الغارديان: أحلامها بالخلافة ضاعت. الآن لدى “داعش” استراتيجية جديدة دقيقة



الخسائر الإقليمية في سورية والعراق تعني أن مقاتلي “الدولة الإسلامية” سيشعلون تمردات طائفية دموية في أماكن أخرى

صور الشقيقين اللذين قُتلا في هجوم انتحاري استهدف مركزًا ثقافيًا شيعيًا في كابول، أفغانستان. تصوير: رويترز

لقد ضاعت خلافتها المزعومة، التي سحقتها الطائرات الروسية، والسورية، والأميركية، والميليشيات المدعومة من إيران، والقوات الكردية والجيوش التي أطلقتها دمشق وبغداد. ولكنْ لربما شهد عام 2017 نهاية حلم “الدولة الإسلامية” في هزيمة رؤيتها الملتوية لمجتمعٍ مثالي، وانتهى العام بعلامةٍ مشؤومة، بأنَّ حملتها الدولية الفتاكة ضد العديد من الناس، والأديان الذين تعدّهم خصومًا روحيين، قد جمعتْ طاقةً جديدة.

في يوم الخميس الماضي، قُتل عشرات المدنيين في كابول في هجومٍ انتحاري، استهدف مركزًا ثقافيًا شيعيًا في العاصمة الأفغانية، حيث كان آخرُ الهجمات المستمرة من قبل أحدِ مناصري (داعش)، التي أثبتتْ أنّها مرنةٌ رغم الحملة الشرسة ضدّها في الأشهر الأخيرة.

ووفقًا لما ذكرته قناة (أعماق) الإخبارية، فقد دوَّتْ ثلاثة انفجاراتٍ في المجمّع، الذي يضمُّ أيضا وكالةً إخبارية، وبعدها فجّر انتحاريٌّ نفسه بين الحشود في مركز طيبان الثقافي، حيث قُتل ما لا يقل عن 41 شخصًا، وجُرح 90 آخرون.

يأتي الهجوم بالرغم من الحملة المكثفة التي تقوم بها الولايات المتحدة، وأفغانستان لاقتلاع التهديدات المضاعفة المنبثقة عن (داعش) وحركة (طالبان)، بخاصة منذ أنْ تولى دونالد ترامب منصبه، في كانون الثاني/ يناير الماضي. كما أثارت الهجمات داخل العاصمة الأفغانية، على الرغم من الزيادة الحادة في الإجراءات الأمنية والعسكرية، المخاوف بشأن قدرة الجماعة الدائمة بعد انهيار الخلافة التي كانت قائمةً في سورية والعراق.

في نيسان/ أبريل، أسقطت الولايات المتحدة “أم القنابل” على قاعدةٍ لـ (داعش) في أفغانستان، وهي إشارةٌ إلى الحملة الشرسة ضدّها، ولكنَّ هذه الحملة المستمرة فشلت في استئصالها. في الأشهر الأخيرة، أشار الخبراء والمسؤولون إلى جهدٍ ناجح من قبل أنصار (داعش) لبناء جذورٍ لها داخل العاصمة، وتجنيد العشرات من الأعضاء المحليين، بما في ذلك الأطفال.

في أفغانستان، قامت (داعش) بالكثير بإمكاناتٍ قليلة جدًا. في ليبيا، على سبيل المثال، كان لدى الجماعة مئاتٌ من المقاتلين المحليين من ذوي الخبرة المستمدة من السنوات الأولى من حرب العراق، والذين لعبوا دورًا محوريًا في محاولات (داعش) المبكرة في سورية، عام 2014، ولكن ثرواتها تلاشت على مدى العامين الماضيين.

على النقيض من ذلك، فإنَّ الأعضاء الأفغان الذين ينافسهم مقاتلو طالبان المتمتعون بروابط عميقةٍ مع البلد، تمكنوا من تعميق وجودها. ويشير الهجوم داخل العاصمة إلى أنّ المجموعة قد تطوّرتْ بنجاحٍ من منظمةٍ يقودها أجانب، إلى منظمةٍ محليّة بشكلٍ متزايد.

وبصرف النظر عن استمراريتها في أفغانستان، فإنَّ طبيعة هجوم الخميس أنّه نذيرٌ بما سيأتي، بينما تفقد (داعش) خلافتها في سورية والعراق. وفي بيانها عن الهجوم، ادعّتْ وسائل إعلام (داعش) أنَّ المركز الثقافي تموّله وترعاه إيران. وأضاف البيان: “إنَّ المركز هو أحدُ أبرز مراكز التبشير بالتشيّع في أفغانستان، حيث سيُرسل الشباب الأفغان إلى إيران، لتلقي الدراسات الأكاديمية على أيدي رجال الدين الإيرانيين”.

سعت (داعش) إلى أنْ تُقدّم نفسها على أنَّها المدافع عن السنة، في جميع أنحاء المنطقة، والكلمات المختارة في بيانها تهدف إلى إيصال تلك الرسالة. ومن المرجّح أنْ يكون الموضوع الطائفي هو التركيز الرئيس للمجموعة في السنوات المقبلة، كونها تتراجع من الخلافة إلى التمرد. تساعد السردية الطائفية الجماعة على تقديم “أيديولوجية متماسكة” من أفغانستان إلى سورية، بدلًا من الخلافة التي يبدو أنَّها خسرتها، فإنَّ رسالتها إلى أتباعها هي أنَّ ضحايا هجومها هم جنودٌ محتملون في الجيش الذي تُشكّله إيران في كلِّ مكان.

إنَّ تقديم نفسها، كخطِ الدفاع الأخير ضدَّ إيران، سيكفلُ أنْ تكون عملياتها المحلية موضوعًا إقليميًا بشكلٍ عام، حتى وإنْ خسرت الخلافة العالمية. كان هذا موضوعًا متكررًا منذ صعودها في عام 2014، ولكنّ الجماعة ركّزتْ بشكلٍ متزايد على الطائفية، ليس فقط ضد الشيعة، ولكنْ أيضًا ضد المسيحيين، والأقليّات الدينية الأخرى.

كان الهدف من الهجوم الذي شنّته الجماعة داخل إيران، في حزيران/ يونيو، تحقيق هذا الهدف، والهجمات التي تصوّرها على أنّها موجهة ضد المصالح الإيرانية، مثل المصالح في كابول، تخدم غرضًا مماثلًا. وهي بذلك تسعى للوصول إلى سوقٍ لا يستطيع حتى تنظيم القاعدة، وحركة الطالبان أن ينافساها بالقوة نفسها، حيث يميلان إلى التركيز على معركةٍ أقلّ طائفيةً نسبيًا في خطابهم. وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قتل انتحاريون مرتبطون بالجماعة ما لا يقلّ عن 57 من المصلين في مسجدٍ شيعي في كابول. إنَّ تركيز (داعش) الطائفي يجعل من استمرارها أكثرَ إثارةً للقلق للبلد نفسه، والمنطقة ككل. وبعد يومٍ واحد من هجوم كابول، أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن إطلاق النار على كنيسةٍ في القاهرة، الذي أسفر عن مصرع حوالي 12 شخصًا، في واحدة من الهجمات التي تستهدف المدنيين، والكنائس القبطية في البلد، في السنوات الأخيرة.

إنَّ الدرس من هذه الهجمات هو أنَّ الجماعة يمكن أنْ تظلَّ قاتلةً بغضِّ النظر عن انكماشها في سورية والعراق. والواقع، إنّ زوالها الإقليمي قد يؤدي إلى تفاقم حالات التمرد في أماكن أخرى؛ إذا هرب المسلحون بأمانٍ من ساحات القتال لتعزيز صفوف المنتسبين في بلدانٍ أخرى. لقد ظهرتْ مؤخرًا تقارير عن مسلحين نجوا من الخلافة المنهارة. وفي وقتٍ سابق من هذا الشهر، على سبيل المثال، ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أنَّ المقاتلين الفرنسيين، والجزائريين سافروا إلى أفغانستان من سورية للانضمام إلى فرع (داعش) هناك. وأُبلِغَ عن اتجاهاتٍ مماثلة في مصر وليبيا. كما حذّر مسؤولٌ في الاتحاد الأفريقي هذا الشهر من أنَّ العديد من الستة آلاف مقاتلٍ، الذين سافروا إلى سورية في عام 2014 قد يعودون إلى ديارهم.

يمكن لمثل هؤلاء المقاتلين تجديد، وإنعاش التمردات المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة بطريقةٍ غير التي كانت عندما كان تركيز المجموعة على جوهرها في سورية والعراق. ظلَّتْ فروع (داعش) التي انتشرت محدودة الحجم، وبعضها ضَعُفَ حيث كان تجمع المسلحين صغيرًا. ويمكن أنْ يتغيّر ذلك، بعد خروج المقاتلين السابقين من سورية والعراق إلى بلدان المنطقة، حيث يسهل التواصل مع المنتسبين الحاليين أكثر مما لو سافروا إلى أوطانهم، كما هو الحال في أوروبا وبريطانيا. تزدهر المجموعة على الاستقطاب، والأقليات الدينية التي تمنحها أهدافًا ناعمة، لتحويل الناس ضدّ بعضهم البعض. وهذه الأهداف تمكّنها أيضًا من إعادة تشكيل نفسها في مواجهة تنظيم القاعدة، والجماعات الإسلامية الأخرى. بالإضافة إلى الركود السياسي والصراعات المستمرة، ستستمر الطائفية في تزويد المجموعة بفرص النمو في منطقةٍ تعاني من انقساماتٍ عميقة، ووسط الدور المتزايد لإيران في الشرق الأوسط.

مصريون يتجمعون في جنازة ضحايا هجوم مسلح على كنيسة قبطية في القاهرة. تصوير: سامر عبد الله/ وكالة الصحافة الفرنسية/ صور جيتي

تأمل المجموعة أنْ تحافظ السردية على مناشدتها، بين أولئك الذين يرون أنَّ إيران هي المغتصب لأراضيهم، والسلطة الطائفية الاستبدادية في المنطقة. قد يؤدي الزوال الإقليمي للخلافة إلى الحدِّ من التهديدات ضد الغرب، ولكن بالنسبة إلى المنطقة ذاتها، حيث يمكن أنْ تتحرك بسهولةٍ أكبر، وستواصل (داعش) استغلال الانقسامات الاجتماعية، والركود السياسي لإعادة التجمّع، وترسيخ نفسها.

اسم المقالة الأصلي Its dreams of a caliphate are gone. Now Isis has a deadly new strategy الكاتب حسان حسان، Hassan Hassan مكان النشر وتاريخه الغارديان، The guardian، 31/12 رابط المقالة https://www.theguardian.com/commentisfree/2017/dec/31/isis-dreams-of-caliphate-gone-now-deadly-new-strategy عدد الكلمات 1016 ترجمة أحمد عيشة


أحمد عيشة


المصدر
جيرون