هل على المذيعات أن يكنّ بلا أخلاق!
15 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2018
لم تكن صدفةً عندما اتصلّ أحد العاملين في قناة تلفزيونية سورية وشيكة الافتتاح، بـ (دعد)، ليُبلغها بأن اسمها مرشّحٌ لموعد مقابلة عملٍ أوليّة، فهي ما انفكّت تبحث عن عملٍ، لتعيل أبناءها، وتساعد والديها المسنين اللذين احتضناها، بعد طلاقها من زوجها منذ نحو ثلاث سنوات. ومنذ ذلك اليوم تحاول الثلاثينية (دعد) الاعتمادَ على ذاتها، وإعالة أولادها (صبي وفتاة) وتأمين حياة كريمة لهما.
تعيش دعد في إحدى المدن التركية في منزل أجرة مع أبويها، ومنذ حادثة الطلاق، لم يقدّم طليقها أي مساعدة مادية للأولاد، وتعتمد في إعالتهم على أهلها وبعض الأعمال المتقطّعة التي تؤديها. قرأت دعد على موقع محطة تلفزيونية جديدة (قيد التأسيس)، أنهم يرغبون في ضمّ مذيعات ومقدمات برامج إلى كادر عملهم، وكُتب في الإعلان أن “الخبرة ليست ضرورية، إذ سيخضع المقبولون لدورة تدريبية”، ما شجعها على التقدّم للعمل.
كان ذلك الإعلان بارقة أملٍ وخير، بالنسبة إلى دعد التي طالما تمنت أن تعمل في هذا المجال، ولا سيما أن لها مشاركات كتابية عديدة، فضلًا عن حبها للمطالعة، ورغبتها العارمة في الخوض في هذا المجال.
بعد انتهاء المقابلة الأولى التي أجريت معها عبر (سكايب)؛ أخبرها المدير أن المقابلة كانت معقولة، وأنها قُبلت لفترة تجريبية في القناة مدتها 10 أيام، تخضع خلالها لتدريب ينتهي بالرفض أو القبول. كان وقعُ القبول المبدئي سارًا جدًا على العائلة: والدها، ووالدتها، وولديها اللذين كانا ينتظران بفارغ الصبر عمل والدتهم، علّها تستطيع أن تشتري لهم حاجياتٍ جديدة أصبحت ضرورة في هذا العصر.
سافرت دعد إلى مقر القناة في مدينة تركية أخرى، حاملةً معها حلمًا كبيرًا، وأملاً بتحقيق الاستقرار والتوازن لأولادها، وردّ الجميل لأبويها اللذين وقفا معها في محنتها، وكانا السند، على الرغم من صعوبة ظرفهم المادي والصحي. وهناك استقبلها القائمون على المحطة، وعرّفوها على المدرّب الذي سيساعدها في تعلّم الإلقاء والتقديم، ثمّ يصدر تقييمًا بإمكانية متابعتها العمل أم لا.
لم تكن دعد خائفة من التدريب، بل على العكس تمامًا، كانت متحمسة جدًا وسعيدة لأنها ستأخذ فرصتها، وزاد من ارتياحها وشعورها بالسكينة أنها كانت قد أخبرت المدير الذي أجرت معه المقابلة الأولى أنها لا تملك أيّ خبرة في مجال التقديم الإذاعي والتلفزيوني، ومع ذلك فقد قُبلت في الفترة التجريبية، كونها تتحلّى بحضور جيد وليس لديها أي مشكلة لغوية أو في النطق ومخارج الحروف.
في اليوم الأول، طلب منها المدرّب أن تقرأ له تقريرًا ليحدّد مستواها وإمكاناتها، وإذ به يقول لها، قبل أن تكمل القراءة: “إن طريقتها في التقديم سيئة جدًا، كذلك صوتها غير ملائم للتلفزيون”. لم تيئس دعد وحاولت أن تتدرّب في المنزل، وكانت مصرّة على إتمام التجربة، وبعد مرور يومين، أخبرها المدرّب أنها تتقدم وتتحسن، لكنه خلال فترات التدريب القصيرة، كان يوجّه إليها انتقادات تتعلّق بشخصيتها الخجولة والمهذبة، مردّدًا على مسامعها: “ينبغي عليك أن تكوني وقحة، المذيعات ينبغي أن يتحلين بشخصية اقتحامية، وهذا السلوك الخجول مضرّ بك”.
قبل أن تنتهي فترة التدريب المُتفق عليها، بأربعة أيام، اتصل موظف قسم الإدارة البشرية بدعد ليخبرها أنها رُفضت، ولم يعد هناك ضرورة لإنهاء التدريب، وعليها أن تُنجز بعض الإجراءات الإدارية، وتغادر.
خرجتْ دعد من “التلفزيون” الجديد حاملةً معها خيبة الأمل والخذلان، مشتْ في شوارع المدينة التي لا تعرفها، أربع ساعات، وغسلت حزنها ببكاءٍ غزير، لكن عزاءَها كان في أنها تمكّنت من الرد على المدرّب الذي استاء من تهذيبها، وقالت له قبل المغادرة: “هل كلّ المذيعات والمذيعين بلا خجل أو أخلاق؟! ومتى كان الأدب والحياء يتعارضان مع العمل والمهنية!”.
لا تعلم دعد من أين استقى المدرّب أن من أساسيات العمل الإعلامي قلة الحياء، والجرأة في غير مكانها، شأنه شأن الكثير من السوريين الذين لم يحتكّوا يومًا ببيئة إعلامية نظيفة، ويحملون مفاهيم مغلوطة عن هذا المجال الذي تحكمه الأخلاق، وتغلّفه الإنسانية والحياء.
آلاء عوض
[sociallocker]
جيرون