“نشأة القيم داخل المجتمعات”.. محاضرة في (منتدى زيتون)



نظّم (منتدى زيتون للحوار) في الغوطة الشرقية، في الثالث من كانون الثاني/ يناير الجاري، محاضرةً بعنوان (نشأة القيم داخل المجتمعات)، قدمها المُحاضرغسان عبد الواحد، وركزت المحاضرة على ستة محاور رئيسة:

إبراز مفهوم القيم وتوضيح معناها. توضيح أهميتها في حياة البشر. المصادر التي تُستقى منها القيم. خصائص القيم بشكل عام. والإسلامية بشكل خاص. أنواع القيم وأصنافها. طرق تكوينها.

أولًا: تعريفات عن القيم

تناول المحاضر القيمة لغة وهي: الثمن أو السعر –القدر– الشيء الغالي والثمين. وساق عدة تعريفات أخرى لها:

القيم هي جملة المقاصد التي يسعى القوم إلى إحقاقها، متى كان فيها صلاحهم، عاجلًا أو آجلًا، أو إلى إزهاقها، متى كان فيها فسادهم، عاجلًا أو أجلًا. هي القواعد التي تقوم عليها الحياة الإنسانية، بخلاف الحياة الحيوانية. كما تختلف الحضارات بحسب تصورها لها. في القاموس التربوي ورد: هي صفات ذات أهمية لاعتبارات نفسية أو اجتماعية. وهي بشكل عام موجهات للسلوك. القيم مبادئ الشخصية التي تحدد للفرد الخطأ والصواب. (د. طارق سويدان). القيم هي التي تحدد تلك الأشياء والأوضاع أو الخصائص التي يعتبرها أفراد المجتمع مهمة. القيمة: هو ما تعطيه أهمية في حياتك. (د. صلاح الراشد). القيمة لدى الغرب: مبدأ مجرد وعام للسلوك. القيم هي الصفات التي يفضلها أو يرغب فيها الناس في ثقافة معينة، وتتخذ صفة العمومية بالنسبة إلى جميع الأفراد، كما تصبح من موجهات السلوك أو تعتبر أهدافًا لهم. تعريف عبد الواحد: معاني إنسانية مجردة، ذات منشأ ديني أو ثقافي أو اجتماعي، تأخذ درجة من الأهمية والتقدير لدى الناس؛ فتصبح مولدات أو موجهات للسلوك والعمل والأخلاق.

وضرب عبد الواحد أمثلة عن القيم (العلاقة مع الله – الحرية – السلام الداخلي – الدفء العائلي – الغنى – الحب – المال – العلم – المعرفة – العمل والإنجاز – الأمن – الصحة).

وأورد بعد التعريفات أمورًا مشابهة للتمييز هي:

المبدأ: عقيدة عقلية، ينبثق عنها نظام (هو ما أتبناه من القيم) مثال: العدل مبدئي يعني أن العدل هو الأساس الذي أقيم عليه معاملاتي وعلاقاتي.

الأخلاق: معايير للسلوك متعارف عليها.

الأخلاق أيضًا: هي الطبع والسجية التي تصدر من باطن الإنسان على هيئة سلوك أمام الناس، بتلقائية ومن دون تفكير؛ فتعكس نفسه وصفاتها وحالها. فإذا كانت الأفعال حسنة؛ سمي صاحبها ذا خلق حسن. والعكس بالعكس.

والتخلّق هو التكيّف، حيث يجبر أو يبرمج الشخص نفسه على التصرّف بطرقٍ معينة، ومع الوقت يعتاد عليها.

الفضيلة: مزية أخلاقية، وهي ما يتّسم بالخير من صفات أو شيم شخصية. وهي ما يسهم في تحسين معيشة الفرد والمجتمع، ولهذا فهي خيّرة، وعكسها الرذيلة.

ثانيًا: أهمية القيم في حياة البشر

أضاف عبد الواحد، في القسم الثاني من المحاضرة أن للقيم أهمية عظيمة في حياة المجتمع بكل أطيافه، فالمجتمع الملتزم بقيمه مجتمع راقٍ، تسوده الطمأنينة والاحترام، وهي أساس أخلاق المجتمع التي بها رقيه وازدهاره، فالمجتمعات المتقدمة تطورت نتيجة منظومة قيم معينة. والمجتمعات المتخلفة تأخرت نتيجة منظومة قيم تهيمن عليها. مثال عن اليابانيين، فالحضارة اليابانية تميزت بطابعها الخاص ونسقها الاجتماعي، فكانت الحياة اليابانية غاية في البساطة مع ارتقاء عالٍ للقيم المتمثلة بالأمانة والصدق واحترام القانون والطاعة والفداء والتضحية، أما قيمة العمل واحترامها فقد ارتبطت به قيم الأمانة والصدق والإخلاص والمهارة والإبداع لإرضاء الآلهة أولًا، وأفراد المجتمع ثانيًا. ونالت القيم السياسية اهتمام اليابانيين بمختلف عصورهم. كما كانت قيم الولاء متأصلة في كافة أنحاء الهيكل الاجتماعي الياباني.

ثالثًا: مصادر القيم وهي عند المحاضر من:

الدين: من خلال الشرائع السماوية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى للناس، وتمثلها الأنبياء واقعًا. العقل: نتيجة قدرته على تحليل الأمور والنظر في عواقبها، واستنباط الخير والشر منها. المجتمع: لكل مجتمع ظروفه وخصوصياته وتطلّعاته ومستقبله الخاص، وبالتالي فإن القيم التي تلائمه قد لا تلائم غيره من المجتمعات.

والبعض قسمها لمصدرين: مصدر سماوي؛ إن الله يأمر بالعدل والإحسان.. إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. ومصدر بشري: من خلال تعايش المجتمعات وتلاقح أفكارها (منها سلبي ومنها إيجابي) بخلاف السماوية. ومنها ما يرجع لعصور قديمة. مثال عن القيم الإيجابية: النخوة – الشجاعة – الكرم – إغاثة الملهوف. ومثال عن القيم السلبية: العصبية القبلية – الأخذ بالثأر.

أما أفلاطون، فقد حدد مصدرها من الله. فالقيمة عنده هي المبدأ الأعلى للوجود، إذ يقول: إن الله هو مقياس كل شيء. أي أنه الخير المطلق والوجود المطلق، وهو القيمة العليا التي تستمدّ منها سائر الكائنات قيمتها، بحسب قربها أو ابتعادها عنه.

رابعًا: خصائص القيم، وقد عددها المحاضر على النحو التالي:

ترتبط بنفسية الإنسان ومشاعره، حيث تشمل الرغبات والميول والعواطف، وهي تختلف من إنسان إلى آخر، ومن حضارة إلى أخرى، ومن مجتمع إلى آخر. متغيرة: نتيجة تفاعل الإنسان مع بيئته وتغيرات الوسط المحيط به. غير وراثية: فهي مكتسبة من خلال البيئة. متفاوتة: تتفاوت أولوية القيم، بتفوقها على بعض وتطبيق إحداها على حساب الأخرى. متعددة: نتيجة اختلاف الحاجات الإنسانية (اقتصادية – سياسية – اجتماعية – علمية). غير قابلة للقياس: بسبب تعقيد الظواهر الإنسانية المرتبطة بالقيم. ذاتية: حيث تظهر في مشاعر الإنسان، إما بالميل نحوها أو النفور منها. نسبية: فهي تختلف من شخص إلى آخر، حسب الزمان والمكان. إنسانية: فهي متعلّقة بالإنسان، وليس بأي كائن آخر.

أما خصائص القيم الإسلامية فتتمثل في:

الربانية: وردت عن طريق القرآن الكريم والسنة الصحيحة. الشمول: فهي تراعي عالم الإنسان وما فيه، أي تحدّد أهداف الحياة وغايتها وما وراءها. وهي جامعة لكافة مناشط الإنسان وتوجهاته. وشملت تعامل الإنسان مع الإنسان وتعامله مع الحيوان. العموم: عامة ومستمرة لكل الناس، في كل زمان ومكان. الملائمة للفطرة: اعترف الإسلام بالكائن الإنساني، كما خلقه الله، بدوافعه النفسية وميوله الفطرية. الإيجابية: فهي ليست شخصية بل متعدية للآخرين. الثبات والمرونة. التوازن: بين حق الجسم والروح، وبين الدنيا والآخرة، وبين الفردية والجماعية، وبين حرية الفرد ومصلحة المجتمع. الواقعية: فهي ليست ضربًا من المثاليات ولا الخيال.

خامسًا: أنواع القيم وهي عند عبد الواحد:

القيم العليا: هي القيم الكلية الكبرى التي تسمو بالإنسان إلى معالي الأمور، وترقى به عن مشابهة سائر المخلوقات. مثل (الحق – العدل – الإحسان – العبودية – الحكمة). القيم الحضارية: تتعلق بالبناء الحضاري للأمة، من خلال البناء المتوازن العقلي والمادي، وهي ذات طابع اجتماعي عمراني، مثل (الحرية – المسؤولية – المساواة – العمل – القوة – الأمن – السلام – الجمال). القيم الخلقية: متعلقة بتكوين السلوك الخلقي الفاضل، ليصبح سجية وطبعًا يتخلق به ويتعامل مع الآخرين، مثل (الصدق – الوفاء – البر – الأمانة – الأخوة – التعاون – الصبر – الحياء – الرحمة).

وتطرق المحاضر إلى تقسيم آخر من حيث مضمونها:

قيم نظرية مثل (الطموح العلمي – البحث – التجريب – التسامح الفكري). قيم اجتماعية: تظهر من خلال رغبة الإنسان في تقديم العون لمن حوله، وتفاعله الاجتماعي مثل (العطف – الحنان – الإيثار – التعاون). قيم دينية: تظهر من خلال اطّلاع الإنسان المستمر على أصل الوجود والكون والتزامه بتعاليم الدين مثل (العبادة – الجهاد – الشهادة). القيم الاقتصادية: تتمثل بالبحث الدائم عن الإنتاج المربح، والاهتمام بالأموال والثروات (خسارة – ربح – رأس المال – المنفعة المادية)، وهي قد تتعارض مع القيم الأخرى. القيم الجمالية: يعبّر عنها بالبحث عن الجمال في الأشياء (التناسق في الأشياء – الانسجام بالألوان والأشكال). القيم السياسية: تظهر في حب القوة والتحكّم وفرض القوانين على الأشخاص (تقدير السلطة – تحمل المسؤولية – الميل للقيادة).

سادسًا: طرق أو أساليب تكوينها

الإقناع بالأدلة والبراهين. اتخاذ القدوة الصالحة. القوانين: عن طريق جعل القيم جزءًا من تشريعات وقوانين الدولة، مما يجعل تطبيقها لزامًا على المجتمع. الإعلام: له دور كبير في عصرنا الحديث بتكوين القيم ونشرها. الدين: وجود القيمة ضمن التشريع الديني يساهم في انتشارها وتطبيقها، وخصوصًا في المجتمعات المتديّنة. التعليم: عن طريق غرس القيم بالناشئة، من خلال المناهج التعليمية مع الممارسة اليومية.


جيرون


المصدر
جيرون