى موجة الزلازل والتوابع الأخيرة التى تعرضت لها بعض المدن والمحافظات الواقعة غرب إيران.ولذا كان لافتا، أن بعض المسئولين الكبار داخل النظام حاولوا توجيه رسالة بأن الحكومة فى اتجاهها إلى معالجة الدوافع الحقيقية أو الأولية التى تسببت فى موجة الاحتجاجات الحالية، والتى تمثل أحد أسبابها أيضا فى حرص الحكومة على تخصيص نحو 11 مليار دولار للمؤسسة العسكرية (بما فيها الحرس الثورى والقوات النظامية وقوات التعبئة) فى ميزانية العام الجديد (الذى سيبدأ فى 21 مارس 2018) التى عرضتها على مجلس الشورى أخيرا. لكن من الصعب ترجيح اتجاه إيران إلى تقليص حدة تدخلاتها فى الخارج استجابة لضغوط الاحتجاجات على الأقل خلال المرحلة الحالية، إذ إن ذلك سيعتمد بالطبع على متغيرات أخرى مازالت مؤشراتها غير واضحة، على غرار مدى استمرار الاحتجاجات وانتشارها فضلا عن مدى إمكانية انتقال الدعم الخارجى إلى مرحلة أخرى تتجاوز مجرد التأييد المعنوى للمحتجين الذى حاول النظام استغلاله لإضفاء وجاهة خاصة على الاتهامات بالعمالة للخارج التى بدأت آلته الإعلامية فى توجيهها ضد بعض الفئات المشاركة فى الاحتجاجات.
ومن دون شك، فإن ذلك يعود فى المقام إلى أن النظام لن يتنازل بسهولة عن طموحاته الخارجية، التى استنزف بسببها طيلة العقود الأربعة الأخيرة مليارات الدولارات من الخزينة الإيرانية، خاصة فى ضوء عاملين رئيسيين: أولهما، سعيه إلى استثمار التطورات التى طرأت أخيرا على الساحة السورية من أجل تعزيز نفوذه وتأسيس الممر الاستراتيجى الذى يربط بين إيران وحلفائه فى العراق وسوريا ولبنان، فضلا عن حرصه على استمرار وربما رفع مستوى دعمه للحوثيين بعد التحولات الأخيرة التى شهدتها الأزمة اليمنية عقب مقتل الرئيس اليمنى السابق على عبد الله صالح. وثانيهما، محاولاته الرد على الضغوط الدولية والإقليمية التى يتعرض لها بسبب التفافه على الاتفاق النووى ودعمه لبعض التنظيمات الإرهابية والمسلحة فى المنطقة ومواصلة جهود تطوير برنامج الصواريخ الباليستية.من هنا، تبقى التحولات التى يمكن أن تشهدها إيران مرهونة بالمدى الذى يمكن أن تصل إليه الاحتجاجات الحالية والآليات التى سوف يتبعها النظام فى التعامل معها.


الأهرام


المصدر
جيرون