تمكين أطفال سورية كي لا نخسرهم



بات واضحًا للجميع أن أعمال العنف المسلح، المفرط والمزمن في سورية -بغض النظر عن مسبباتها والقوى الضالعة فيها- قد تركت بصماتها عميقة على السوريين عمومًا، وعلى الشرائح الاجتماعية الأكثر هشاشة: الأطفال وكبار السن والفقراء والمهمشين وذوي الاحتياجات الخاصة، بصورة خاصة.

يكمن الدافع الرئيس وراء التفكير بالأطفال، والعمل من أجلهم في ظروف الحروب، في الاعتراف بضعفهم الانفعالي والبدني والنفسي، وبالتالي حاجتهم إلى رعاية خاصة، فضلًا عن الاعتقاد الراسخ بأن الأحداث التي تقع في الطفولة ستؤثر في الفرد عندما يكبر، ومن ثم في المجتمع برمته، فاستجابة الأطفال للانتهاكات التي يتعرضون لها تختلف عن استجابة الكبار لتلك الانتهاكات؛ ذلك أن الشخص البالغ الذي يعيش في حالة نزاع مسلح مثلًا، ويتشرد عن منزله، ولا يستطيع أن يحصل على عمل ثابت، ويعاني من سوء التغذية وسوء المعاملة على مدى عدة سنوات، قد يواصل حياته بطريقة طبيعية، بعد انتهاء التشرد وأسبابه.

أما الطفل الذي يعيش في نفس الحالة، فقد يعاني بصورة دائمة من توقف النمو والتطور الذهني، من جراء سوء التغذية وسوء المعاملة. والطفل الذي لا تتاح له إمكانية الالتحاق بالمدرسة، خلال فترة التشرد، قد لا يستطيع أبدًا أن يستعيد ما فاته من فرصة التعليم، وقد يُحرم بذلك من فرص كثيرة في المستقبل. فالأطفال أقل قدرة على حماية أنفسهم، حين تُنتهك حقوقهم، وهم أقل قدرة على الاستفادة من أشكال الحماية التي قد تكون متاحة لهم.

ومن المرجح أن بعض التهديدات التي يتعرض لها الأطفال، قد تؤثر على الإناث منهم بدرجة أكبر مما تؤثر على الذكور. والعكس بالعكس، فالأطفال الذكور يُستخدمون غالبًا كجنود، بينما يُرجّح أن تقع الفتيات ضحايا للاستغلال الجنسي، من جانب المقاتلين، وأن يقعن على الأرجح ضحايا للزواج المبكر القسري.

وهكذا؛ يقع على عاتق الكبار حماية الأطفال من جميع أشكال الاستغلال الاقتصادي أو الاجتماعي، أو التعرض لانتهاك جنسي، وكافة أشكال استغلالهم وحمايتهم من أي عمل يُرجّح أن يكون خطيرًا، أو معوقًا لتعليمهم، أو ضارًا بصحتهم، أو نموهم البدني أو العقلي أو الروحي أو الاجتماعي أو النفسي. وكذلك حمايتهم من التعرض لأي تعذيب أو عنف أو معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة، أو حرمانهم من حريتهم بصورة غير قانونية أو تعسفية.

إنه لأمر خطير أن يكون الأطفال في سورية –وهم الشريحة الأضخم بين السكان[1]– من أوائل ضحايا العنف المسلح، الذي يصيبهم بأذى متعدد المستويات والصنوف، بدءًا من الفقر والتشرد، إلى ممارسة العمل المبكر، وتزويج الفتيات الصغيرات، مرورًا بتعرضهم لخبرات الاعتقال والتعذيب، واستخدامهم في العمليات العسكرية من قبل الجهات المتورطة في القتال، فضلًا عن تعرض أعداد كبيرة منهم لإصابات وجروح تؤدي إلى حدوث إعاقات دائمة ومؤلمة، هذا فضلًا عن تعرضهم للعنف والاعتداء الجنسي، وصولًا إلى القتل بكافة صنوف الأسلحة، المحرمة وغير المحرمة، وفضلًا عن وقوعهم ضحايا لشتى أنواع الحرمان ودرجاته: الفقر، وفقد الأمان والحماية، تشتتهم عن عائلاتهم وانقطاعهم عن أقرانهم، تعرضهم لخبرات الإقامة في المخيمات، واحتمال تعرضهم فيها للابتزاز والاستغلال، والمعاناة من ظروف الطقس القاسية والمياه الملوثة، وما يصيبهم من اضطرابات نفسية ناجمة عن تعرضهم لصدمات، كمشاهدة مقتل أحد أو أكثر من أفراد أسرهم وأقرانهم، فضلًا عن حرمانهم من حقهم في التعليم.

وهذه بعض الأرقام المتاحة:

بلغ عدد الأطفال الذين صنفتهم منظمات الأمم المتحدة على أنهم بحالة عدم اكتفاء 5.8 مليون طفل سوري، وبالتالي هم بحاجة إلى مساعدات غير متوافرة للجميع. وبلغ عدد الأطفال المشردين داخل البلاد ما يقرب من 3 مليون طفل، وعددهم في بلدان اللجوء المحيطة بسورية 2.8 مليون طفل، منهم 425.000 طفلًا دون الخامسة. وما زال نحو 325.000 طفل دون الخامسة يعيشون في مناطق محاصرة أو في مناطق يصعب الوصول إليها[2]، وقُتل منذ اندلاع الثورة في آذار/ مارس 2011 حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 (26500 طفل)[3]، وتعرض للاعتقال التعسفي 106.727 طفل[4]. وبلغت نسبة الأطفال دون الخامسة ناقصي الوزن الشديد والمتوسط 12% عام 2013، وهو آخر مسح للحالة التغذوية لدى الأطفال. وارتفعت نسبة غير الملتحقين في التعليم الأساسي إلى 50.8 بالمئة من إجمالي عدد أطفال الفئة العمرية المقابلة خلال العام الدراسي 2014-2015 وهذا يعني أن خمسة من بين كل عشرة أطفال هم خارج المدرسة.

إن جملة الظروف التي يعيشها أطفال سورية تشكل بيئة غير آمنة، بل خطرة، تصيب أهم حقوقهم المتمثلة في حق البقاء والنماء. من هنا تبرز أهمية الدعوة “لا تهدروا الطفولة في أطفالكم، عبر تمكينهم”. يهدف تمكين الأطفال إلى تلبية حقوقهم، وتوفير احتياجاتهم النمائية، من أجل نمو شخصياتهم وبلوغها أقصى ما يمكنها من التفتح.

تشكل الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل لعام 1989 والإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه وخطة تنفيذه عام 1990، إضافة إلى التقارير والدراسات الأممية حول الحروب وآثارها على المدنيين، فضلًا عما قدمه علم النفس النمائي من نتائج مبهرة، تتصل بالخصائص النمائية للطفل، والحاجات التي تؤمن له نموًا شاملًا ومتوازنًا، جميعها تشكل الأسس اللازمة لبناء برامج تمكين الأطفال.

ولدى بناء برامج التمكين يتم الانطلاق من تشخيص التحديات التي يوجهها الأطفال، وتحيد طبيعتها وشدتها، يجري ذلك من خلال أدوات ملائمة، كالمسوح على المستوى المحلي و/ أو إجراء مقابلات مركزة/ بؤرية، فضلًا عن إجراء الدراسات النظرية، والاطلاع على تجارب شعوب أخرى، ومن تلك التحديات يتم استخلاص الحاجات الواقعية للأطفال، وبناء برنامج التمكين على أساسها. ولأي برنامج أهداف عامة، وأخرى فرعية تُعنى بالمعارف، وبالمهارات، وبالقيم.

يراعى لدى بناء هذه البرامج تدرُّجها، من حيث تعقيدها ودرجة التجريد فيها، وفق مستويات نضج المستهدفين/ الأطفال، وفئاتهم العمرية، وكذلك الانتباه إلى مسألة تكاملها، وشمولها، وتضم ثلاثة أنواع:

برامج تعليمية، بهدف تعليم الأطفال مجالات التربية المختلفة: اللغات، العلوم العامة، والرياضيات، العلوم الاجتماعية، وفيها تعليم حقوق الطفل، والتعليم المهني، والصحي، والبيئي… الخ.

وبرامج تنمية المهارات، ومنها مهارات الحياة: الغذائية والصحية والوقائية والبيئة واليدوية، والمهارات الاجتماعية: الإفصاح عن الذات، الاستماع والاستجابة للمساعدة، التغلب على الخجل، وعمل علاقات طيبة مع الآخرين، اختيار الأصدقاء وبدء الصداقة، التحكم في الغضب، ومهارات التواصل وتوكيد الذات والتعاون وعمل ضمن الفريق، وصنع القرار، والحوار.

برامج إرشادية – علاجية، وهي على مستويين: الإرشاد والعلاج، يضطلع بها المختصون من “مرشدين ومعالجين نفسيين”.

الخلاصة: يمثل أطفال سورية التحدي الأبرز أمام قوى الثورة؛ فما زال ملفهم مجهولًا إلى حد بعيد، تعبث فيه أيادٍ كثيرة. لذا على القوى المعنية بأطفال سورية: حكومة مؤقتة، ومنظمات مجتمع مدني، ومراكز بحثية، وكذا جميع المتخصصين في مختلف العلوم التعاون من على إطلاق مشروع تمكين الطفل السوري، والقيام بما يلزم من فعاليات وأنشطة: نشر محاضرات وورشات عمل، ومسوح ميدانية، ودراسات، وعمل تنظيمي لإيجاد قاعدة بيانات توفر المعلومات الكافية عن الأطفال: توزعهم الجغرافي، ظروف إيواءهم، وإقاماتهم وجملة خصائصهم: التعليمية والصحية، والاقتصادية، والفئات الخاصة بينهم (ذوي الاحتياجات الخاصة).. الخ.

[1]  – كل من لم يتجاوز عمره الـ 18 عام يعد طفلًا

[2]  – اليونيسف، تدهور يصل الحضيض 2017

[3]   – راجع الشبكة السورية لحقوق الإنسان 2017

[4]  – الشبكة السورية لحقوق الإنسان 2017


ريمون المعلولي


المصدر
جيرون