صحيفة فزغلياد: يشتبهون بـ “رقص السعوديين على أنغام القيثارة الروسية”



الصورة: خليل الشاوي/ وكالة أنباء (رويترز)

توقف المملكة العربية السعودية تزويد المعارضة السورية بالأسلحة، وتنصح “المناضلين ضدّ الأسد” بالمشاركة في مؤتمر سوتشي المزمع عقده نهاية كانون الثاني/ يناير الجاري. (فورين بوليس) الأميركية، تلقي اللومَ في ما يجري على البيت الأبيض، الذي خسر أمام موسكو المعركة الدبلوماسية حول سورية. فهل من الممكن أن يحصل هذا التغيّر الكبير في سياسة الرياض، وما الذي يعنيه بالنسبة للنزاع السوري؟

ليس في الأمم المتحدة وحدها بدأ الميل إلى الخطة الروسيّة للتسوية في سورية، بل في أوساط قيادة المملكة العربية السعودية أيضًا، وهي الدولة التي تعدّ واحدةً من رعاة المجموعات المعارضة من مختلف درجات الأصولية. حول هذا التغيير في موقف السعوديين، كتبت إحدى أهمّ المجلات الأميركية نفوذًا: (فورين بوليسي) مقالةً بعنوانٍ معبّر (الرقص على أنغام القيثارة الروسية في سورية).

تستند (فورين بوليسي) في روايتها إلى اللقاء الأخير، الذي جرى نهاية عام 2017، بين وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وقادة المعارضة السورية التي تقاتل ضدّ بشار الأسد. وقد أعلم الوزير قادة المعارضة أنّ الرياض ستتوقف عن تقديم الدعم العسكري للمعارضين. وأكثر من ذلك، فقد نصح الجبير الثوار “بتركيز جهودهم على عقد الاتفاقات السياسية مع دمشق، من خلال مؤتمر الحوار السوري”، الذي سيعقد في كانون الثاني/ يناير، في مدينة سوتشي.

نذكّر أنّ المعلومات حول مضمون ذاك الاجتماع طفت على السطح الآن، وأنّها جاءت من مصادر في المعارضة السوريّة.

بحسب تقديرات (فورين بوليسي)، فإنّ الانعطاف في سلوك السعوديين يدلّ على أنّ موسكو حصلت على تفوقٍ دبلوماسي. يعود ذلك، وليس بالدرجة الأخيرة، إلى سلبية الولايات المتحدة الأميركيّة في ما يخصّ المسألة السورية. ولم تتوان المجلّة في الغمز من إدارة ترامب التي انشغلت بالحرب على “تنظيم الدولة الإسلامية” وبالوجود الإيراني في سورية، ليهمل البيت الأبيض، في الوقت نفسه، مسألة تحديد مستقبل دمشق السياسي. ونضيف، أنّ الممثل الأعلى للمعارضة السورية، كان قد أعلن أنّه على الرغم من أنّ واشنطن تستمر بالحديث عن ضرورة تنحي بشار الأسد، فإنّ الولايات المتحدة الأميركية وبقية الدول الغربية “استسلموا للرؤية الروسية”، لتسوية النزاع في سورية.

تقريبًا، توصّلت (فورين بوليسي) إلى النتيجة نفسها. فقد بدأت الخطة الروسية للتسوية السلمية في سورية تنافس العملية الرسمية في جنيف، التي تماطل منذ خمس سنواتٍ، تحت مظلّة الأمم المتحدة، بدعمٍ من الغرب.

تستنتج المجلة الأميركية أنّ الأمم المتحدة تقلّب التفكير، في الوقت الحاضر، في مسألة مشاركتها في خطّة التسوية الروسية. وتشير (فورين بوليسي): بدون ضجيج، يريد المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا أن يحجز لنفسه مقعدًا على طاولة مفاوضات سوتشي، ويدفع المملكة العربية السعودية والمعارضة السورية إلى المشاركة في هذه الاستشارات.

لا يجب انتظار ردّة فعل سلبيّة من واشنطن

في تعليقٍ لصحيفة (فزغلياد)، يؤكّد عضو مجلس جمعية الخبراء السياسيين والاستشاريين، ورئيس قسم النظرية السياسية لدى جامعة موسكو: كيريل كوكتيش، أنّه “يجب اعتبار هذه الخطوة مفصليّةً لتطور الوضع في سورية”. وأكّد الخبير: “في هذه الحالة، فإنّ المعارضة السورية (والإرهابيون، الذين يتواجدون هناك بأعدادٍ كبيرة تحت مسميّات المعارضة) تفقد أحد أهمّ دعائمها القوية. ومن دون المملكة العربية السعوديّة يصبح من غير الممكن الحديث عن الشرعية الأيديولوجية للأصولية الإسلاميّة على الأراضي السورية”.

“إنّه اختراق جديّ على المسار السعودي-الروسي، وهو دليلٌ على تقارب مصالح البلدين، عندما تبدأ العربية السعودية بالانطلاق لجعل مصالحها الخاصّة تتناغم مع المصالح الروسية. المؤتمر في سوتشي هو عبارة عن مشروع، تتولى روسيا تنظيمه. وهو مفاوضاتٌ يجلس الجميع بصعوبةٍ إلى طاولتها. لقد تطلّب تنظيمها جهودًا خارقة من الدبلوماسية الروسية”، يؤكّد كوكتيش.

أشار الخبير إلى أنّ “المملكة العربية السعودية تعكس التغيّر في ميزان القوى في المنطقة. لقد تحوّل هذا الميزان بشكلٍ دراماتيكيٍّ، خلال السنتين الأخيرتين، حيث زادت روسيا من ثقل تواجدها، بينما خفّضت الولايات المتحدة الأميركية من ثقلها هناك في مكانٍ ما. ولهذا نرى المملكة العربية السعودية تتفاعل جيّدًا مع التغيّرات الجارية”. وعبر كوكتيش عن قناعته: “بالطبع، هذا التطور لا يلقى أيّ ترحيبٍ في واشنطن”. وفي الوقت نفسه، لا يجب أن نتوقّع أيّ ردّة فعلٍ سلبية حادّة: “هنا يمكن أن تتعارض مختلف المصالح، ولكن لا يستطيع أيٌّ من اللاعبين أن يقول إنّ السلم أمرٌ سيئ، وإنّ الإرهاب أمرٌ جيّد”. وعند هذه النقطة، تختلف الآراء حول درجة انغماس السعوديين في النزاع السوري في هذه المرحلة بالذات.

الرياض تغير موضوع الدعم

الخبير أنطون مارداسوف، رئيس قسم دراسة نزاعات الشرق الأوسط لدى معهد التطوير الخلّاق، يقول لصحيفة (فزغلياد): “يحيط بالدعم السعودي الكثير من الخرافات. فالمملكة العربية السعودية قد ابتعدت عن النزاع السوري منذ زمنٍ بعيد، بسبب موجة المشاكل في اليمن”. وبرأيه، فإنّ السعوديين لا يقدمون الدعم، منذ أكثر من عامٍ ونصف، للفصائل التي كانوا يرعونها سابقًا، وكان تمويل المعارضة يتمّ من قبل قطر، يفترض مارداسوف. وينوه الخبير إلى أنّ “المملكة العربية السعودية تعرب عن تضامنها مع وجهة النظر الروسية، لأنّ المنطقة تعبت من الأزمة السورية”.

أوضح مارداسوف أن السعودية تستمر بدعم بعض الفصائل. وهكذا، فإنّ السعوديين “لم يتخلوا عن دعم السكان السنّة في سورية”، ويعوّلون الآن على دعم “القوى الديمقراطية السورية”، التي تتكوّن إلى جانب الأكراد من العرب السنّة. والسعوديون مستعدون لدعم المناطق الواقعة تحت سيطرة “القوى الديمقراطية السورية”، بما في ذلك ماديًا، وتزويدها بالمعدات وما إلى ذلك.

أشار مارداسوف إلى أنّ السعودية تستمرّ، بشكلٍ أو بآخر، بتقديم الدعم للقوى المعارضة لدمشق أيضًا. وفي كلّ الأحوال، فإنّ النقاش بشأن دعم السعوديين للقبائل العربية-السنيّة شرق سورية “يصبّ في مصلحة روسيا، بحيث يؤدي العمل ين القبائل المحليّة إلى استقرار الوضع هناك. غير أنّ الأمر بحاجةٍ إلى تنازلاتٍ من دمشق، وهنا الكثير من المشكلات معها”، أضاف الخبير.

ذكّر مارداسوف بأنّ روسيا قامت أيضًا بتقديم الكثير من التنازلات للسعوديين، بشأن اليمن، وبشأن مناطق خفض التصعيد في سورية التي تناسب رؤية العالم العربي–السنّيّ، رغم أنّها ليست مستقرّة بشكلٍ كافٍ. كما قدّمت روسيا تنازلاتٍ للسعودية في مجال صفقة النفط. ويشير الخبير: “هناك تعاون مطلق في هذا المجال. وفي كلّ الأحوال، تدرك السعودية أنّ لروسيا نفوذًا قويًا في سورية، الآن”.

من المشكوك فيه أن تبرز خلافاتٌ بين الولايات المتحدة الأميركية والعربية السعودية، على هذه الخلفية. فالإدارة الأميركية الحالية تتخذ الموقف نفسه. فقد ابتعدت كلتا الدولتين عن تقديم الدعم المباشر للمعارضة عبر “غرف قيادة العمليات” التي كانت تعمل في تركيا والأردن وتوزّع المساعدات. ويقول الخبير: “بالمناسبة، تمّ إيقاف الدعم الواسع منذ إدارة أوباما”. وخلُص الخبير إلى أنّه منذ ذلك الوقت، أصبحت الولايات المتحدة الأميركية تتعامل مع فصائل المعارضة المعتدلة. فهي الآن تدعم “قوات سورية الديمقراطية”، التي تعتبرها واشنطن منصّة لتأثيرها، في حين تعدّ القبائل العربية خصمًا محتملًا لبقايا “تنظيم الدولة الإسلاميّة” الموجودة في سورية.

الرياض لا ترقص على أنغام موسكو

من وجهة نظر رئيس معهد الشرق الأوسط يفغيني ساتانوفسكي، لم تغيّر السعودية من أسلوب تصرفها في سورية، ولا من علاقاتها بالمجموعات التابعة لها. فـ “المعارضة السورية، التي التقت وزير الخارجية عادل الجبير، لا تمثّل الثوار. وهي قيادةٌ لا تهتم بها الرياض، بسبب غياب الدعم العسكري لها وعدم وجود قادة. فهم غير مفيدين لها”.

يعرب ساتانوفسكي عن ثقته بأنّه، بعد تصريح وزير الخارجية السعودية، لن يتغيّر شيءٌ في سورية. وستستمر الرياض بدعم الإرهابيين. “الأمر واضحٌ مع كلّ ما يحدث مع قاعدة حميميم. فالرياض دعمت الإرهابيين، وتدعمهم، وستظل تدعمهم، حتى يتمّ القضاء عليهم جميعهم، أو طالما بقي وليّ العهد والحاكم الفعلي بأمر الواقع، الأمير محمد بن سلمان على قيد الحياة. ربّما إذا تمّ التخلّص منه، كما يجري دائمًا هناك، فإنّ من سيأتي بعده ليحكم السعودية قد يضع حدًّا للحرب في اليمن وفي سورية. ولكن في الوقت الحالي، سيستمر كلّ شيءٍ على حاله، بما في ذلك النشاطات المعادية لروسيا”.

يخلص ساتانوفسكي إلى أنّ “الرياض لا ترقص على أنغام موسكو، ولا على أنغام غيرها، باستثناء الأنغام الأميركية. وفي هذه الحالة، لا يُعدّ المحللون ووسائل الإعلام الأميركية مصدرًا للمعلومات التي يجب أخذها بجديّة”.

اسم المقالة الأصلية Саудитов заподозрили в «танцах под русскую дудку» كاتب المقالة نيكيتا كوفالينكو مكان وتاريخ النشر صحيفة فزغلياد. 9 كانون ثان 2018 رابط المقالة https://vz.ru/politics/2018/1/9/902700.html المترجم سمير رمان


سمير رمان


المصدر
جيرون