البيت العربي في هالة زاله/ ألمانيا



صورة شبه بانورامية عن الفعالية:

حظي جمهور عربي وألماني واسع، بيومين شعريين فنيين، كانا إعلان تأسيس للبيت العربي في مدينة (هالة زالة) الألمانية.. يومين دافئين، تابعهما المتلقي بكلّ اهتمام، لما وجده مختلفًا ومغايرًا، فنيًا وشعريًا. افتتح اليوم الأول الفنان عبد الحكيم قطيفان بكلمة ترحيبية، احتفائية، لتستهلَّ فيما بعد الفنانة السورية غيثاء الشعار على العود بمعزوفات، رافقها على الإيقاع الفنان جورج سعادة. ظهر المشهدُ راقيًا، واستطاعت الموسيقى أن تُشكلَّ جسرًا مهمًا في الصالة، بين ثقافتين مختلفتين، حيث لم يحتج الأمر إلى ترجمة، تلا ذلك قراءات من المسرحي والشاعر الألماني رالف ماير، ومن السوريين: محمد المطرود، رودي سليمان، فايز العباس، والعراقي مفيد البلداوي. في اليوم الثاني، موسيقيًا كانَ اللقاء مع فرقة (الواحة)، وهي فرقة سورية تأسست في المدينة بمبادرة من الألماني رون مولر والسورية رزان عفيفي، بهدف التواصل وإعطاء صورة عن الثقافة السورية لمتلق آخر، بدأت القراءات الشعرية بـ ألكسندر زوكل، وهو مسرحي وشاعر، وله عدة كتب ويشغل منصب مدير المسرح في المدينة، ثمّ قرأ الشعراء السوريون حسن الحسن، وائل زيدان، وحسن شاحوت، واختتمَ الحفل بتكريم الفنان قطيفان والمشاركين، بعد الاستماع إلى قراءة عبر التسجيل للشاعر الدكتور حكمة شافي الأسعد المقيم في تركيا. تميزتْ القراءات باختلافاتها، مدرسيًا وفنيًا، وأبدى المتابع الألماني والمشاركون والحضور دهشتهم، مما عدّوه احترافًا يتجاوز الموهبة. قدمتْ السيدة أروى غندور المشاركين للجمهور، على مدى يومين، ضمنَ لغة سليمة وحضور لافت.

لماذا البيت العربي؟

(جيرون)، وهي ترصد آراءَ الحضور بالفعالية والجهة الداعية لها، تحصلتْ على آراء عدة؛ حيث أبدى الفنان عبد الحكيم قطيفان إعجابه الكبير بالتنظيم والمستوى الفني والشعري، وهو الأمر الذي لم يلمسه في برلين، على كثرةِ أنشطتها وفعالياتها المختلفة، معتبرًا ذلك تجاوزًا واضحًا لهنات اليوم الأول، أما الشاعر ألكسندر زوكل، فقد عبرَّ عن تقديره لما سمعه ورآه فعلًا كبيرًا، أمّا الأستاذ نبيل العلي -وهو شاب طموح استطاع تجاوز عقبة اللغة في فترة وجيزة، وصار فعالًا في مجتمع غير مجتمعه، وهو صاحب المبادرة وأحد مؤسسي البيت- فقد قالَ لنا: “هذا البيت من اسمه: البيت الثقافي العربي، يعنى بالثقافة العربية أمام الثقافة الأوروبية، لتقديم صورة حية وحقيقية، والانفتاح على الآخر، لمد جسور حقيقية قائمة على الفهم والمعرفة، ولنا أهداف مرحلية، وأخرى بعيدة تتلخص في بناء شراكات مع منظمات ومؤسسات لها التوجه نفسه، في المدينة منظمة الواحة العربية، وخارج المدينة جماعة (حالة) الثقافية الاجتماعية التي تمثلّت في الفعالية هذه بأربعة شعراء، ولدينا تفكير بإقامة أنشطة تبصّر بعملنا في كثير من المدنِ الألمانية”. وعن مستقبلِ أنشطتهم وقدرتهم على المداومة، بعد هذا النجاح الكبير في الافتتاح وإعلان جمعيتهم، قال العلي: “سيكون عملنا ثقافيًا اجتماعيًا بمساعدة اللاجئين أيضًا، وقد هذا جاء في تعريف الجمعية، وخصوصًا أننا لقينا دعمًا واضحًا من البلدية، من حيث المقر ودعم الأنشطة، ولهذا ستتنوع فعالياتنا لتشمل كل مناحي الحياة”، كذلك تحصلنا على رأي من الصحافي محمد الأسعد، وهو من جماعة (حالة) الثقافية الاجتماعية: “العمل منظّم ومتعوب عليه، ويبشّر بجمعية ستقدم الكثير سواء للعرب أو للألمان المضيفين، المادة الثقافية الفنية والشعرية كانت مهمة، وعلى مستوى نجاح الفعالية، أتمنى للقائمين على البيت العربي النجاحَ والتوفيق”.

الكاتب عبد الله القصير، أحدُ المؤسسين والمتابعين للشأن الثقافي، كتب لنا في إجابتهِ على أسئلةٍ مكتوبة وجهناها له: “البيت الثقافي العربي في مدينة (هاله) انتقل من حيز الفكرة إلى حيز الوجود، لسبب بسيط، هو أننا نعيش هنا منذ أكثر من عامين، وخلال هذه المدة لم يكن هناك من أثر واضح لأي فعالية أدبية عربية فيها، وأشير بالتحديد إلى الفعاليات الأدبية، لأن الموسيقيين السوريين والعرب بشكل عام لهم نشاطهم أينما حلّوا، هذا كان أولى نشاطاتنا، وحاولنا جاهدين ألا نودع العام 2017 من دون أن نسجل في مرماه نقطة لصالحنا، ولو في آخر أيامه، على أمل أن تكون دافعًا لنقاط إضافية مع بداية العام الجديد. بصفتي واحدًا من ثلاثة أشخاص نظموا الملتقى الشعري والموسيقي الأول في مدينة (هاله)، لا أستطيع ادعاء نجاحه، ولا نكران بعض نقاط الضعف فيه، لكن يمكنني الحديث عن درجة جيدة من الرضا، وهذا أمر لا يتحقق بسبب طرف واحد من الأطراف المشاركة. بالتأكيد، التنظيم الجيد له دور مهم في أي فعالية، لكن سوية المشاركين والضيوف وحماسهم لتقديم أفضل ما يمكن، له الأهمية نفسها، إن لم يكن أكثر، إضافة إلى أن الجمهور أو الحضور، وجمهور هذه المدينة كانوا عند حسن ظننا، وامتلأت الصالة بشكل كامل على مدى يومين، كما أن وجود الفنان عبد الحكيم قطيفان -كضيف شرف- أعطى بُعدًا ودافعًا كبيرين، ومن الجيد أن أورد لكم استغراب الشاعرَين الألمانيين المشاركين في الملتقى: ألكسندر زوكل ورالف ماير، من حجم الحضور، أحدهما قال: “لم أكن أظن أنكم تحبون وتهتمون بالشعر إلى هذه الدرجة”، بدأنا نشعر بحجم المسؤولية والتحدي في ما يخص أفكارنا للفعاليات القادمة، خصوصًا أننا تلقينا ردّات أفعال تحثنا على المزيد، وتسألنا: ما التالي؟ وأظن أننا بصدد خطة للعام الجديد، وهذه الخطة من المفترض أن تحمل معها التنوع، فعدى عن أهمية تكريس الملتقى الشعري والموسيقي بشكل دوري، علينا أن نذهب إلى تأسيس تظاهرة سينمائية للأفلام الوثائقية والقصيرة وربما الروائية، إضافة إلى عروض أو ورشات مسرحية، ولا ننسى الفعاليات الموجهة للطفل، فنحن نفكر بإيلائها اهتمامًا خاصًا. بالنسبة إلي، عملية التلقي في هذا الملتقى كانت مزدوجة، وفضلًا عن أنني كنت موجودًا كمهتم وكقارئ للشعر، فإن الجانب التنظيمي فرض عليّ الاهتمام بردات فعل الجمهور أيضًا. والصدقَ أقول: وصلتني آراء من بعض الحضور تشيد بنصوص قُدِمت، وهي على قدر عال من الصعوبة والاشتغال على اللغة الشعرية غير المنبرية، إن صح التعبير. ولكيلا أكون مجرد منظّم، يمدح ما حصل في فعالية أقامها، أود أن أشير إلى أن تشابه الظروف التي يعيشها الشعراء، وبخاصة ما يخص الوضع السياسي لمنطقتنا العربية، ثم اللجوء إلى أوروبا، قد فرض نفسه، وفرض سمات عامة تطبع المشهد الشعري بشكل عام، وهذا يضع الشعر والشعراء أمام تحديات كبيرة، وأمام مهمة صعبة تتطلب الكثير من الاشتغال على النص، بغية التفرّد والهروب من تحت خيمة السمات العامة”.

الشاعر والكاتب فايز العباس، وهو أحد مؤسسي (البيت العربي) وجماعة (حالة)، كانت لنا معه وقفة، لما نعرف عنه متابعته للحالِ الثقافية في ألمانيا، وكتاباته في هذا الشأن، وقال: “البيت” له دلالته الحميمية التي تحيل إلى العائلة الواحدة والعلاقات الأسرية النابعة، من وحدة الحال والتشاركية في حمل الأعباء، أما “العربي” فهي إحالة إلى النوع الثقافي الذي نود توجيه وتسليط الضوء عليه لتعريف المجتمع الأوروبي –بعامة- والألماني بشكل خاص به، حيث إننا في البيت الثقافي العربي ننطلق من المنتج الثقافي العربي، في محاولة لتكريس مفهوم الاندماج بين المجتمعين/ الحضارتين، انطلاقًا من الحالة الندية، وليس من حالة التابع والمتبوع، فنحن ننحو باتجاه عمل تبادلي، ينقل المنتج العربي إلى الألمان، والمنتج الألماني إلى العرب. النجاح عبارة عن ترتيب مسؤولية إضافية؛ لذا نتجه في الأنشطة القادمة إلى العمل بحرفية أعلى، وبأسلوب مهني مؤسساتي، وذلك من خلال التخطيط لأنشطة نوعية ومتنوعة في كل المجالات الثقافية، بداية من أدب الطفل، وليس نهاية بالفن بكل تصنيفاته”.

عن السوية الفنية للمشاركات وآليةِ الاختيار، سألْنا العباس، فأجابَ: “ليس خفيًا أن النشاط الافتتاحي كان المراد له ومنه أن يقدم السوية العالية، أدبيًا وفنيًا، لذا كانت اختياراتنا للأسماء المشاركة حذرة، وبعين نقدية عالية -إذا صح التعبير- لذلك، كان ما توقعناه من أن المادة الثقافية والفنية التي تمّ تقديمها مادة مميزة، خصوصًا أن المدعوين جميعهم من أصحاب المشاريع الواضحة والملتزمة وذات السوية العالية، وعليه أنا -كوني كاتبًا ومتابعًا- أؤكد الرضا الكامل عما تم تقديمه، وذلك ليس حكمًا منحازًا، بقدر ماهو حكم مهني، ولا أعتقد أن ثمة من يستطيع مجرد الغمز تجاه الأسماء المشاركة.


محمد المطرود


المصدر
جيرون