سوتشي.. أهزوجة المفاوضات



أصبح التشويش يسكن العقول، من عدم وضوح مسألة المشاركة في مفاوضات، تديرها موسكو عن مستقبل سورية، نهاية الشهر الجاري. تأتي إثارة هذه النقطة مترافقة مع كم هائل من الضحايا السوريين الذين يتساقطون -يوميًا- بقذائف بوتين والأسد.

كما العادة، تنام عين المجتمع الدولي عن مجازر النظام التي تنسف مسرحيات “خفض التصعيد” التي تضمنها دولٌ تقوم بارتكاب مجازر يومية في سورية، في حين تميل بعض المعارضة إلى تكبير أهزوجة المفاوضات، وتصديق الذات، بقدرتها على إيجاد حلٍّ سحري، يغير من طبيعة النظام القاتل أو من طبيعة حلفائه.

تكثر المجازر وتشتد هجمات النظام السوري، من غوطة دمشق إلى ريفي إدلب وحماة، وتتسع معها مشاهد الضحايا السوريين، يقف السوري عندها أمام أسئلة عن جدوى اجترار مفاوضات مع مجرمين وقتلة، مكانهم الطبيعي في محاكم دولية، لا في قاعات تعطي السفاحين نشوة وشهوة ارتكاب مزيد من الجرائم. أسئلة تطرحها مرارة الجرائم وضخامتها مع عمق الصدمة الناجمة عن الانهيارات الكبرى المرتبطة مع القضية السورية التي تشهدها المنطقة على المستوى السياسي والعسكري، والانكفاء الأخلاقي تجاه السوريين ومعاناتهم.

في سياق تشخيصنا الدائم لجرائمِ النظام السوري، تطورها ونوعيتها الزاحفة بكل قوة للانقضاض على ما تبقى من مناطق خارجة عن سيطرته؛ يُطرح التساؤل الذي أصبح أكثر إلحاحًا: هل حقًا قضية الشعب السوري تحجمت إلى حد استيعاب وقبول نظام مجرم، بحدود الوظيفة المقروءة الحدود والدلالات والأهداف، أم أن قضية تحرر الشعب السوري من الطاغية والمستبد أكبر من أن تنتهي عند هذه الحدود والدلالات والأهداف التي رسمها المشروع الروسي، لما يُسمى حلّ سوتشي، أو أي حل تنتجه وحشية النظام السوري وحليفه الروسي، والتي بدأت مع عملية عسكرية كبرى، عكست حجم المكتسبات المراد تحقيقها روسيًا، على صعيد المباشرة بردع المعارضة والضغط لإشراك السوريين في سوتشي، تحت النار، بشروط مُذلة.

ما جرى حتى اليوم، من هجمات وحشية على الأرض، بتواطؤ إقليمي ودولي، لا يصادر عناصر الصراع المصيري مع النظام السوري وحلفائه، ولا القوانين التي أفرزت عناصر التناقض الأبدي معه؛ لكونه حالة فعل وحشي مستمر، قائم على العدوان والإخضاع التام للمجتمع، وهذه الأخيرة تشكل حجر الزاوية لوظيفة النظام، كأحد مكونات استراتيجيته التي ارتبطت بوجوده قبل خمسة عقود، وإذا كانت أدبيات المعارضة السورية في هذا المجال أغدقت كثيرًا من تحليلها عن طبيعة ووظيفة نظام الأسد؛ فيكفي هذا العنصر أن يشكل عامل كبح لأوهام “أستانا” التي دمّرها الروس والإيرانيون والنظام، ويُسقط كل الأكاذيب والأهازيج التي يروج لها الكرملين عن سوتشي، قبل أن يبدأ. انطلاقًا من خيار بعض المعارضة البائسة، للانضباط لشروط أستانا وسوتشي، والوفاء بكل التزامات التي تقوم بجوهرها على الاستجابة لمتطلبات موسكو وطهران وأنقرة، عبر تقديم أوراق اعتماد في مجالات مختلفة، لا علاقة لها بموضوع تضحيات الشعب السوري وتطلعاته.

حاصل التعقيدات والتشابكات في هجمة موسكو والنظام، لا يمكن النظر إليها كعامل عسكري مصاب أساسًا بخلل كبير، لصالح القوى التي تدعم فاشية الأسد بشكل بحت، فهي تجلٍّ لشكل الصراع القائم في هذا الظرف العربي والدولي المخزي، وما تفاعلات الضغط على مختلف المستويات التي يعاني منها السوري بواقع المجازر اليومية والتمدير والقصف والتهجير إلا عامل اشتعال للتناقضات الأبدية مع فاشية الأسد وحلفائه، ومن النوع الذي لم نشهده في المنطقة من قبل، فإن قادم الأيام والسنوات تنبئ بجديد على هذا الصعيد، أقلها لن تجعل أحلام القيصر في حميميم وطرطوس كما يشتهي، مع أن كوابيس قصر المهاجرين لن تنتهي غدًا.


نزار السهلي


المصدر
جيرون