صحيفة فزغلياد: عام 2017: تحديات عالمية، ردود موضعية



في التوقعات لعام 2017، كان يمكن أن نجد توقعات بانهيار النظام العالمي عبر الانزلاق إلى حربٍ شاملة أو انهيار القطاع المالي، كما نجد ترقبًا “لهدوءٍ” في العلاقات الدولية. قد تبين أن هذه وتلك كانت خاطئة؛ فالسياسة الدولية تستمر بالتوازن عل خلفية الأزمة التي تزداد تعمقًا. فما هي الأحداث التي حددت ملامح عام 2017، وما هي نتائجها التاريخية؟

أنهى اللاعبون الدوليون العام بنسبٍ مختلفة من الخسائر والمكاسب السياسية.

وإذا كانت الصين التي تحاول الجمع، بين مهمات تعزيز تواجدها وتأثيرها في الاقتصاد العالمي (مثلًا: مشروع حزام واحد-طريق واحدة)، وبين خططها الشاملة للتطوير الاجتماعي- الاقتصادي في الداخل؛ فإنها تحاول تجنب الدخول في أي مواجهة، مهما كانت صغيرة، على الساحة الدولية، فإن غيرها من مراكز القوة العالمية لا يستطيع تجنب مظاهر المواجهة والصدام في الشؤون العالمية.

في الولايات المتحدة الأميركية، عُقدت الآمال على تحسين وضع الشؤون الدولية، منذ دخول الرئيس المنتخب الجديد إلى البيت الأبيض، ولكن الرئيس ترامب جوبه بمقاومةٍ شديدة من قبل المؤسسات (establishment). في هذا الوضع ربط ترامب تقدم أجندته الداخلية بتقديم تنازلاتٍ في مسائل السياسة الخارجية.

وكردّ على الفضائح والتحقيقات الرسمية المرتبطة بالاتهامات المتعلقة بعلاقته بروسيا، اضطر ترامب إلى التضحية بفريقه الأولي، الذي يعود إليه الفضل الأكبر بفوزه في الانتخابات. وفي المحصلة، تمكن الرئيس من تمرير بعض القوانين التشريعية التي يعتبرها مهمة. لكنّ العمل على تجميع المؤسسات حول ترامب سيواجه لا محالة الكثير من المشكلات، وجاءت خسارة المرشح اليميني الجمهوري المحافظ روي مور الانتخابات عن ولاية ألاباما، لصالح المرشح الديمقراطي داع جونسون، لتؤكد هذه الصعوبات. وكان السبب وراء هذه الخسارة حملة العلاقات العامة التي قوضت صدقية المرشح الجمهوري، مما وضع الحزب الجمهوري أمام تحد فعلي.

جزئيًا، تخدم أجندة السياسة الخارجية الأميركية السياسة الداخلية، فالاعتراف بالقدس عاصمةً “لإسرائيل”، إلى جانب حل عددٍ آخر من المسائل، يهدف إلى شق صفوف الحزب الديمقراطي، وإلى كسب دعم جزءٍ كبير من قطاع الأعمال الكبير، في الولايات المتحدة الأميركية.

كما أن علاقات واشنطن بموسكو تطورت في العام الماضي، بصورة متذبذبة تميزت بطابع خاص. فقد أجبرت الفضائح الدبلوماسية الطرفين على التفكير بجدوى الوسائل الدبلوماسية التقليدية. إذ أسعد الكثيرين التواصل، الذي بدت ملامحه نهاية عام 2017، بين الرئيسين بوتين وترامب حول المسائل المطروحة، بالرغم من اعتماد واشنطن خيارًا لا يناسب روسيا بإعلانها “استراتيجية الأمن القومي”، التي اعتبرت بلادنا (روسيا) أحد التهديدات الرئيسية للولايات المتحدة الأميركية.

إلى جانب ذلك، فإن بعض القرارات المتخذة على مستوى السياسة الخارجية التي اتخذت عام 2017 كالضغط غير المسبوق على كوريا الشمالية، بسبب تصرفات كيم تشن إين، وقرار تزويد أوكرانيا بصواريخ مضادة للدبابات والاعتراف الرسمي بالقدس عاصمةً “لإسرائيل” تخلق إمكانات صراعات مستقبلية خطيرة. وإن كان من غير المفيد توقع انهيار سلطة ترامب، في عام 2018، فإنه لا يجب أيضًا افتراض تعزيز مواقعه السياسية.

بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، يصعب القول إن نتائج عام 2017 السياسية قد كانت مرضية. فقد أظهرت القمم التي عقدت في بروكسل ووارسو، وكذلك الأزمة الكتالونية التي أثارها رفض مدريد الاعتراف بنتائج الاستفتاء الكتالوني، بشأن الانفصال عن إسبانيا، مدى هشاشة البنية السياسية والاقتصادية الأوربية الحديثة، ووجود عدم رضا واسع عن الوضع السائد، في العديد من دول الاتحاد ومناطقه. في مواجهة هذه التحديات، تقوم النُخب الحاكمة في الاتحاد الأوروبي، بالبحث عن آلياتٍ جديدة وحلولٍ غير عادية لمواجهة الأزمة التي لم تؤخذ بالحسبان بعد.

حاليًا، وفي ظروف النقص الواضح بالموارد، يتم في واقع الأمر تقسيم الاتحاد الأوروبي إلى “نواةٍ” اقتصادية مميزة صلبة و”الأطراف” الأقل رفاهية والأقل ولاءً لبروكسل. في ظل هكذا وضع، يبدو قرار الاتحاد الأوروبي بتمديد العقوبات ضد روسيا مدة نصف عام غريبًا، بسبب الضرر الذي يلحقه بالاقتصاد الأوروبي، وبهذا، تصبح الوحدة السياسية والأيديولوجية أهم من المنافع الاقتصادية. في الوقت نفسه، يبقى الاتحاد الأوروبي عمومًا في منطقة الأزمة، في وقتٍ تغير الوضع بشكلٍ ملموس في البلدان القائدة لهذا الاتحاد، أي فرنسا وألمانيا.

في فرنسا، حدثت تغيراتٍ سياسية واسعة خسارة متزامنة، مُني بها التيار “المعتدل” واليمين المتطرف (فرانسوا فيولين وماري لي بين) في الانتخابات الرئاسية. وحلّ التكنوقراط الليبرالي إيمانويل ماكرون، الذي استغل التوجه الشعبي الواسع صوب “الوسطية والإصلاحات”، مكان الاشتراكية المتداعية. وأصبح المصرفي ذو الـ 39 عامًا، واحدًا من أصغر رؤساء فرنسا، عبر كل تاريخها. وغيرت هزيمة الأحزاب التقليدية المشهد الحزبي بشكلٍ واضح، لتحل نهاية تعاقب اليمين واليسار المعتدل على السلطة.

سببت الإصلاحات الواسعة النطاق غير المسبوقة صدمةً في البداية، ولكنها بدأت تلقى تدريجيًا التفهم لدى المجتمع الفرنسي، وظهر ذلك من خلال الارتفاع الثابت في معدلات تأييد الرئيس الفرنسي في الأوساط الشعبية (54 بالمئة) بعد “تدهور” شعبيته، خلال الأشهر الأولى من دخوله قصر الإليزيه.

وقعت أحداثٌ ذات أهمية على المستوى الأوربي في ألمانيا؛ فعلى الرغم من الانتصار الرسمي الذي حققه الحزب الديمقراطي المسيحي في انتخابات البوندستاغ، فإنه يعني عمليًا انتهاء حقبة ميركل التي لم تستطع حتى الآن أن تجمع حولها تحالف أغلبيةٍ، يمكنها من ترأس الحكومة الفيدرالية. فـ “السيدة المستشارة” فقدت عمليًا دور المركز و”النواة” في النظام السياسي. وعلى الأرجح، سيبقى “التحالف الواسع” بمشاركة بين حزب التحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الخضر؛ إلا أن الثمن سيكون استمرار تراجع دعم الناخبين لهذين الحزبين. تحفظ اليمينيين من خارج النظام السياسي (حزب البديل من أجل ألمانيا) واليساريين (حزب اليسار)، يكون أسوأ بالنسبة للنُخب السياسية؛ فالحزبان يواصلان طرح أفكارهما على الأجندة الوطنية، وهذا يعني تجاهل المؤسسات/ establishment في البلاد، وهو أمرٌ يصعب عليهم القيام به.

بدورها، تستمر روسيا بإظهار صلابتها في مواجهة الضغوط الاقتصادية، السياسية والإعلامية التي تفرضها دول الغرب والولايات المتحدة الأميركية. كما استطاعت روسيا المحافظة على نفوذها في إطار التعاون الاقتصادي الأوراسي (مع أنه لم يحقق اختراقاتٍ مهمة)، وتتطور كذلك علاقات الشراكة مع الصين.

كانت هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” في سورية والعراق أحد أبرز الأحداث السياسية الخارجية بالنسبة إلى روسيا في عام 2017. ولكن في الوقت نفسه، لم تنجح روسيا في عقد هدنةٍ مع الغرب عبر المشاركة في التحالف المعادي لـ (داعش)، وعوضت ذلك جزئيًا بتعزيز مواقعها في الشرق العربي، وكذلك بترتيب شراكةٍ مع تركيا وإيران في الوقت نفسه.

من الواضح أن روسيا لا تعيش عزلةً دوليةً الآن، ولكن الحصار عليها ما يزال مفروضًا على عدة اتجاهات. وتعرضت روسيا بشكلٍ خاص للإهانة التي جاءت من قرار اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية التي سمحت بمشاركة الرياضيين الروس في الألعاب الأولمبية الشتوية، بشرط عدم رفع شعار الفريق، بهدف إبطال أي تأثير إعلامي لألعاب سوتشي عام 2014.

كما في السابق، تبقى الأزمة الأوكرانية والوضع حولها في الدونباس أهم التحديات التي تواجهها روسيا وقيادتها. وفي الوقت نفسه، يستمر الضغط على النُخبة من رجال الأعمال الروس، بهدف دفعها إلى القيام بنشاط سياسي “غير مؤطر”.

كان قرار فلاديمير بوتين المشاركة في انتخابات عام 2018 أمرًا متوقعًا، وحدد طبيعة الحملات الانتخابية. وفي الوقت نفسه، يبدو واضحًا أن النموذج الحالي قد استُنفِذ تمامًا، وأصبح من الضروري البحث عن معادلةٍ للاستقرار السياسي على أسسٍ جديدة.

كيف سيكون رد روسيا على التحديات الحالية؟

لدى القيادة الروسية اليوم خطط شاملة لإعادة تسليح الجيش بتكنولوجيا متطورة. وفي الوقت نفسه، تتبع الحكومة سياسةً مالية متشددة، من دون تهيئة المقدمات الضرورية لإعادة بناء هيكلي للاقتصاد، ومن دون “ترقيع” الثقوب الصغيرة في المجال الاجتماعي. غير أن من الممكن أن تصبح القدرة العسكرية، دون قدراتٍ اقتصادية تدعمها، مشكلةً في المستقبل المنظور. بحسب نتائج العام الماضي، لم يكن العالم أكثر هدوءًا، تناغمًا ومسيطرًا عليه؛ فالأزمات تستمر بالتصاعد، ولكن من دون تهديد نهائي بنسف النظام العالمي القائم.

يواجه اللاعبون الدوليون الكبار مشكلات كبيرة في مجال التطور الداخلي، التي تتطلب مقارباتٍ جديدة لمعالجتها. وبما أن التغيرات العميقة والشاملة تهدد مجتمعاتها بالدخول في حالاتٍ من عدم اليقين، لذا تبدو النُخب الحاكمة، في كثير من الأحيان، غير مستعدةٍ لتحمل مسؤولية نتائج التغيير؛ فأي تحولاتٍ جذرية على المستوى القومي والعالمي ينظر إليها غالبًا من دون رغبة أو بشكلٍ اضطراري.

بالكاد سيتغير هذا الترتيب، في العام القادم 2018 على الرغم من أن الأوضاع المستجدة التي تحمل طابع المشكلات ستدفع السياسيين إلى عدم انتظار تعمق الأزمات القائمة، بل تحفزهم على إيجاد حلولٍ مسؤولة مدروسة للمشكلات.

 

اسم المقالة الأصلية Глобальные вызовы и локальные ответы 2017 года كاتب المقالة سيرغي بيريوكوف/ دكتور العلوم السياسية. بروفسور مكان وتاريخ النشر صحيفة فزغلياد. 29 كانون أول 2017 رابط المقالة https://vz.ru/opinions/2017/12/29/902042.html ترجمة سمير رمان


سمير رمان


المصدر
جيرون