انتفاضة الإيرانيين شأن يعنينا



ملفت هو حجم الدعم الإعلامي الشعبي، على مواقع التواصل العربية، لانتفاضة الشعب الإيراني، في وجه هيمنة نظامه وانشغاله في فتوحات خارجية على حساب الوضع الإنساني والمعيشي.

ولأن مخاطر هذه الطموحات لا تطال الإيرانيين فحسب، ممن بات أبناؤهم جنودًا “تحت الطلب”، لتحقيق توسع إمبراطورية الولي الفقيه، حيث إن منطقتنا العربية أيضًا كانت -وما تزال- ملعبًا لذلك الطموح، لذا؛ فمن حقّ شعوبها المتأثرة بسموم تدخلات ملالي طهران في شؤونها الداخلية، من خلال الذراع الأمنيّة “الحرس الثوري” في العراق، سورية، لبنان، اليمن، وعموم الخليج، اعتبار انتفاضة الإيرانيين حدثًا يعنيها.

منذ سنوات، نظام طهران يستغل التصدعات التي حدثت في المجتمعات المجاورة، ليملأ الفراغ في السلطة، متصيدًا الفرص هنا وهناك، متلفعًا بشعارات فتوحات أيديولوجية مذهبية، وأكاذيب عن تعرض المراقد الشيعية في تلك المجتمعات للخطر، إلى حد اختراعه مراقد وهمية، فقط ليبرر هيمنته، كما حدث في ما أسماه “مقام السيدة سكينة”، في داريا قرب دمشق، بالرغم من أن لا وقائع تاريخية تؤكد زعمهم، إضافة إلى شهادة السكان المحليين بأنه كان مجرد بناء قديم، قبل عملية بنائه وترميمه من قبل إيران. انطلقت وحشية التدخل مع سقوط نظام البعث في العراق عام 2003؛ فاستغلت إيران فراغ السلطة وحجة دعم مظلومية شيعة العراق، ونشرت ميليشياتها، وبدأت تتدخل في الشأن الداخلي، فساهمت، من خلال مجموعات عراقية مرتبطة بها، في ضرب سنّته، وبات “قاسم سليماني” يتجول مثل مبعوث استعماري، في أراضي العراق الذي أصبح دولة ضعيفة في عين سكانه وعيون العالم، ثم بات المبعوث يتطاول على حرمة الأراضي السورية، من دون إذن، فهو الحاكم في البلدين، ولن نفاجأ إن عرفنا أنه كان يزور لبنان واليمن سرًا أيضًا، ويتجول فوق سيادة الأراضي والمسؤولين، كما فعل في بلاد العراق والشام.

تدخل نظام إيران في سورية، بعد انتفاضة شعبية طالبت بالحريات، رأى فيها الملالي ثغرة مساومة لنظام الأسد، يدعمون فيها بقاء حكمه، مقابل الحصول على حصة واسعة من سورية، فنشر قواته الطائفية التي استغل فيها شبانًا شيعة فقراء، معظمهم من باكستان وأفغانستان، واستجلب ميليشيات عراقية من اللون نفسه، تحت قيادة عناصر “الحرس الثوري”، ومن أسماهم “مستشارين”، واستدعى ذراعه اللبنانية المتمثلة في “حزب الله”، وخاض حربًا ساهمت في تغيير التركيبة السكانية فوق الجغرافيا السورية، وكان طرفًا أساسيًا في صفقات التهجير ونقل السكان، وفي دفع السوريين إلى النزوح واللجوء، بعد أن دمّرت أماكنهم في معارك ساهم طيران النظام والطيران الروسي في إفراغها.

إيران ضلع خطير في المثلث الخانق الذي يتحكم في سورية الآن، إضافة إلى النظام وروسيا؛ فهي تملك ذراعًا أخطبوطية من كل تلك المجموعات الطائفية المرتزقة التي تحركها أيديولوجيا الكراهية للآخر المختلف، والولاء لـ “المرشد الأعلى” – “الولي الفقيه” في تسمية مذهبية إيرانية أخرى. وإيران متغلغلة في اليمن، وهي الحاكم الشبح للبنان الذي سيعيده إلى زمن الصراعات الطائفية، من خلال فرض “حزب الله” لأجندة إيرانية، لا مصلحة للبنانيين بها.

جاءت انتفاضة الإيرانيين الأخيرة لتقول لنظام المرشد: “لا للتدخل في دول أخرى باسمنا”. وقد رفعت شعارات مثل “انسحبوا من سورية وفكروا بنا” و”لا للبنان ولا لغزة.. نعم لإيران..”. وفي سياق التماهي مع الثورة السورية، رفع المتظاهرون الإيرانيون لافتات بيضاء، توثق المكان والزمان، وبثوا مقاطع فيديو مباشرة، فكانوا على خطى المتظاهرين السوريين في تظاهراتهم السلمية، قبل سبع سنوات، عندما ضُربوا بالرصاص واتُّهموا بالإرهاب. انتفض الشعب الإيراني، أخيرًا، ليقولها عاليًا: ما عدنا نصدق حجج “داعش” والقاعدة سببًا لمغامراتكم العسكرية، ولن تنطلي علينا غوايات شن الحروب باسم آل البيت، ولا إهمال اقتصادنا ولقمة عيشنا، باسم “الدفاع عن المراقد المقدسة”.

عندما يظهر علم الثورة السورية في تظاهرات الإيرانيين، وينشئ ناشطون إيرانيون وسوريون صفحة في (فيسبوك) بعنوان “متضامنون مع الشعب الإيراني”، باللغتين العربية والفارسية، تنقل أخبار قمع الاحتجاجات، فهذا مؤشر على أن العداء ليس بين الشعبين، بل في مواجهة نظامي طهران ودمشق، وأن مصلحة أحدهما في التخلص من ممارسات نظامه تصب في مصلحة الآخر، وقد حان الوقت للدعم العلني، عبر مواقع التواصل والتظاهرات على الأقل، وهو أمر يسري على شعوب المنطقة الأخرى المتضررة من تدخل ملالي إيران في شؤونها.

هللوا إذن لانتفاضة الإيرانيين على نظام دكتاتوري، يستبد باسم الدين، ويتوسع استعماريًا تحت هذا الهدف. ولا حرج من تهمة التدخل في شؤون إيران، فقد بادر نظام المرشد الأعلى مبكرًا، بتدخلاته غير المحتملة في شؤون مجتمعاتنا. وقد حان وقت ردّ الدين.


غالية قباني


المصدر
جيرون