من إهانة حميميم إلى عبثية سوتشي

9 يناير، 2018

ربما هي المرة الثالثة في التاريخ التي يتم فيها تدمير طائرات حربية، بهذه الطريقة المُهينة، وهي ترقد على مدرجات مطار؛ المرة الأولى كانت في الحرب اليابانية الأميركية، والثانية خلال حرب عام 1967، والمرة الثالثة التي تم فيها استهداف القاعدة الروسية في مطار حميميم، ثلاث مرات متتالية، خلال أقل من أسبوع واحد. أما الأكثر إهانة، بالنسبة إلى الغطرسة الروسية، فهو أن تعلن عن أجسام غريبة تهاجم القاعدة، وهذا يعني أنها، مع آلتها العسكرية الضخمة والعملاقة التي ما فتئت تتباهى بها وتستعرضها في سورية، لم تستطع تحديد ماهية الأجسام المُهاجمة، ولا الجهة التي تقف خلف تلك الهجمات.

روسيا التي أعلن وزير دفاعها عن ربط الدفاعات الجوية السورية بالدفاعات الجوية الروسية، وتتباهى بوجود وزارة اسمها وزارة “الجو-فضاء” وتُشغّل أكبر شبكات رادار في المنطقة، بكلفة مئات ملايين الدولارات، وقفت عاجزة للمرة الثالثة عن صد هجوم، استهدف جنودها وطائراتها، وكانت نتائج هذه الضربات خسارة مئات ملايين الدولارات، نتيجةً لخروج عدد غير محدد من الطائرات من الخدمة الفعلية.

على الأرض، تقف روسيا وحليفها النظام السوري، وقد مسّهم الجنون، عاجزين عن تحديد الجهة التي استهدفت المطار بهذه الدقة، فبين نظرية مدفع “الفاسيلوك” الذي يستطيع رمي قذائف هاون (عيار 82)، وبين نظرية طائرات مسيّرة (بدون طيار)، تتجرع روسيا الدولة العظمى كأس الذل بمرارة، فهذه الضربات قد حولتها من دولة عظمى ضامنة إلى دولة لا تستطيع حماية قواعدها، وربما قريبًا ستحتاج إلى من يحميها ويضمنها.

في الوقت الذي ظنت فيها روسيا أنها قاب قوسين أو أدنى من إعلان النصر، في التاسع والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر، من خلال جمع أتباعها في سوتشي، وبعض الوجاهات العشائرية ورجال الدين والمعارضة المُصنعة في دمشق، ومحاولة روسيا جذب بعض الدول الإقليمية والأمم المتحدة، بحثًا عن شرعية ما لنتائجه، تأتي هذه الضربات لتُظهر حقيقة الوجود الروسي الضعيف والمهزوز في سورية، وربما كانت هذه الهجمات، في هذا التوقيت، مجرد رسالة لبوتين تقول له إنك وصلت إلى نهاية الطريق، والآن عليك التفكير جديًا بالخروج من سورية، أو في الحد الأدنى، عليك أن تكون أكثر تواضعًا، كي تخرج بأقل الخسائر في عملية جديدة لخلط الأوراق.

قد يبدو المشهد العام للمراقب البعيد أن سورية باتت ملعبًا مستباحًا للجميع، ومن طرف الجميع، إلا أن النظر نحو المشهد عن كثب ربما يُغيّر القراءة، فالاستباحة مرسومة بدقة وبخطوط واضحة، تُحدد الحدود لكل لاعب، ولن يكون من المسموح له تجاوزها، والجميع يمتلك أدواته الخاصة لخلط الأوراق، حين يخرج أحد اللاعبين، ليتجاوز على مساحات الآخرين.

قد تجعل الضربات الأخيرة للقاعدة الروسية في حميميم، والمتزامنة تقريبًا مع انطلاقة الحراك الشعبي في إيران، روسيا وباقي اللاعبين يُعيدون النظر من جديد، في جدوى انعقاد مؤتمر سوتشي المزمع عقده يومي 29 و30 من هذا الشهر؛ فروسيا حين حددت هذا الموعد لم يكن في حسبانها هذه الضربات المُهينة، ولم يكن في حسبانها أن يتعرض حليفها الإيراني لهذه الهزة الداخلية القوية، والدول الإقليمية التي كانت متشجعة لحضور هذا المؤتمر أيضًا ربما باتت تُفضّل الانتظار حتى ينجلي المشهد في أبعاده الإيرانية والروسية، حتى لا تتخلى عن مكاسب لها، يمكن الحصول عليها في حال استمرار الحراك الشعبي الإيراني، وتطور الهجمات على المصالح الروسية في سورية.

الطريق من حميميم إلى سوتشي سيمر حتمًا من بوابة العلاقة التركية – الروسية المتعثرة، بسبب القضية الكردية، ففي حين دعت موسكو ممثلي الإدارة الذاتية، بدلًا من (حزب الاتحاد الديمقراطي) الكردي، ما زال الأتراك يتمسكون برأيهم، بعدم حضور أي شخصية تتبع لذلك الحزب الذي تُصنفه تركيا حزبًا إرهابيًا أوجلانيًا، ولن يمنح الغرب مشروعيته لمؤتمرٍ، يغيب عنه الأكراد، كونهم مكونًا أساسًا من مكونات الشعب السوري، ولا يمكن إنجاز دستور للبلاد في غيابهم.

لن يطول انتظار المراقبين كثيرًا، كي يعلم الجميع ما هو مصير الحلم الروسي الخاص بإعلان انتصاره، مع ترجيح إرجاء عقد مؤتمر سوتشي إلى ما بعد الانتخابات الروسية.

مشعل العدوي
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون