العلاقات الأميركية – التركية في سورية إلى أين؟



فرضت المسألة السورية ضغوطًا كبيرة على العلاقات الأميركية–التركية، وذلك للتباين الشديد بين أولوياتهما في سورية. هذا التباين في الرؤى قاد إلى تباين أكثر خطورة في اختيار الحلفاء لتحقيق الأهداف؛ ما وضعهما في موقعين متعارضين، لا يتمكن أحدهما من تبنّي خيار الآخر دون الإضرار بخياراته.

إدارة أوباما ظلت تعدُّ سورية، قبل ظهور (داعش)، قضية هامشية نظرًا لعدم وجود مصالح كبرى لها فيها. في المقابل، تعدُّ تركيا الصراع في سورية أولوية، فهو الأكثر تأثيرًا في أمنها القومي، وتحديدًا في بعده الكردي الانفصالي، خصوصًا بعد أن أعلنت (قوات سورية الديمقراطية/ قسد)، في منتصف آذار/ مارس 2016، نظامًا فدراليًا في شمال سورية على الحدود مع تركيا. ومن أجل ذلك، طالبت تركيا -من دون نجاح- بإنشاء منطقة آمنة على حدودها مع سورية، يحظر فيها الطيران، بالنسبة إلى حلف (ناتو)، وتقام فيها مخيمات للاجئين السوريين، في سياق استراتيجية أوسع لإسقاط نظام آل الأسد، غير أنّ هذا المطلب التركي لم تتم الاستجابة الأميركية له.

تنطلق الإدارة الأميركية في علاقاتها مع الكرد وتركيا من سياسة إدارة التوازنات مع الحليفين، وهي سياسة تتضمن ما يشبه ضمانات لتركيا، بخصوص احتواء الصعود الكردي، وفي الوقت نفسه، الاستفادة من دور “قوات سورية الديمقراطية” الكردية، سواء في محاربة (داعش) أو في الصراع على المسألة السورية، من دون أن يعني ما سبق التخلّي عن الحليف التركي، لأسباب استراتيجية تتعلق بأهمية تركيا للسياسة الأميركية، ولا سيّما في ظل نزاعها مع روسيا على الشرق الأوسط والقوقاز وأوكرانيا، وغيرها من الدوائر الاستراتيجية المهمة.

وإذا كان ترامب حديث العهد في السياسة والعلاقات الدولية؛ فإن نظيره التركي لا تنقصه الخبرة ولا الدراية، وهو يدرك جيدًا أنّ بعض العواصف يقتضي الانحناء قليلًا، بالرغم من خطابه الشعبوي الذي قد يحدُّ من المرونة الضرورية. وبحسبة سريعة للمصالح التركية، وعلى رأسها إبعاد شبح دويلة كردية من على حدودها؛ ليس ثمة ما يمنع أن يطلب من واشنطن أن تكون هي الضامن الدولي لحصة تركيا من أستانا. فيستكمل الشريط الحدودي “العربي-السني” في الشمال السوري، عبر ملء المناطق الآمنة باللاجئين والنازحين (منطقة درع الفرات)، وتدفع مناطق السيطرة الكردية إلى الداخل مع إبقائها تحت مظلة أميركية. فمع أن تركيا حققت مكاسب مهمة في سورية عبر البوابة الروسية، فإن استكمال هذه المكاسب سيكون من البوابة الأميركية، مع الحضور العسكري الأميركي على طول الحدود التركية مع محافظتي الحسكة والرقة، وأجزاء من ريف حلب الشمالي.

ويبدو أنّ صانعي القرار الأميركي أصبحوا يميلون إلى أنقرة، لترسيخ تواجدهم المستقبلي في سورية، بعدما لاحظوا أن أكراد (قسد) باتوا يشكلون عبئًا استراتيجيًا مكلفًا على كاهلهم. وهو الأمر الذي كشفه بوضوح السفير الأميركي السابق لدى أنقرة: جيمس جيفري، عندما أكد، لوكالة (فرانس برس)، أنه “لا يمكن للولايات المتحدة لعب دور على المدى الطويل في سورية، من دون القواعد التركية والمجال الجوي التركي، وإلى حد ما، من دون الدعم الديبلوماسي التركي”. وبالتزامن مع ذلك، بدأت واشنطن تنظر، بكثير من الترقب والقلق، إلى التقارب المتصاعد بين أنقرة وكل من موسكو وطهران، الأمر الذي قد يؤدي إلى خسارة تركيا لمصلحة إقامة تحالف ثلاثي: روسي-إيراني-تركي، في مواجهة السياسة الأميركية بالمنطقة.

وبالرغم من الخلافات الاستراتيجية، بين الولايات المتحدة وتركيا، فإنّ الحكومتين تحتاجان إلى إيجاد أرضية مشتركة. وبما أن الخلافات بينهما حول سورية تبقى أساسية، فإنّ من الصعب رؤية كيف يمكن للطرفين أن يتوصلا إلى أي تسوية لخلافاتهما؟


عبد الله تركماني


المصدر
جيرون