تصريح باسيل رسالة إيرانية لـ “إسرائيل”



على شاشة قناة إيرانية ناطقة بالعربية (الميادين)، أعلن وزير خارجية لبنان جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية ميشيل عون، عن استعداد لبنان للعيش (مع الآخر)، فلا خلاف أيديولوجيًا مع دولة “إسرائيل”، على حد تعبيره.

هذا التصريح ليس غريبًا عن حزب باسيل، الذي يرأسه الجنرال عون، فعلاقة عون وحزبه وقيادات حزبه بـ “إسرائيل” متجذرة، منذ اجتياح لبنان 1982. أما تصريح باسيل، من موقعه بصفته وزير خارجية للبنان، الذي يمسك بمفاصل السلطة فيه “حزب الله”، كممثل لولاية الفقيه الإيرانية، فهو أمرٌ يطرح أسئلة كثيرة، لا سيّما بتزامن المقابلة التي قال فيها ما قال، مع وجود زائر (مدلل ومعزز ومكرم) للبنان بضيافة “حزب الله”، يدعى “حمزة أبو العباس” قائد ميليشيات الباقر المقاتلة ضد الشعب السوري، والذي جاءت زيارته لاحقة لزيارة قائد ميليشيا “عصائب أهل الحق” المدعو “قيس الخزعلي”، وهي بدورها ميليشيا عابرة للحدود ولا تعترف بالأوطان. هذا التزامن يفتح الطريق للسؤال عن هدف جبران من تصريحه السلمي التعايشي الودي مع دولة الاحتلال.

الزيارتان الميليشياويتان للبنان، تم تظهيرهما إعلاميًا في منابر وشاشات الحلف التابع لطهران، كتجسيد “لمقاومة” محور طهران لـ “إسرائيل”، وإيحاءً بأن مهمّات حلف إيران في العراق وسورية قد تم إنجازها، والآن جاء دور مقاومة “العدو الصهيوني الغاشم المغتصب”، ومن جنوب لبنان. فكان ارتداء زعيمي الميليشيا للزي العسكري “المبرقع”، وتجوالهما في قرى الشريط الحدودي جنوب لبنان، واستعراض صورهما، وهما يوجهان نظراتهما، كل على حده، نحو الداخل الفلسطيني المحتل من “إسرائيل”، شكلًا من الدعاية المخادعة موجهة إلى الداخل اللبناني وللرأي العام العربي والإسلامي، لتلميع الميليشيا الطائفية، وغسل جسدها من دماء السوريين والعراقيين، حيث ورقة مواجهة “إسرائيل” تتيح تمرير الضلال والخداع، وتغطية حقيقة أهداف طهران من تمددها وتوسعها في المنطقة.

في دفاع الممانعين، من أتباع “حزب الله” في لبنان، وبقية الجوقة الإعلامية، برروا ما جاء على لسان باسيل، بأنه اجتزاء من سياق المقابلة، ولعلهم يقصدون أن باسيل ردد في المقابلة كلمات عن القدس، وعن حضوره اجتماع وزراء خارجية الدول العربية، أو ما جاء على لسانه في المقابلة من نقد “للهوية الدينية لإسرائيل”، والغريب أنهم لم يعتبروا أنّ هذا النقد ينسحب على إيران، دون انتباه من السيد الوزير.

أما ما أغفله الممانعون، وعن قصد، هو أن محطتهم الفضائية (الميادين) تجاهلت طرح سؤال على الوزير، حول قضية تزامنت مع المقابلة، وشغلت الرأي العام والسياسيين والإعلاميين، هي زيارات زعماء ميليشيات شيعية تأتمر بتوجيهات طهران، إلى لبنان، والقيام بالتجوال في قرى الجنوب المحاذية لـ “إسرائيل”. ولقد ووجهت كلتا الزيارتين باعتراضات وأسئلة من المكونات السياسية للسلطة، ومن الوسط الإعلامي. وكان المفترض بوزير الخارجية أن يوضح، إنْ كان دخولهما تم بشكل قانوني عبر الحدود، أو برعاية “المضيف” المحلي (حزب الله)، المسيطر على الحدود البرية للبنان، وعلى مطار بيروت الدولي، عبر مخابرات الجيش اللبناني التي يمسك برأسها، والذريعة التي قدمها (حزب الله) ومناصروه للتلاعب بأغراض الزيارتين، بالقول إن المواطن العراقي يدخل ويخرج إلى لبنان بشكل طبيعي، ولا ضرورة لحصوله على موافقة مسبقة، ذريعة فجة ومتهافتة، فدخولهما (الخزعلي وأبو العباس)، تمت رعايته واحتضانه وتظهيره، في إعلام الممانعة، كحدث يتعلق بتحشيد ميليشياوي “مقاوم لإسرائيل”، بينما في حقيقته هو حدث يقصد منه الاستقواء على الداخل اللبناني، بعد عدول سعد الحريري عن استقالته، بناء على مقولة “النأي بلبنان” عن الصراعات خارج حدوده، فما قاله “حزب الله”، عمليًا، باحتفائه بزيارتي قادة الميليشيات الطائفية، أن لا نأي بلبنان عن أجندات طهران في المنطقة، وعلى النخب السياسية المشاركة في الحكم قبول هذه الحقيقة.

هل كان بمقدور باسيل إبداء رأيه بالزيارتين، بشكل علني وصريح، وأن يطمئن “إسرائيل”، المطمئنة أساسًا، بأن الخزعلي وأبو العباس لم يحضرا للبنان لخوض مواجهة معها، أو شن المقاومة ضدها، ويضيف أن حضورهما شأن لبناني داخلي، لاستكمال تغول “حزب الله” على المعادلة السياسية الداخلية في لبنان؟

المعنى في ذلك، أن تجنب تلفزيون إيران (الميادين) طرح السؤال على وزير الخارجية حول زيارتي الخزعبلي وأبو العباس، لم يكن بمحض الصدفة. فمقابلات مع شخصيات سياسية لها موقعها، يجري إعدادها وتخطيطها من إدارة القناة، ولا تتحكم بمجرياتها خبرات المذيعة أو اهتماماتها السياسية الشخصية. فوق ذلك لم تكن المقابلة على الهواء مباشرة، لقد كانت منسقة، والمسائل المطروحة على باسيل محددة، بما لا يترك لمن أجرت المقابلة مجالًا للسهو، أو للاجتهاد، أو الخروج عن السياق، اللهم، إلا أنها أبدت إعجابها بالمنزل الذي يستجم فيه الوزير وسحر الطبيعة في تلك الجبال، في مستهل اللقاء. فهي وجهت أسئلة حول كل شيء يتعلق بلبنان، راهنًا وتاريخيًا، خارجيًا وداخليًا، طائفيًا ووطنيًا، باستثناء موضوع الزيارتين الميليشياويتين، وطبيعة العلاقة بين لبنان وإيران، ومعهما موضوع سلاح ميليشيا “حزب الله” الذي يؤرق العدد الأكبر من اللبنانيين.

المؤكد أن من رتب ورقة الحوار، في إدارة قناة (الميادين)، سعى لتمكين الوزير من إرسال رسالته المتعلقة بطمأنة “إسرائيل”، والاستعداد للتعايش معها، فبرأيه لا خلاف أيديولوجيًا، بين لبنان وبين وجودها ومصالحها. وذلك يعفي الوزير باسيل من القول لـ “إسرائيل” مباشرة، بشكل صريح: (لا تأبهوا لوجود الخزعلي وأبو العباس على الحدود، فلا خطر على أمنكم من الاستعراض المصور لهما). ولم يصدر عن حزب إيران في لبنان “ميليشيات نصر الله” أي اعتراض أو نقد لكلام باسيل، ويمكن الذهاب أبعد من ذلك، ووضع كلام باسيل كرسالة إيرانية تطلب إذنًا من “إسرائيل” للعب دور إقليمي لا يمس الأمن الإسرائيلي، فباسيل ليس بعيدًا عن معرفة ما تريده طهران، وما تنفذه ميليشياتها في لبنان والمنطقة، وما كان له أن يتجرأ على ما قال، دون تأكده من المصلحة الإيرانية في ما جاء على لسانه، فموقعه وموقع رئيس جمهوريته يستندان إلى التحالف مع طهران، عبر علاقتهما الوطيدة مع “حزب الله”.

وأنا انتهي من كتابة هذا المقال، ثمة رسالة إيرانية، يكتبها الشعب في كل المدن، لا يستطيع “باسيل” حملها، وربما يعجز عن فهمها.


مصطفى الولي


المصدر
جيرون