في مئوية ناصر.. بيان للعروبيين يواجه مؤيدي الأسد والسيسي



استفز تشكيل لجنةٍ للاحتفاء بالذكرى المئوية لميلاد جمال عبد الناصر، منذ عدة أشهر، لتنظيم فعاليات في القاهرة أواسط كانون الثاني/ يناير الجاري، كثيرًا من المثقفين والكتاب العرب الناصريين، ولا سيما أنّ اللجنة ضمت شخصيات تدّعي الناصرية، لكنها في الوقت نفسه تقف إلى جانب الإجرام والقتل اليومي الذي يطال الشعب السوري على يد (أهل الممانعة).

ردًا على ذلك؛ تمّ تشكيل لجنة تنسيق للمواجهة، وإصدار بيان يفضح من يدعي العروبة، وينحاز إلى المجرم ويتجاوز عن جرائمه، ويتمسح بسلطته ومساره الإجرامي. ويدين البيان الذي صدر اليوم السبت، وقد حصلت (جيرون) على نسخة منه، “أنظمة الاستبداد والفساد بكل أشكالها، والقوى والمنظمات والأحزاب المتاجرة بقضايا الأمة والإسلام وفلسطين وشعارات المقاومة والتحرير، التي تتكامل أدوارها مع القوى الظلامية والطائفية والسلفية”.

يضيف موقّعو البيان: “هل هناك أفظع من وقوف الكثير من القوى العربية، بمن فيها المتاجرون باسم عبد الناصر، في خندق الجلاد ضد الضحية؟ وهل هناك أفظع من اتهام هذه الثورات زورًا بالعمالة لأميركا!”، داعين “كلَّ قوى الأمة بكل أطيافها، كلٌّ من موقعه، إلى التبرؤ من أعداء الداخل -حكامًا ونخبًا- تحت أي اسم كانوا، وخصوصًا المتاجرون بعبد الناصر”.

يقول منسق لجنة البيان والباحث اللبناني فضيل حمود: إن شخصيات وقوى وتنظيمات ناصرية عربية “تهافتت في ساحات عديدة -على رأسها مصر- لإطلاق لجان مئوية، تنظم فعاليات ونشاطات في كافة المجالات، تبدأ من 15 كانون الثاني/ يناير 2018، وتنتهي في أيلول/ سبتمبر 2018، وأكثرية هؤلاء يتاجرون باسم جمال عبد الناصر والناصرية، وأصبحوا في خندق أنظمة الاستبداد والفساد العربي، وعلى رأسها مجرم العصر سفاح دمشق”.

أضاف حمود، في حديث لـ (جيرون)، أن “هؤلاء العروبيين أصبحوا مجرد دكاكين، لا يملكون أي حيثيات شعبية، صرفوا رصيد جمال عبد الناصر تدريجيًا منذ عقود لمصالحهم الشخصية، لكن ثورات الربيع العربي، وفي مقدمها الثورة السورية، عرَّت وفضحت فشلهم وخواءهم وارتهانهم لمشاريع تعادي أوطاننا ونهضة شعوبنا، وتحتل أراضينا، كإيران وروسيا”، وعقّب أن “هؤلاء لا يخجلون من ارتمائهم في مشروع طائفي مذهبي فارسي، ولا من وقوفهم ضد تحرر الإنسان العربي واستعادة كرامته المغتصبة ونهضته، وأعني ثورات الربيع العربي”.

شدد أيضًا على ضرورة الاستمرار في فضح العروبيين المندرجين في خط نظم الطغيان، قائلًا: “نحن كنّا -وما زلنا- منذ عام 2011 مستمرين في فضح وتعرية ومحاربة هؤلاء، بكل الوسائل السلمية، وبكل ما أوتينا من قوة وقدرات. هذا البيان ما هو إلا محطة نحو تصعيد وتنظيم عملنا في الوقت نفسه، في هذه المعركة المفتوحة مع أعداء الداخل، الذين ليسوا أقل أهمية من أعداء الخارج، لتحرر وكرامة وتقدم ونهوض الإنسان العربي. نحن نصنفهم أعداء، ولا يمكن وصفهم بشكل آخر، أمام نزيف الشعب السوري، أو اليمني، أو العراقي أو الفلسطيني، أو الليبي”.

في هذا الموضوع، يرى الكاتب السوري محمد خليفة -وهو أحد أعضاء لجنة التنسيق للبيان- أن “إصدار البيان جاء لاستنكار احتفال بعض الفاسدين المحسوبين على الناصرية، بالذكرى المئوية لميلاد القائد العربي جمال عبد الناصر”.

وتابع، خلال حديثٍ لـ (جيرون): إن “دوافع إصدار هذا البيان أوسع من مجرد الرد على حفنة سياسيين فاسدين، يستغلون اسم وذكرى ناصر، ويدعون السير على منهجه وطريقه زورًا وبهتانًا، بينما يثبت سلوكهم وتثبت تجاربهم زيف مواقفهم وتملقهم لاسمه وذكراه، الذي يستهدف إخفاء فسادهم وانحرافهم عن منهجه ومبادئه وسلوكه”، وقال: “إن احتفاءنا بمئوية ناصر ترجمة لموقف أخلاقي أولًا، يجسد الوفاء لأهم شخصية سياسية في تاريخ العرب المعاصر، وتنطوي على رؤية قومية استراتيجية، ترى أن أمتنا العربية بحاجة ماسة -وسط التحديات الخطيرة التي تواجهها حاليًا- إلى العودة إلى مشروع ناصر الفكري والسياسي القومي التحرري والوحدوي، في مواجهة هذه الحملات المعادية من الإمبرياليات الأميركية والروسية، ومشاريع القوى الإقليمية، وبخاصة الإسرائيلية والإيرانية”.

أكد خليفة أن “لا بد من الاعتراف بأن بعض المجموعات والشلل القومية قد انحرفت عن الخط الذي أسسه ناصر، وتبنت في السنوات الأخيرة مواقف وسياسات، تتناقض تناقضًا عميقًا مع مبادئ عبد الناصر، وقدموا ولاءاتهم لأنظمة استبدادية وفاسدة وخائنة، كنظام الأسد وقبله نظام القذافي، ووصل الضلال ببعضها إلى حد الارتباط بإيران وروسيا، والسكوت عن جرائمهما في سورية والعراق ولبنان واليمن”.

قال الكاتب السوري عزت الشيخ سعيد، وهو من الذين ساهموا في البيان، لـ (جيرون): إن الأمر “لم يعد مجرد احتفال بالذكرى المئوية لولادة جمال عبد الناصر بل يتعداه إلى الإمساك بمشروع عبد الناصر من حيث انتهى برحيله، والربط مع الخيوط التي تقطعت فيما بعد”.

تابع أن الهدف “هو التأكيد على أن الاحتفال إنما يكون -كما أسلفت- بالعمل على الإمساك بالمشروع، وهذا يتطلب نقدًا للتجربة نستخلص منها الدروس والعبر لتدارك الأخطاء واستكمال النقص، ونتمنى على كل من يسعى لنهضة الأمة واستعادة دورها الحضاري الذي يليق بتاريخها، والذي تنتظره شعوبها أن يقوم بذلك، فقد بلغ سيلُ الفساد والقهر والتخلف والضعف والهوان الزبى، والأمل ما يزال قائمًا بالشعوب، وبقدرتها على استكمال الطريق والمسار الذي وعدت بإكماله، يوم غاب ناصر”.

من جهة ثانية، قال عبد الرحيم خليفة، الكاتب والصحافي السوري وأحد الموقعين على البيان: “في مراحل الردة والنكوص؛ ظهرت فئات ناصرية فاسدة، تتموضع بين القوى الناصرية، ولكنها في مواقفها وسلوكها أقرب إلى القوى التي ناضل عبد الناصر ضدها، بسبب عمالتها للاستعمار، أو بسبب فسادها ورجعيتها”.

وأضاف لـ (جيرون): “في هذا السياق الانحطاطي؛ برزت شخصيات ومجموعات تدعي سيرها على مبادئ ناصر، بينما هي في الواقع تؤيد أكثر الأنظمة العربية استبدادًا وفسادًا وطائفية، وبعدًا عن طريقه ومنهجه، تؤيد نظام الأسد وتؤيد نظام السيسي، كما أيدت في الماضي نظام القذافي، وقدمت له الولاء مقابل المال الحرام، ووصل الأمر بها أخيرًا إلى تأييد العدو الايراني في غزوه التوسعي في الوطن العربي، والوقوف مع محور ما يسمى الممانعة والمقاومة الكاذبة”.

دعا عبد الرحيم كلَّ “الناصريين الأوفياء والشرفاء والمخلصين لنهج عبد الناصر، إلى التصدي لهؤلاء، وتوضيح المواقف الأصيلة للناصريين مما يجري في الوطن العربي، ولا سيّما سورية والعراق ولبنان واليمن، من صراع مع العدوان الإيراني التوسعي، ومع الزمر الطائفية التي جندها ووظفها لتخدم أهدافه داخل بلداننا ومجتمعاتنا، وتمزق الأمة العربية إلى طوائف ومذاهب وجماعات عرقية وإثنية، بحيث يتسنى لإيران تحقيق أغراضها العنصرية الاستعمارية التي تتلاقى مع أغراض وأهداف الحركة الصهيونية الاستراتيجية”.


أحمد مظهر سعدو


المصدر
جيرون