هل ستمر طريق القدس من طهران؟



تابع العالَم، الخميس الماضي، لقطات مصوره لتظاهرات شعبية عارمة، في مدينة مشهد، ثاني أكبر مدينة في إيران ومعقل الإثنية الفارسية، وتنوعت شعارات وهتافات المتظاهرين، بين التنديد بغلاء المعيشة، وارتفاع نسب البطالة على الصعيد الداخلي، ومطالبة الحكومة الإيرانية بالتوقف عن مشاريعها الخارجية في سورية ولبنان وغزة، وتدخلها بالدول العربية عمومًا، وقد انطلقت شرارة التظاهرات إلى مدن إيرانية عدة، منها طهران ومشهد وسمنان ونيشابور، وبعض مدن الأحواز، علمًا أنه كانت هناك تظاهرات في أصفهان، مطلع الأسبوع، وقد سارعت السلطات الإيرانية إلى قطع الإنترنت عن جميع المدن التي شهدت تظاهرات، وتجددت هذه التظاهرات واتّسع نطاقها، يوم الجمعة التالي، واستمرت حتى ساعة مبكرة من صباح السبت، حيث لم ينم الشعب الإيراني.

كان اللافت في شعارات هذه التظاهرات شعار “الموت للدكتاتور”، في إشارة واضحة، لأول مرة، إلى المرشد الأعلى، وهذا دليل على وعي الجمهور إلى أن السيد روحاني رئيس الجمهورية الإيرانية مجرد موظف في دولة الولي الفقيه، وليس صاحب قرار، وهذا ما أكده السيد محمد خاتمي الذي قال: توليت منصب الرئاسة في إيران، ثماني سنوات، ولم أحكم يومًا.

يمكن للمراقب أن يعطي أهميةً لهذا الحراك المتكرر في إيران، في السنوات الأخيرة، مثل انتفاضة 1999 و2003 و2009 لأسباب عدة، أهمها أن هذه التظاهرات انطلقت هذه المرة من مدن ذات أغلبية فارسية، وليس أذرية أو عربية، أي من قومية الفئة الحاكمة ذاتها، كما أن هذه التظاهرات الحاليّة أتت، بشكل جريء وصريح، ضد الحكم الثيوقراطي المتمثل بولاية الفقيه، حيث صاح المتظاهرون: إن حقوق الشعب تحت عباءة الملالي. وقاموا لأول مرة، منذ استلام الملالي زمام السلطة، بإحراق صورة المُلا الخميني، وهذا يعني أن الشعب الإيراني بات يُدرك تمامًا أن سبب الفقر والجوع هو حكم الملالي، وليس حكم الجمهورية، فحكومة الملالي ذات الطموح الواسع هي من يهدر إمكانات إيران الاقتصادية، من أجل إشباع رغباتها في التوسع والهيمنة خارج الحدود، ففي عامي 1999 و2003 كانت الاحتجاجات مطلبية بحتة، نادت بتحسين ظروف الحياة ولم تتطرق إلى السياسية، أما في عام 2013 فكانت احتجاجات على تزوير الانتخابات، كمطلب سياسي محدد ومحصور، بينما ما نشهده في إيران اليومَ هو ثورة مكتملة الأركان، وتحمل إطارًا أو مشروعًا متكاملًا، وحدد المتظاهرون هذا الإطار، من خلال المطالبة بالكف عن التدخل الخارجي لإيران، والكف عن دعم الحرس الثوري الإيراني ومشاريعه الدامية والمكلفة ماليًا خارج إيران، وهذه المطالبة لم تأت من فراغ، وليس من باب تعاطف الشعب الإيراني مع ضحايا قاسم سليماني، في سورية والعراق ولبنان، وإنما أتت من خلال علمهم اليقيني بأن الحرس الثوري الإيراني يهيمن اليوم على قطاعات واسعة من الاقتصاد الإيراني، ويدير مشاريع عملاقة مثل مصافي النفط، وصولًا إلى أفران الخبز، وأن هذا الجيش غير النظامي والتابع بشكل مباشر للولي الفقيه، قد أصبح دولةً ضمن الدولة، ويهيمن على قرار الدولة الرسمية رئيسًا وحكومةً.

الملاحظ في هذا الحراك المستجد هو رمي الاتهامات، بين المحافظين كتيار يتبع الولي الفقيه والإصلاحيين، حيث يتهم كل طرف الآخرَ بأنه يقف خلف هذا الحراك، علمًا أن هتافات الشارع قد نددت بكلا الطرفين: رئاسة الجمهورية وولاية الفقيه على حد سواء، وقالوا: ليسقط الرئيس، وليرحل الملالي عن السلطة.

يعلم الجميع أن السلطات الإيرانية الحقيقية والمتمثلة بقوات الحرس الثوري الإيراني وقوات الباسيج لن تدّخر أسلوبًا من أساليب العنف، من أجل سحق هذا الحراك، لأن هذه السلطة لا تفكر مطلقًا، بتقديم أي تنازل من أي نوع كان، لأنها تعلم يقينًا أن أول تنازل سيقود إلى انهيار سلطتهم في البلاد، بل إن المرشح أن هذه السلطة قد تستجلب ميليشيات من أفغانستان والعراق ولبنان، من أجل سحق هذا الحراك، وليس من المستبعد الاستعانة بقوات أحمد جبريل الذي استخدمته الطغمة الحاكمة في سورية، كميليشيات مرتزقة لقمع الثورة الشعبية في سورية.

أيام مرت على بداية الحراك الشعبي في إيران، وعلى كامل مساحتها الجغرافية، ويشارك فيه كل مكونات الشعب الإيراني من فرس وأذريين وكرد وعرب وتركمانستان، وما زالت ردّات الفعل الدولية خجولة جدًا.

إنه لمن العار أن يقف العالم متفرجًا على نظام ثيوقراطي يعود للعصور الوسطى، يسحق شعبه، ومن العار على الدول المتحضرة أن تتخلى عن الشعب الإيراني، كما حصل في ثلاث مرات سابقة أعوام 1999 و2003 و2013، ويجب التحرك دوليًا، لتمكين الشعب الإيراني ذي التاريخ والحضارة العريقين، من الحرية والعيش بكرامة في ظل قوانين عصرية، بعيدًا عن عباءة الولي الفقيه الذي يحكم البلاد بسلطات إلهية.


مشعل العدوي


المصدر
جيرون