مأزق ما وراء الحدود.. تصدع الرعاية اللائقة



تقترب أزمة الذين غادروا منازلهم ومدنهم، إلى دول الجوار هربًا من حمم طائرات الأسد وحلفائه، من عامها الثامن. يكشف استمرار الحرب وتواصل الهجمات على المناطق الآمنة، وخرق اتفاقات خفض التصعيد، ثم فشل مفاوضات جنيف وأستانا في التوصل لحل سياسي عادل، وجودَ حاجة ماسة إلى مقاربة أكثر فاعلية، في مجال حوكمة أزمة اللاجئين المتواصلة، من الناحية الإنسانية على الأقل. فإصرار نظام دمشق على المضي قدمًا في سفح دم السوريين، سيرتب عقبات إضافية، ربما تطيح أمل اللاجئين في العودة إلى وطنهم على المدى القريب.

خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2017، انضم -بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين- إلى قوافل اللجوء نحو 250 ألف سوري. وفي الأشهر الأخيرة، تجاوز إجمالي عدد من هم تحت الحماية الدولية 5 ملايين لاجئ. تذكر تقارير أممية أنهم يخضعون داخل الدول التي تستضيفهم لحلول مؤقتة، تقلص بشكل عام من حجم المساحة الآمنة لحياتهم.

يرهق الهاجس الصحي، تفكير معظم هؤلاء. كما يؤثر في أوضاعهم المعيشية. ومع أن الغالبية منهم تُصنف ضمن الفئة الأكثر عرضة، فإنها تفتقر حقيقة إلى الخدمات الطبية التي تحتاج إليها، أو تجد صعوبة ما، في الحصول عليها، كما هو الحال بالنسبة إلى المصابين بأمراض مزمنة. حيث يعيشون حالة من التفاوت وغياب المساواة على هذا الصعيد.

يتصدر لبنان والعراق ومصر قائمة الدول التي تتعرض لحالة عدم يقين في قدرة اقتصاداتها على مواجهة الأزمات؛ حيث إنها ترزح تحت وطأة مشكلات مالية وإنمائية وفساد حكومي. وقد أعاقت أوضاعها المتردية بالمجمل حصول السوريين على حاجتهم من الرعاية والاهتمام الرسمي. وعلى الرغم من تلقيها تمويلًا دوليًا، دعمًا لاحتياجات اللاجئين الأساسية، فإن غالبية الأموال تصرف على “الغذاء، والرعاية الأولية، وعمليات الطوارئ، والتعليم، وتحسين نظم المياه والصرف الصحي”.

في الأردن، التقت (آكانشا باندي) خبيرة شؤون الصحة بالبنك الدولي، في وقت سابق، بطفلةٍ داخل مستشفى مزدحم للأطفال بمدينة إربد. كانت الطفلة تنتظر إجراء عملية نقل دم شهرية، تعدّ مهمة للغاية لعلاجها من الإصابة بفقر الدم الحاد. لم تكن أسرة الطفلة السورية لتتحمل تكلفة العلاج الباهظة، لولا أن الحكومة الأردنية تدفع جزءًا من فاتورته. تقول باندي: حدقَت في وجهي بفضول ظاهر، وهي ترشف العصير من علبة في يدها. وبدا لون سترتها القرمزي متناقضًا مع ملامحها الشاحبة. ولولا الارتخاء في ذراعها، لكانت مثل أي طفلة أخرى في الخامسة من عمرها. غير أنها ليست كأي طفلة.

بين عامي 2012 – 2014، وفّر الأردن -بحسب مصادر حكومية- الرعاية الصحية لجميع اللاجئين السوريين. وما زال يقدم الرعاية المجانية لقائمة من الحالات، كالزيارات الروتينية للحوامل، واللقاحات، وعلاج الأمراض المعدية. غير أن استمراره في تقديم الخدمات الصحية بهذه التكلفة المنخفضة، مقابل شح المساعدات الدولية، وتعرض اقتصاد البلاد لمزيد من الضغوطات، لم يعد بالأمر الممكن. فأوقف في كانون الأول/ ديسمبر 2014 مجانية العلاج. وتحولت الخدمات التي يقدمها منذ ذلك التاريخ إلى مدعومة جزئيًا فقط.

لقد انخفض نتيجة ذلك عدد السوريين القادرين على تحمل تكلفة علاجهم، بمقدار النصف. وأصبح واحد من بين كل ستة لاجئين -بحسب مسوحات البنك الدولي- يرى أن التكلفة كانت هي العقبة الأكبر أمام الحصول على الرعاية الصحية. وواجهت واحدة من بين كل خمس أسر أعباء كارثية في الإنفاق، بسبب تكاليف الرعاية الصحية. وأكد واحد من بين كل لاجِئَين سوريين اثنين يعانيان من أمراض مزمنة، تعذُّرَ حصوله على الأدوية والخدمات الأخرى.

لكن تقييمًا أمميًا لخطة استجابة الأردن للأزمة، جرى قبل أشهر، أوضح أنه تم تنفيذ مجموعة واسعة من البرامج الصحية التي تستهدف السوريين في المخيمات والبلدات والمدن، شملت توفير الرعاية الصحية الأولية، والرعاية الصحية الثانوية، والرعاية الصحية المنقذة للحياة/ الطوارئ من المرتبة الثالثة، وعلاوة على ذلك، تم التوسع في برنامج النقد مقابل الصحة. وتم توفير سبل الصحة النفسية والصحة الإنجابية والتغذوية -ومنها تغذية الرضّع والأطفال الصغار- والخدمات الصحية المجتمعية.

تقدر مصادر حكومية كلفةَ استقبال اللاجئين السوريين، بشكل إجمالي، بنحو 10 مليارات و300 مليون دولار. فيما وصلت فاتورة دعمهم على المستوى الصحي، في عام 2017 إلى 111 مليون دولارًا.

يرى الدكتور (حسني. ك) العامل في أحد مراكز الرعاية الطبية القريبة من حدود الأردن الشمالية، أن التدفقات الجماعية للاجئين شهدت في بداية الأزمة، معدلات وفاة عالية، بسبب تردي الأوضاع الإنسانية. أما اليوم، فإن توقّف الأشخاصِ المصابين بالأمراض المزمنة -أمراض القلب والأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم والسكري والسل- عن العلاج لتكلفته الباهظة، هو السبب الرئيس لمعظم الوفيات. أضاف لـ (جيرون): إن العبء الإضافي الذي تحمله النظام الصحي في الأردن، يحتاج إلى تمويل مضاعف. ولم يقدم المجتمع الدولي ما يكفي من التمويل، لانتهاج استراتيجية جديدة، تؤمن الرعاية الصحية بمختلف درجاتها، للجميع.

في منتصف حزيران/ يونيو الماضي، خصصت مجموعة البنك الدولي  50مليون دولار للحكومة الأردنية، من أجل مواصلة جهودها في تقديم الخدمات الصحية الأولية والثانوية للأردنيين الفقراء واللاجئين السوريين معًا، كجزء من مشروع أكبر، تبلغ تكلفته نحو 150 مليون دولار، بمشاركة البنك الإسلامي للتنمية. حيث من المتوقع أن يقدم المشروع خدمات صحية لما يقارب من 3.5 مليون مستفيد. لكنْ بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة ازدادت وفيات السوريين؛ لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على العلاج الطبي اللازم في الوقت المناسب. إن تقصير المجتمع الدولي تجاه تحمل حصته من تكلفة احتياجات العلاج الطبي لآلاف اللاجئين مستقبلًا ، سيرتب -بحسب الملك عبد الله الثاني- على ضيوف الأردن، تحمل إمكانية توجيه الدعم الحكومي للأردنيين فقط!.


علاء كيلاني


المصدر
جيرون