السوريون في كندا.. اغتراب نفسي وصعوبات في العمل



كتبَ معن زكّار، وهو مواطن سوري مقيم في كندا، على صفحتة في (فيسبوك): “بدأتُ عملي الجديد منذ فترة وجيزة، في واحدة من كبريات الشركات الكندية، وابتدأتُ أعيش (الحلم الكندي) حتى الثمالة، ومنذ الأسبوع الأول، أستيقظُ الساعة الخامسة والنصف صباحًا، لأتمكّن من إيصال ابنتي إلى مدرستها في الوقت المناسب، ومن ثمّ أقود سيارتي إلى (محطة الترين)، وهناك أستقلّ القطار إلى (مركز المدينة)، وتكلفة التنقل من خلاله تكلفني نحو 300 دولار شهريًا. بعد وصولي إلى مكانٍ قريبٍ من عملي؛ أترجّل من القطار، وعليّ أن أقطع -مشيًا على الأقدام- مسافة لا تقلّ عن كيلومتر تحت الثلج والبرد القارس، حيث تنخفض درجة الحرارة هناك إلى -20 درجة مئوية”.

أضاف: “بعد انتهاء العمل في الساعة الخامسة مساءً؛ أقطع رحلة العودة بالطريقة والطريق نفسيهما، وأصل إلى بيتي الساعة السادسة مساءً، لأتناول عشائي بعينين نصف مغمضتين، وأضع حلقة لا على التعيين من مسلسلٍ كوميدي أميركي، استرق خلال متابعتي له ضحكات بلهاء، ثم أجرّ نفسي إلى السرير، لأستغرق في النوم في الساعة الثامنة. اعتبرُ نفسي من المحظوظين القلائل الذين تمكنوا من الحصول على وظيفة محترمة في كندا.. ولكني ما زلت أتساءل: أين الحظّ في حياة كهذي!”.

لا يشبه وضع زكّار حال معظم السوريين في كندا، الذين اضطرّوا إلى العمل بمهنٍ لا تتناسب ووضعهم الاجتماعي والعلمي، لصعوبة تعديل شهاداتهم العليا وعدم إتقانهم اللغة، فيما يتشابه الظرف بالنسبة إلى الجميع، على صعيد الاغتراب النفسي وفقدِ معالم الحياة الاجتماعية، وعلى الرغم من أن معظم اللاجئين والمهاجرين السوريين في كندا ينعمون بمستوى جيد من الحريات والاستقرار المادي؛ فإن التأقلم مع الواقع الجديد، الثقافة والعادات، والطقس البارد أيضًا، ليس بالأمر اليسير.

في هذا المعنى، قالت (جنى. ي)، وهي صحافية سورية شابة، حصلت على اللجوء الكنسي في كندا منذ نحو عام، لـ (جيرون): “إن إيجاد عمل مهني، بالحد الأدنى من الأجور، هو أمرٌ متاح للجميع، كالعمل في المطاعم أو خدمة الزبائن، لكن العمل في المجالات التي تتطلّب التخصّص ليس سهلًا، لأنه يحتاج إلى خبرات وشهادات كندية (تعديل الشهادة للسوريين)، إضافة إلى إتقان إحدى اللغتين الرئيستين في كندا: الإنكليزية أو الفرنسية”.

صعوبة أخرى لا بدّ من أن تواجه السوريين في كندا، وهي اللغة والاندماج، مقرونةً بما أطلقت عليه جنى اسم (الصدمة الثقافية) التي تصيب معظم اللاجئين السوريين في كندا، وهي إحساسهم بالابتعاد الجذري عن كل ما يشبههم، وشعورهم بصعوبة في الانتماء إلى المكان الجديد، وأضافت في هذا الجانب: “إن عدم إتقان اللغة يعني حتمًا عدم الاندماج، كذلك الأمر بالنسبة إلى العادات الكندية التي يصعب على السوريين تقبّلها. بعض السوريين يشعرون بالإحباط، وتصيبهم حالة من الحنين السلبي الذي يؤثر في مستوى اندفاعهم، لبناء حياتهم الجديدة”.

لكن في المقابل، اعتبرت جنى أن كندا وفّرت للاجئين بيئةً جيدة، على مستوى الاستقرار وحرية الخيارات والتعددية، وأوضحت: “يحقّ للإنسان اختيار ما يريد، وممارسة طقوسه الفكرية والدينية كما يحلو له، فالاحترام والتقدير المتبادل هو السائد بين مختلف الفئات والمكونات، لكن السوريين في كندا -بسبب خوفهم الدائم من ذوبان الهوية والضياع- يتصرفون مع أولادهم، بطرقٍ غير متوازنة”.

أضافت في هذا الخصوص: “يحاول السوريون في كندا تذكير أبنائهم بالعادات والطقوس العربية على نحوٍ مبالغ به، ويخشون عليهم من فقدِ إرثٍ ثقافي واجتماعي، يعدونه جوهريًا، ومن الصعب جدًا السيطرة على الأبناء في كندا؛ حيث إن أبواب الحريات مشّرعة أمامهم، والقانون كذلك يقف إلى جانبهم، لذا تصدر عن الآباء ممارسات مغلوطة بحقّ أبنائهم، وتسيطر عليهم حالة من الضياع الاجتماعي والهوياتي”.

من جهة أخرى، رأت (سعاد)، وهي لاجئة سورية في كندا منذ أقلّ من عام، أن التسهيلات التي تقدمها الحكومة الكندية للاجئين، من الناحية القانونية، وقواعد إلزامهم بالعمل بعد مضي عام على وجودهم في كندا، هي إيجابية، وأضافت في هذا الصدد: “بالنسبة إلى السوريين الذين خرجوا من وطنٍ لا يعرف القانون، ولا يحترم أدنى الحقوق، فإن كندا هي الوطن الحلم بالنسبة لهم. في هذه البلاد كل شي منظّم ويخضع لقواعد منصفة”.

يُقدّر عدد اللاجئين السوريين في كندا، بـ 40 ألفًا، وفقَ إحصاءات أخيرة صادرة عن وزارة الهجرة الكندية، وتعتزم كندا في خطة عام 2018 استقبالَ 300 ألف مهاجر ولاجئ، بحسب الوزارة.

اختتمت جنى حديثها بالقول: “أشعرُ بالسعادة؛ لأنني أعيش في كندا، وسأحصل على الجنسية الكندية بعد بضعة أعوام، أشعر بأنني كنت في قفصٍ اسمه سورية. لم نكن نعرف شيئًا عن العالَم والآخر والحقوق والحريات، هنا كل يوم أتعلّم شيئًا جديدًا، وتتوسّع نظرتي ومداركي”.


آلاء عوض


المصدر
جيرون