الحصار لم يمنع أهالي الغوطة عن التفكير بـ “فرحة العمر”



على الرغم من الحصار الذي أرهق أجساد وأحلام سكان الغوطة الشرقية، فإن أهالي الغوطة ما زالوا متمسكين بالحفاظ على ديمومة الحياة واستمراريتها، وحريصين على خلق الأمل، وتكوين أسرٍ جديدة؛ علّها تكون متنفسًا أخيرًا لإخراجهم من الظروف المأسوية المحيطة بهم، والتي حوّلت حياتهم إلى مسرحٍ من الأزمات الإنسانية.

تضمّ الغوطة المحاصرة نحو 400 ألف مدني، معظمهم من النساء والأطفال، وعلى الرغم من قلة عدد الرجال، بسبب استشهاد الكثير منهم نتيجة القصف، فإن ليالي الغوطة ما زالت تشهد إقامة حفلات زواج متواضعة بشكلٍ ملفت، في الآونة الأخيرة.

قالت (هدى)، وهي ناشطة من الغوطة الشرقية، لـ (جيرون): “اختلفتْ طقوس الزواج كثيرًا نتيجة الحصار الشديد، فبسبب القصف وخطورة التنقّل خبَت بهجة الأعراس، وباتت العروس تعتمد في تجهيز نفسها على ما تقدمه لها قريباتها اللواتي سبقنها إلى قفص الزوجية، من ثياب ومستلزمات رئيسة”.

تعتقد (هدى) أن تغيير عادات وتقاليد الزواج ساهم كثيرًا في تسهيل الإقبال عليه من قِبل الشبان الصغار تحديدًا، وأوضحت في هذا الخصوص: “كانت هناك أعباء كثيرة على الراغبين في الزواج، منها ما يتعلق بالمهر والكسوة وتجهيز المنزل وفرشه، أما الآن فكل هذه الأمور لم تعد ضرورية، والأمر لا يتطلّب أكثر من تأمين غرفة للسكن مع فرش مستعمل”.

أضافت: “بسبب غياب الكهرباء، لم تعد الأدوات الكهربائية، التي كانت جزءًا أساسيًا من تجهيز البيت، ضرورية، كذلك الأمر بالنسبة إلى المهر الذي أصبح رمزيًا للغاية (لا يتجاوز أكثر من 150 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 300 دولار)، ويسجّل في عقد الزواج (غير مقبوض)، فهو مجرد حبر على ورق”.

أما بالنسبة إلى البيت فالأمر لم يعدْ شاقًا، بحسب هدى، وأضافت موضحةً: “يستطيع الشاب الذي يرغب في الزواج الذهاب إلى أحد مكاتب الإيواء والإغاثة، ويطلب تأمين منزل أو حتى غرفة ومنتفعاتها، إما بالمجان أو مقابل مبلغ رمزي شهريًا، وبالتالي باتت مشكلة تأمين السكن التي كانت من أكبر عقبات الزواج، محلولة وميسّرة”.

تتنفق (أم عماد)، من مكتب المرأة والطفولة في مدينة دوما، مع (هدى) حول انتشار ظاهرة الإقبال على الزواج في عموم بلدات ريف دمشق، وأضافت لـ (جيرون): “الشبان الصغار الذين تراوح أعمارهم بين 19 و23 سنة هم أكثر الفئات العمرية التي تقبل على الزواج، خصوصًا أن معظمهم لم يكمل دراسته أو انشقّ عن الجيش، فباتوا يجدون في الزواج وسيلةً، تبعث فيهم الإحساس بالأمل والاستمرار بالحياة”.

وفقًا للمجلس المحلي لدوما، تم تسجيل قرابة 17,500 حالة زواج في الغوطة الشرقية، منذ عام 2013، كان نصيب مدينة دوما منها ما يقارب 5300 حالة.

تقدّم بعض الجمعيات الخيرية “مساعدات بسيطة للمتزوجين الجدد، إما بشكل مبلغ رمزي أو فرش بسيط للمنزل، هذا بالنسبة إلى المدنيين، أما مقاتلو (جيش الإسلام)، على سبيل المثال، فيقدّم لهم الفصيل مبلغ 100 ألف ليرة سورية لكل مقاتل مقبل على الزواج”. وفقَ (أم عماد).

الزواج -وسط هذه الأوضاع الصعبة- لا بدّ أن يتمخض عنه العديد من المشكلات، بحسب (هدى)، التي قالت في هذا الجانب: “للأسف، أغلب المتزوجين لا يفكرون بمصير أبنائهم القادمين إلى الحصار، ويتضح ذلك في عدد الأطفال الذين توفوا نتيجة نقص التغذية الحاد أو القصف. معظم الأطفال هنا يحصلون على وجبة طعام واحدة في اليوم، وهي خالية من أي قيمة غذائية، يُحتاج إليها في هذه المرحلة الحساسة من عمرهم”.

أضافت: “حتى إذا استطاعت الأسرة تأمين طعام أطفالها، فإنها لن تستطيع تأمين باقي متطلبات الطفل.. كثيرًا ما أرى أطفالًا يتسولون من دون علم أهلهم، من أجل شراء قطعة حلوى أو لعبة بسيطة، وبالتالي نجد أنفسنا أمام مشكلات أخرى، كالعمل والتسول التي تؤدي بالطفل للتسرب من المدرسة. هي سلسلة من الأزمات؛ كل حلقة يتولّد عنها مشكلة وهكذا”.

لاحظت (أم عماد) أن العُرف الوحيد الذي تبقى من طقوس الزواج السورية حاليًا هو “إقامة الحفلات المنفصلة، حيث يحتفل الرجال والنساء بشكلٍ منفصل، كما درجت العادة سابقًا لدى أهالي الغوطة الشرقية”.


نسرين أنابلي


المصدر
جيرون