حين عاد أبو حامد من النظارة



خرج أبو حامد من النظارة بكفالة، وعاد من المخفر يقود حماره أبا عرقوب، وهو في غاية الهم والغم. وعلى الطريق لم يستطع أن يتكلّم، مخافة أن يسمعه الناس يكلم حماره؛ فيظنون به الظنون، ويسخرون منه. وحينما وصل إلى بيته، أدخل الحمار إلى الباكية وأخذ يعاتبه:

– الآن لا يسمعنا أحد. أهذا عمل يقوم به عاقل يا أبا عرقوب؟! طول عمري أقول في نفسي إن أبا عرقوب أعقل حمار في الضيعة.. لقد خيّبت ظني بك، والله.

نفخ أبو عرقوب وقال له:

– وماذا فعلت حتى يخيب ظنك بي؟ قال أبو حامد:

– وتسأل ماذا فعلت؟ يكفي أنك رميتني بين يدي أبي خطار. ووضعتني في فم الحكومة. ألم تسمع أبا خطار ماذا قال لي؟ لقد اتهمني بأنني قد تقدمت ببلاغ كاذب. وأنت حضرتك قد خرجت من الباكية لا سائل ولا مسؤول. دون أن تحسب حسابًا للهفتي وحرصي عليك. على الأقل حين تريد أن تخرج أعلمني، يا أخي. أخبرني كي أكون على بيّنة من أمري. ثم ألم تجد في الضيعة كلها غير أتان أم جميل، والحمير منتشرة في كل مكان من البلد. وأنت أعلم مني بأم جميل ولسانها الذي يقطع النعل! ماذا سأقول غدًا للقاضي في المحكمة، إذا وجّه لي تهمة تقديم بلاغ كاذب؟

نظر أبو عرقوب إلى صاحبه مليًا ثم قال:

– بسيطة يا صاحبي، لا تهتم. قال أبو حامد في شيء من الاستنكار:

ـ كيف بسيطة؟ فهمني! القانون قانون. لا يرحم أحدًا، وليس هناك من شفاعة. عند ذلك، لم يتمالك أبو عرقوب نفسه فقال:

– أي قانون الذي تتحدث عنه يا صاحبي. أبقي في البلد قوانين؟ وهل أنت الوحيد الذي يتقدم لهم ببلاغ كاذب؟ صحيح أنني حمار لا أفهم بالقوانين، لكن الذي يعرفه القاضي يعرفه الراعي. لو كان هناك قانون؛ لكانت أم جميل التي قادتني إلى المخفر، وأوصلتك إلى النظارة، هي أول من يجب أن يدخل النظارة ولا يخرج منها أبدًا.

دهش أبو حامد من هذا التصريح الذي أدلى به أبو عرقوب:

– أم جميل؟! وماذا تفعل أم جميل حتى تستحق الدخول إلى النظارة؟ قال أبو عرقوب:

– مسكين أنت، يا صاحبي، ونائم على إذنك. لا تدري ماذا يجري في البلد. قال أبو حامد:

– أنا حمار فهمني.

عندئذ؛ غضب أبو عرقوب وقال:

– هكذا أنتم. تتهمون الحمير بالغباء، وتسقطون عليهم أوصافكم، كلما ظهر عجزكم. وإذا كنت حتى الآن لا تعرف شيئًا عن أم جميل، فينبغي أن نتبادل المواقع فيما بيننا. خذ بردعتي وأعطني عقالك.

ذهل أبو حامد من هذا المنطق الذي لم يعتده من حماره أبي عرقوب. وصار في لهفة لمعرفة السرّ الذي تخفيه أم جميل، خلف هذه الرعونة التي تبديها تجاهه، وهذا اللسان اللاذع الذي ينطلق تجاه كل من يقترب نحو بيتها. ونظر إلى حماره بشيء من الاعتذار:

– لا تغضب يا أبا عرقوب! أنتم -معشر الحمير- مظلومون. دعني أعترف لك الآن أنكم أفضل من كثير من أولئك المحسوبين على البشر. فهمني الآن ما حكاية أم جميل؟

قال أبو عرقوب:

– أم جميل يا صاحبي تجعل من بيتها مخزن أسلحة. يأتون في منتصف الليل، يفرغون حمولتهم ويمشون، ولا من رأى ولا من سمع، وإذا لم تصدقني فحمار بيت أبي سليم شاهد. كل يوم يأتي كي يشكو لي من الحمل الباهظ الذي ينقلونه على ظهره.

فرح أبو حامد حد الجذل، من هذا السر الذي أطلعه عليه حماره، ومن ساعته توجه إلى المخفر يريد أن يجعل من نفسه مواطنًا صالحًا أمام أبي خطار. وحين قدّم تقريره قال له أبو خطار:

– أمتأكد أنت من هذه المعلومات؟ أم أنك تتقدم ببلاغ كاذب آخر؟ فأجاب أبو حامد:

– سيدي! متى كنتم تدققون في صحة الأخبار التي تصل إليكم؟


فوزات رزق


المصدر
جيرون