موالو النظام ينتقدون الفساد افتراضيًا



بعد ست سنين فقط من الحرب المدمرة لسورية، شعَر موالو النظام السوري، بمدى الفساد “المعشعش”، في ما يسمى بالمؤسسات الحكومية، وفي قطاعاتها المختلفة، وربما كان عليهم أن يلمسوا أبشعها وأكثرها قساوة، حتى يخرجوا عن صمتهم، وربما يعتقدون أنهم يفعلون شيئًا، بما يتداولونه ويدوّنونه، عبر واقعهم الافتراضي.

الملفت للنظر، خلال عام 2017، صعود نبرة النقد من قبل موالي النظام للمسؤولين، وأصحاب المناصب بشكل عام، ووزارة الدفاع بشكل خاص، طبعًا بعيدًا عن ذكر بشار الأسد المسؤول الرئيس عن دمار سورية. وقد وصل النقد، في بعض صفحات (فيسبوك)، إلى ذكر أسماء محددة، ووضعها في قائمة المفسدين الذين يتلقون الرشا، ويعملون بالمحسوبيات، وينالون في النهاية كل الميزات، ويُحرم منها الموظف البسيط الذي لا يشاركهم فسادهم. ولا يقتصر هذا الفساد على مؤسسة بحد ذاتها؛ إذ إن الفساد منتشر في كافة المؤسسات الحكومية وكل القطاعات، فتسيير شؤون الناس في “سورية الأسد” لا يمكن أن يكون طبيعيًا إلا حسب اسم الواسطة التي يمتلكها الشخص.

في نقدٍ لما وصل إليه حال القطاع الزراعي، وانتقاد للمسؤولين عنه، كتب أحد المنتقدين: “هل هناك نية لضرب مفهوم العمل والزراعة والتحول إلى الشحادة من دول العالم؟”، فيأتيه الرد بأحد التعليقات: “مدروسة ومتعوب عليها.. لا سمح الله، إذا اكتفى المزارع معيشيًا من محصوله الزراعي؛ فلن يتطوع بفيالق الاقتحام!”.

هذا مثال من أمثلة كثيرة، تطال كافة القطاعات التي انتشر فيها الفساد إلى الحد الذي لم يعد بالإمكان التغاضي عنه (افتراضيًا)، حيث تُطالعنا صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الموالية للنظام بـ “بوستات” يومية -تقريبًا- عن هذا الفساد والمفسدين، غير أن هذا النقد يبقى ضمن نقد مؤسسة الدفاع الأكثر وضوحًا، حيث لم يعد بإمكان المجندين في “الجيش السوري” تحمّل أوضاعهم المزرية، كما لم يعد بإمكان ذوي القتلى أيضًا القبول بتعويضات النظام المخجلة، من ساعة حائط، إلى معزاة، إلى آخر الإبداعات في فنون التعويض: (فلينة برتقال)، وكانت هذه (الفلينة) من عطايا “حزب البعث”، حيث نشر أحدهم صورة القتيل مع “فلينة” البرتقال، وتعهد أن يعيد نشرها كل يوم، ليذكرهم بأفعالهم الخسيسة. وجاء نقدٌ آخر، لوقوف وزير الدفاع تحت قبة البرلمان، بتعليق إحداهن بأنها تُفضّل “أن تكون وزارة الدفاع من نصيب امرأة؛ لأن الأم تشعر بأبنائها، عندما يكونون جائعين”.

إن تواجد الميليشيات التي لا تعد ولا تحصى على الأرض السورية (حزب الله، فيلق القدس، وغيرها) جعل المقارنة بين ما يُقدَّم للمجندين السوريين، وما يُقدَّم لغيرهم من باقي الميليشيات، مقارنة غير مقبولة أو محتملة، وطبعًا يبقى هذا النقد الافتراضي يُزيّن الفضاء الأزرق من دون فائدة ترجى. ليس هناك من يهتم بما يُكتب في هذا المجال؟

هؤلاء الذين جعلوا من أنفسهم وقودًا لحربٍ لم تكن يومًا ضدهم، لم تعد لديهم القدرة على الصمت، فكان الفضاء الافتراضي الأزرق ساحةً لهم، يبثون شكواهم وينتقدون ويشتمون، مفترضين أنهم حققوا نصرًا لأنفسهم، ومتغافلين عن أن هذا النصر -إن كان نصرًا- هو افتراضي، ولن يُغيّر شيئًا من واقع الحال، ولن ينفعهم، ولكن ماذا لو أنهم قرروا أن ينزلوا إلى الشارع، ويقولوا كلماتهم؟


زين الأحمد


المصدر
جيرون