إسعافات أولية لملالي طهران في كركوك وكردستان

10 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2018
9 minutes

في الوقت الذي تحاول فيه الشعوب الإيرانية إسعاف غدها بالاحتجاجات، يسعى النظام إلى إسعاف حاضره بالضمادات القديمة التي تهرأت من كثرة الاستخدام وذلك باسترجاع الشعارات وإلقاء التهم ضد كل من يرفع صوته أو حجارة الطريق ليرمي بها بعض أسباب جوعه ويأسه من سياسة حكامه المبتلى بهم.

النظام الإيراني أدرك أن الانتفاضة قالت ما أرادت قوله دفعة واحدة دون أن تُبقي شيئاً، بل اختصرت مأساة الثورة السورية ونتائجها، عندما لم تتوقف على أطلال مدنها وموت أهلها واكتفت بإسقاط النظام وتوابعه عمليا عندما فضحت تخبطه وضعفه ومرجعياته وتنازلاته لضمان استمرار مشروعه الإمبراطوري وخطابه المثير للسخط.

ما وصل إليه النظام الحاكم في سوريا من مهزلة البقاء على كرسي السلطة بعد سنوات من استجداء الإرهاب واستقدام الميليشيات وإقامة القواعد الروسية على الأراضي السورية بكل تفاصيل المهانة؛ وصل إليه نظام الملالي خلال أيام فقط وبذات الأسباب.

فالثورة على الشاه محمد رضا بهلوي في سنة 1979 ومجيء الخميني إلى السلطة، كانت بدوافع تتعلق أيضا بالفقر وتضخم المعاناة، وما يقابلها من تضخم ثروات المتنعمين الذين يلعبون دائما دور الوسيط المجامل لمصادر القرار، إن بإخفاء الحقائق أو بتقديم قراءات مسطحة عن الاستقرار أو الاتكال على أوهام القبضة الحديدية للنظام.

لكن مع توفر الإرادات الخارجية في التغيير وقع ما لم يكن في الحسبان، وإلا من يصدّق حتى الآن أن الانتخابات الأميركية كانت العامل الحاسم في صفقة وكالة المخابرات الأميركية مع التيار الإسلامي وفي مقدّمتهم الخميني. هذا ما أكدته ملابسات حادثة احتجاز الرهائن في سفارة الولايات المتحدة في طهران وظروف إطلاق سراحهم بعد استلام رونالد ريغان إدارة البيت الأبيض في يناير 1981 وما جرى قبلها من تداعيات أدت إلى التخلّي عن الشاه ودعم الخميني في أسرار مازال بعضها طيّ الكتمان.

نثر النظام الإيراني لاتهاماته العشوائية على مختلف الجهات مؤشر مهم لحجم ما تورط به من انتهاكات سياسية وعسكرية واقتصادية مع محيطه الخارجي لغايات تصدير برامج ثورته المذهبية. ولأن التجارة لا تستقيم إلا بتوازن طرفي المعادلة لذلك تم استيراد الأزمات للداخل الإيراني وإن كان بأسلوب تجميد المصائب أو تبريرها؛ لكن ما تعتبره القيادة الإيرانية وأذرعها حجة وسببا لفخرها في فترة ما تتيح لهم البوح بمصادر دخل إرهابهم وتمدّدهم، كما في انفعال زعيم الميليشيا الطائفية في لبنان عندما أعلن ولاءه المطلق للنظام الإيراني عقيدة وتجهيزا وتسليحا وتدريبا ورواتب، وأجمل المبلغ بمليار دولار أو ما يقترب منه أو يزيد؛ في فترة لاحقة انقلبت اعترافاته الموسمية بفعل انتفاضة الشعب الإيراني إلى مساءلة النظام عن تبديد الثروات في حروب خارجية يمكن اختصارها بتمويل إرهاب المشروع الإيراني.

الأرضية التي يقف عليها نظام الولي الفقيه منذ البداية كانت شائنة قياساً إلى تبجّحه خاصة تجاه قضية فلسطين ومزايدة النظام على موقف العرب أصحاب القضية الذين دفعوا الكثير من دمائهم وأموالهم وتاريخهم بل بعضهم دفع مصيره من أجلها.

إيران كونترا أو إيران غيت، تمثّلت في توريد الأسلحة الأميركية إلى إيران أثناء الحرب الإيرانية العراقية، ومن إسرائيل، وفي ذروة العداء للشيطان الأكبر في شحنات مشبوهة من الصواريخ، وبتمويل مقابل لحركات الكونترا في نيكاراغوا استهدفت نظامها الشيوعي.

ظهر تأثير تلك الأسلحة في المعارك على الجبهة العراقية عامي 1985 و1986 من القرن الماضي، كما في معركة تاج المعارك التي توغلت فيها القوات الإيرانية داخل الأراضي العراقية وقطعت فيه الشارع الرئيس بين مدينتي العمارة والبصرة ومن مواضع عدة، قبل أن تباشرها القوات العراقية برد كاسح كان من نتائجه تراجع القوات الإيرانية أو تخلّيها عن مواضعها على تلك القواطع من الجبهة حتى نهاية الحرب.

اعتمدت إيران خلال سنوات الثورة على واردات السلع الإسرائيلية تحت ماركات متنوعة وبعضها بالمواصفات الصريحة، والتبرير كالمعتاد يتمثل في التآمر على الثورة الإسلامية في إيران. سقطت الطائرة الأرجنتينية بالدفاعات الجوية السوفييتية وهي محملة بإحدى شحنات السلاح وقطع الغيار من إسرائيل إلى إيران كجزء من جسر جوي لإضعاف قدرات العراق العسكرية.

انتفاضة الجياع في إيران وإن بدت متأخرة في تمزيق قناع المرجعية الدينية الذي تستّر به نظام ولاية الفقيه في تمرير برامجه وأحلامه التوسعية، إلا إنها أعادت ترسيخ مخاطر النظام السياسي وفق رؤية العراقيين منذ مجيء سلطة الخميني أو بعدها بأشهر قليلة، لأنها أفصحت عن نوايا المشروع الإيراني في احتلال العراق تحت ذريعة الوصول إلى أهدافهم في انتزاع المدن الدينية لإنشاء بيئة عقائدية يمكنهم الانطلاق منها إلى غايات الفتنة الطائفية العابرة للحدود.

وزير الخارجية الإيراني ألقى بتهمة التحريض على تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ضمنياً أسلوب لاحتكار الإرهاب وفوائده لتحويل الانتفاضة من أداة بيد الشعب الإيراني إلى أدوات استثمار بيد الملالي.

لذا لا غرابة أبداً في اتهام الأمين العام لمجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي لمدينة أربيل بإدارة غرفة عمليات التخطيط والتآمر وتأجيج التظاهرات؛ وهو لا يشير إلى إقليم كردستان بل إلى أربيل لعزل الاتحاد الوطني الكردستاني في تذكية للصراع داخل الإقليم، كما بدا جليا باقتحام كركوك في أكتوبر الماضي.

بعد أيام من نفي حكومة الإقليم الاتهامات وتسليمها القنصلية الإيرانية رسالة احتجاج تراجعت إيران عن مزاعمها برعاية الحزب الديمقراطي الكردستاني لجهات مخابراتية دولية وبحضور شخصيات منتمية إلى النظام الوطني السابق قبل احتلال العراق، في عقدة نقص يبدو أن نظام الملالي لا يمكنه الشفاء منها، لأنها أطروحات انتقلت إلى أروقة الأمم المتحدة على لسان مندوب النظام الإيراني.

تكشفت صلة التنظيمات الإرهابية بالملالي، ومن يختفي من قادتها ربما ستعثر عليه الأيام في إحدى المدن الإيرانية برعاية أجهزة الأمن كما جرت في وقائع عدة مع قادة القاعدة أو مستجدات التخادم مع طالبان.

ماذا وراء تضخيم الدور الكردي على غرار نتائج الاستفتاء؟ لماذا عمدت طهران إلى تصعيد الاحتجاجات في كردستان ضد مسعود البارزاني وقبل الاستفتاء بسنوات؟ ما هي أهداف نظام ولاية الفقيه الداخلية مع أكراد إيران وحزبهم الديمقراطي الكردستاني الذي تتواجد أعداد من تجمعاته داخل حدود إقليم كردستان وتم نقلهم على مسافة بعيدة من الشريط الحدودي لأنهم تعرّضوا أكثر من مرة إلى هجمات المدفعية الإيرانية؟

لماذا غابت الدولة العراقية عن دورها ولو الدبلوماسي في الرد على الاتهامات الموجهة من إيران ضد مواطنيها، إذا كان الأكراد مواطنين عراقيين حسب الدستور؟

ما قصة نفط كركوك الخام وبداية موعد تصديره إلى المصافي الإيرانية؟ ولماذا تمت عملية تفكيك وتهريب مصفى بيجي إلى إيران تحت ظل الحرب مع داعش وبرعاية الميليشيات؟ ما هي أهداف التمدد الإسكاني لقوات الحشد الميليشياوي في كركوك؟

لماذا يستمر النظام الإيراني بالتمهيد للدور الروسي في المنطقة والعراق؟ والأخطر كيف انساقت الأحزاب الكردية التقليدية للتآمر مع النظام الإيراني ضد العراق في حرب الثماني سنوات بين البلدين؟

هل يدفع الحزب الديمقراطي الكردستاني وقياداته ثمن الثقة بنظام ولاية الفقيه، وأيضا ثمن ثقته بالأحزاب المرتبطة به والحاكمة اليوم في العراق، ومحاولات بعضهم تجديد ثقة الحزب بهم رغم التجارب التي مروا بها؟

ما لا يمكن تجاهله أن النظام الإيراني يعمل بطريقة أحصنة البريد قبل الثورة الصناعية، إذ لا يهمه موت حصان أو هلاكه، لأنه يستبدله بحصان آخر في محطته الأخرى لإسعاف مشروعه؛ لكن ماذا بعد انتفاضة الشعب الإيراني على مجمع تشخيص بريد الإرهاب.

(*) كاتب عراقي

العرب
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون