مؤتمر الكتّاب العرب لغة تحرس طاغية



لم تكن الأطر الثقافية أو السياسية إلا ديكورات، تخدم السلطات الحاكمة في العالم العربي، وقد شَّكل الاتحاد العام للكتّاب العرب، في ذروة الثورات العربية، عنوانَ سقوط نخبٍ من “حمَلة الأقلام وحراس الكلمات”، ولأن اتحاد كتاب أدباء ومثقفي فلسطين يحمل عضوية الانتماء لاتحاد الكتاب العرب، ويحمل في رمزيته معاني الدفاع عن “الثقافة الوطنية” التي بدورها تحمل افتراضًا لا يتعلق بديكور، بل ينتمي إلى حركةِ تحرر وطني، أفرزت لمفردات الاتحاد وقاماته ما يدل على صيغ العلاقة بين الإنسان ووطنه، وبينه وبين الحاكم أو المحتل، غير أن ما اتضح، في حقبة ثورات الربيع العربي في سبعة أعوام، قد انتهى إلى شريحة المنتمين إلى “اتحاد الكتاب العرب” المتحكمين في الصيغ المفلسة، لتمرير منتوج السلطات الحاكمة أولًا، ومن ثم مسح جرائم النظام السوري التي تطورت، بفضل عمل الاتحاد، وانتقاله إلى لوبي يخدم وظيفة الطاغية والمستبد.

أحد أبرز استخلاصات عمل اتحاد الكتاب والصحفيين العرب والفلسطينيين، يكمن في حقيقة زياراتهم الدورية لسفاح دمشق، وقد أسهمت في استصدار شهادة وفاة لمفاهيم وأشكال العمل الثقافي والنقابي والسياسي، فهذا الشكل من الاتحادات لم يعد يمتلك مقومات الحياة، خارج موائد الطغاة التي تشكل شريان وجود وإكسير حياة، وظيفته تأمين حياة قتلة وسفاحين تحت شعارات سخيفة، الاقتراب من ذكرها وربطها مع القتلة ينم عن انحطاط.

فلا يكفي الاستناد إلى أحقية وعدالة قضيتك كي تظفر بالنصر والتعاطف، فالحق والعدل عماد ونقطة بدء ومستلزمات قضايا أخرى، سقطت من مستلزمات مفهوم اتحاد الكتاب، ومَنْ قَبِل أو ارتضى أن يُحاضِر أو يُحاضَر به في جلسة سفاح شعبه، لا يُمكنه الظفر بعد اليوم بأي معنى من المعاني التي سقطت عنه. النقابات أو الأطر -ثقافية كانت أم سياسية- تأثيرها صفري في شارع خسرها وخرسها وأظهر نخبها على حقيقتها المناطحة لكل تطلع حقيقي للشارع العربي في الحرية والكرامة، والأصل في استناد اتحاد الكتاب العرب ونخبه أن ينتمي إلى روابط وصلات جمعته في جيب مثقف مثل “بهجت سليمان”، وقائمة الفرع اللبناني والفلسطيني والمصري والسوري والأردني والعراقي شاهدة على حجم مجافاة الواقع وتزويره وخرابه.

حملة الأقلام “المثقفون” الذين لا يرتفعون عن سماء وظيفتهم المتأملة في طاغية وسفاح، تحكي أقلامهم نبل سكينه في أقبية التعذيب، وطهارة براميله المتفجرة التي تنظف وطنًا. يُنجز حمَلة الأقلام في اتحادهم مهمة حراسة لغة الطاغية، يستحضرون “القدس وفلسطين”، وعبارات مثل الكرامة وأشياء تستدعي نتيجةً، مفادها أن الأطر والاتحادات المتحولة إلى لوبيات تمتدح قتلة شعوبها، حذفت عن نفسها ما تحاول إلصاقه من ثقافة أو كتابة تصنّمت في عشق سفاحين وطغاة.

يدور السؤال حول عقد الاتحاد لمؤتمره في دمشق في قادم الأيام، ويقضي أيضًا السؤال بإعادة طرحه من جديد بالشكل الآتي، ما هي وظيفة المنتسبين إلى مثل هكذا اتحادات، بعد ولوجها مرحلة العطالة والعطب والخرس؟ وما هي المثل التي تدافع عنها ثقافة المنتسبين إلى ثقافة البراميل والجلادين في أقبية التعذيب؟ إذا كان الشاعر يتلعثم ويخرس من سيرة زنازين الطاغية، وإذا كان الروائي يرتفع ضغطه من رواية ملايين المهجرين من برميل الممانع، تنزاح الكتابة والأدب والثقافة عن موضعها، عندما تدور في فلك بعيد عن الإنسان، وتصبح بلا تجانس، عندما تكون بيئتها قائمة على بناء جدران بينها وبين الإنسان، وتفتح ممرات ودهاليز توصلها إلى قصور الطغاة.

لعل تشبث اتحاد الكتاب العرب بالطغاة والمستبدين، حاجة ووظيفة متبادلة، فعندما تكون شعاراتهم في دمشق عن “ثقافة التنوير” الساعية لتزوير التاريخ وتزييف وظيفة السفاح، وعندما يصرخ أمين اتحاد كتاب فلسطين: “دمشق صوت الحق والحقيقة بعمق وبصدق.. طوبى لها في هذه اللحظة الغامرة، وهي تجمع المثقفين والأدباء العرب، لتضيء بما يليق بسيرتها وإرثها المجيدين”. إرث الأفران البشرية وغاز السارين، وإرث قتل عشرات آلاف من السوريين والفلسطينيين في مسلخ بشري اسمه “مسلخ فلسطين”.

يستدعي حمَلة الأقلام، في اتحاد الكتاب العرب في دمشق، تعابير وألقاب ينسجون منها ما يقي سفاحي شعوبهم من سقوط، وإذ تحضر الحرية والثقافة والمثل والأحلام داخل قاعة اجتماعاتهم، وتنتهك بالقرب منهم أرواح الملايين، لنسأل من جديد ما معنى الثقافة والتنوير والأدب، إن كانت سطوره تمجد قتلة وطغاة، حوّلوا الأوطان إلى بقايا بيوت تتمترس خلف شعارات هلكت ودمرت، وتساقطت معها صناعة الكلام والرغاء الذي اسمه كتاب، واتحادات فقدت أسماءها وتلاشت عن الوجود ليعاد إنتاجها في قصور الطغاة. كل المتحدثين اليوم، في جلسة اتحاد الكتاب في حضرة الأسد، يمضغون لغة استعار منها الطاغية كل أدوات قهر العروبة وتمرير المؤامرات، ومنح المحتل كل الأسباب التي تسمح له بإنتاج وتطوير الجرائم، فمن “أجل فلسطين.. كل فلسطين” لا تتحدثوا باسمها، بل باسم القتلة، ولا تحملوا جوائزها، تكفيكم نياشين باسم الأسد فخر عاركم.


نزار السهلي


المصدر
جيرون