دواليب سوتشي التي “بنشَرَت”
10 يناير، 2018
تقول آخر الأخبار إن موعد مؤتمر سوتشي، المفترض عقده نهاية هذا الشهر، قد تأجل إلى شهر شباط/ فبراير، وهو تأجيل لرابع مرة، ويطرح أسئلة فعلية عن الإشكالات التي تحول دون عقده.
في جولة وفد هيئة المفاوضات لعددٍ من العواصم العربية وتركيا، ولقائه بوزراء الخارجية، ومايكل راتني معاون وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ورمزي عز الدين نائب المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، وعددٍ من المسؤولين العرب والأجانب، كانت الصورة غير واضحة، وغائمة عن الأهداف الروسية الواضحة من عقد لقاء سوتشي. وهذا الإصرار على الاستمرار في المحاولة، بالرغم من وجود رفض كبير من قبل القوى الوطنية السورية المعارضة التي تُمثّل الثقل المهم في المعارضة، وبما يجعل سوتشي، دون مشاركتها، هزيل التمثيل، ناهيك عن المخرجات وتحقيق الهدف الروسي.
في سؤالٍ لنصر الحريري (منسق هيئة المفاوضات)، عن مواجهة ضغوط، أو تلقي “نصائح”، من تلك الدول بوجوب المشاركة، وعن سلبيات الرفض وتأثيراته على قوى المعارضة، يؤكد الحريري أنهم وجدوا تفهمًا كبيرًا للموقف الرافض للحضور، وأن هذا يتناغم مع موقف الشعب السوري وثورته.
بينما تتحدث الأوساط المقرّبة من الدول الراعية، أو المشاركة (روسيا وتركيا وإيران)، عن وجود خلافات و”فيتوهات” لدى كل جهة، تجاه عدد من النقاط المحورية، فالجانب التركي لا يقبل بأي شكل، ولو بصفة فردية وغير رسمية، حضور أي أحد ينتمي إلى (حزب الاتحاد الديمقراطي) الكردي، أو من المحسوبين عليه والمقربين منه، ويطالب بدراسة أسماء جميع المدعوين، ومنحه حق الاعتراض (الفيتو) على أي مرشح أو جهة تمثيلية.
كذلك لدى الإيرانيين تحفظات كبيرة على جدول الأعمال الذي يجري التداول فيه، حيث يرفضون الإخلال ببنية النظام السوري، إن كان لجهة تخفيض، أو نقل بعض صلاحيات الرئيس لجهةٍ ما، كـ “حكومة وحدة وطنية”، أو ما يُشاع عن تصدير فاروق الشرع لتولي بعض المهام، ويرفضون صياغة دستور جديد، لأنهم يتمسكون بالدستور الذي فرضه النظام عام 2012، ويرون أنه مناسب مع تعديلات طفيفة، وكذلك الأمر في ما يتعلق بدعوة أطراف معارضة، كالائتلاف، يرون أنها متشددة، ولا تتنازل عن شرط إبعاد رأس النظام عن أي مسؤولية، مع بدء المرحلة الانتقالية.
يبدو الروس وكأنهم في متاهة، من جهة الأهداف والمضمون، فقد طمحوا إلى أن يكون سوتشي نقلة مهمة في التسوية السياسية التي يدعون إليها، ويمكن بعدئذ دعوة الأمم المتحدة لعقد جولةٍ ما في جنيف، حيث تكون الأرضية ممهدة لفرش بنود ومفردات المشروع الروسي. وقد قوبل هذا الاتجاه الانفرادي باعتراضات دولية مهمة، أولها من الأمم المتحدة التي تخشى أن يكون سوتشي ممرًا بديلًا لجنيف، ولدور الأمم المتحدة، كذلك أبدت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا تحفظاتها وتخوفاتها من لقاء سوتشي، ومحاولات روسيا التفرّد بالملف السوري.
بنظرة موضوعية؛ يتبيّن أن الرفض القاطع والواسع، من قبل المعارضة الوطنية السورية التي أعلنت رفضها الواضح، ومعها عشرات التشكيلات السياسية والعسكرية والشخصيات الفاعلة، وحملات التعبئة النشيطة ضد سوتشي والدور الروسي، يقع في مقدمة أسباب تأجيل لقاء سوتشي إلى شباط/ فبراير، ولمَ لا إلغاؤه، أو تحويل جدول أعماله، وربما تحويله إلى منصةٍ ما.
بينما تفيد المعلومات أيضًا أن النظام السوري يرفض لقاء سوتشي، ليس لتأكيد نهجه الرافض لأي تسوية سياسية، أو ما يسمى بالتنازلات وحسب، بل لخشيته من أن يكون بوابة لانزلاقه، وفرط عقده، ونهايته، لذلك يحاول تأجيله، أو تفصيله وفق ما يراه ليكون مجرد لقاء تشاوري يكرس بقاءه، ويحافظ على نهجه دون أي تغيير، ولو كان طفيفًا.
الأهداف الروسية:
هناك ثلاثة أهداف لروسيا من مشروع لقاء سوتشي:
الأول: إعلان النصر الروسي “على الإرهاب” ودلالاته، وبدء سحب القوات الروسية.
الثاني: التأكيد على دور روسيا المتفرّد بالملف السوري، والتسوية السياسية.
الثالث: دور سوتشي في الانتخابات الرئاسية القادمة.
ولأن اللقاء تأجّل، اضطر بوتين إلى الحضور في قاعدة حميميم -مستعمرتهم- والتصرف بتلك العنجهية، وما رافقها من إهانة لموقع رئاسة الجمهورية السوري، وإعلان النصر على الإرهاب، ودور القوات الروسية، والتبشير بتعاظم الدور الروسي في الملف السوري، وفي التسوية السياسية.
علمًا أن الوقائع اللاحقة أكدت أن “الحرب على الإرهاب”، على الطريقة الروسية، لم تنته، وأن حملة القصف الروسي، لمناطق المعارضة في الغوطة الشرقية وإدلب وحماة، مستمرة بتصعيد، وهي تستهدف المدنيين -كالعادة- وقوات المعارضة بشكل رئيس، وأن القوات الروسية يمكن أن تتعرّض لضربات مؤلمة، من قبل السوريين الثائرين والرافضين الوجود الاحتلالي الروسي، كالذي حدث في قصف قاعدة حميميم من أيام، وإنزال خسائر فادحة في الضباط والسلاح الروسيين، وأن شروط خوض حرب عصابات من قبل المعارضة متوفرة، ويمكن أن تبدأ بشكل متصاعد.
وكما تناولنا الإشكالات التي تعتمل في عقد لقاء سوتشي، والتي ترتدّ سلبًا على الغطرسة الروسية، والمشروع الروسي، ومحاولات الاستفراد بالملف السوري، فإن تأجيل الموعد من جديد يوجه سهمًا جارحًا، ويمكن أن يكون قاتلًا، لفكرة لقاء سوتشي، وعبره لحجم وفعالية الدور الروسي في سورية.
أما توظيف اللقاء في معركة الانتخابات الرئاسية الروسية، فهذا يتوقف على نجاح المشروع، وتحقيق الهدف الذي وضعته القيادة الروسية له، وفي حال الفشل؛ سيرتدّ سلبًا على الحكومة الروسية والرئيس بوتين شخصيًا.. لذلك نرى نوعًا من التخفيف لأهمية سوتشي في الفترة الأخيرة من قبل الإعلام الروسي، ومحاولة خفض منسوب الاهتمام به، وبالآمال التي عقدت عليه.
سوتشي اليوم، عجلة “بنشرت” دواليبها، ويبدو أنها تحتاج إلى ترقيع وإصلاح كبيرين، في حين أن الدواليب المهترئة لا تتحمل السير في درب وعرة، تضاريسها قاسية، وتزداد قسوتها مع ارتفاع وتيرة الرفض، لدى فعاليات الشعب السوري الذي ألهمه اللقاء بتجميع الصفوف، وتجاوز الخلافات البينية والثانوية، وتنسيق العمل انطلاقًا من بيئة الرفض لسوتشي، وعبره للاحتلال الروسي، ودور الروس في بلادنا.. إلى تشكيل أجسام ثورية متعددة، تبشر بتوافقات سورية عريضة، وبتوجه الجهود نحو مواجهة الأخطار والتحديات، عملًا بالمثل العربي: (ربّ ضارة نافعة).
عقاب يحيى
[sociallocker]
جيرون