عينٌ على المواهب والكفاءات السورية اللاجئة



نقد تقرير “الحياة الاقتصادية للاجئين السوريين في أوروبا”

صدر تقرير (الحياة الاقتصادية للاجئين السوريين في أوروبا)، بالتعاون بين (ديلوت) وهي شركة بريطانية خاصة، ومركز (دراسات اللاجئين) في جامعة أوكسفورد الأوروبي للاجئين، وهو نتاج دراسة مسحية/ نوعية. تمّ جمع بياناتها من ثلاثة بلدان مضيفة: النمسا وهولندا والمملكة المتحدة. وتم تعريب التقرير ونشره من قِبل (مركز حرمون للدراسات المعاصرة)، بتاريخ 12 كانون الثاني/ يناير 2018.(رابط تقرير حرمون  https://harmoon.org/archives/7698)

الغرض من التقرير، كما جاء فيه:

– فهم مهارات اللاجئين، إضافة إلى التحديات التي تواجههم في عثورهم على عمل والعيش في المجتمعات الأوروبية.

– تطوير منصة تكنولوجية لربط اللاجئين بفرص التدريب على المهارات والوظائف وفرص العمل.

ما يلفت نظر القارئ المدقق في التقرير افتقاره إلى المنهجية العلمية، ما قلل كثيرًا من قيمة النتائج التي توصل إليها، علمًا أن واضعي التقرير حاولوا توضيح بعض المشكلات المنهجية فيه، فيما تغافلوا عن مشكلات أخرى.

في البحث عينتان: عينة الأفراد/ اللاجئون، وهؤلاء تُطرح عليهم أسئلة الاستبيان، وعينة المؤسسات المحلية، وهذه لها مهمتان: المقابلات النوعية، والاتصال بأفراد العينة/ اللاجئون.

بلغ حجم عيّنة الأفراد 305 مفردة/ لاجئ، وهم موزعون على ثلاثة بلدان أوروبية. هذا الحجم لا يُعدّ ممثلًا إحصائيًا لمجتمع السوريين في أوروبا، أو حتى للسوريين في البلدان المضيفة المدروسة، حيث بلغ العدد الإجمالي للسوريين في البلدان الثلاثة 73329 موزعين: بين النمسا 31,000، وهولندا 27,400 وفي المملكة المتحدة 14,929. وهكذا لم تبلغ نسبة العينة النصف بالمائة 0.41 بالمئة من حجم المجتمع المبحوث.

من جهة ثانية، لم يتم توزيع العينة المذكورة بصورة نسبية بين البلدان الثلاثة؛ فقد بلغ كسر عينة النمسا 0.35 بالمئة، فيما بلغ في عينة هولندا 0.15 بالمئة، وفي عيّنة المملكة المتحدة 1.05 بالمئة؛ الأمر الذي يؤدي إلى انحراف العينات عن متوسطات مجتمعاتها، ويقلل من قدرتها على تمثيل المجتمع الأصلي الكلي للدراسة.

اعتمد الباحثون عينة غير احتمالية/ غير عشوائية. وتسمى بالعينة القصدية، حيث كل مفردة/ شخص، يتم استيفاء البيانات منه، يدل على مفردة/ شخص آخر، وهكذا حتى يكتمل العدد المحدد. لذا تسمى عينة (كرة الثلج). وهي أضعف أنواع العينات، لأنها تسمح بتطبيق العمليات الإحصائية البسيطة لا المعقدة؛ فهي تسمح بحساب النسب المئوية والمتوسطات والوسيط، وبالتالي لا تقدم نتائج مهمة.

لماذا تم اختيار عينة الأفراد بهذه الطريقة، ولِمَ تمّ الاكتفاء بالعدد المحدود: 305 مفردة؟ وأزعم أن الجهات القائمة على المشروع تملك الإمكانات المالية والخبرات التقنية. يمكن فهم مصادر العيوب المذكورة من خلال النظر في العينة الأخرى في الدراسة، وأقصد عينة المنظمات التي اختصت بالمقابلات النوعية، والاتصال بأفراد العينة.

اختيرت المنظمات المذكورة بطريقة قصدية/ غير عشوائية، فقد كان العامل الحاسم في اختيارها هو علاقتها مع الجهات الراعية للبحث. وقد وقع على عاتق هذه المنظمات –كما ذكرنا-  مهمتان: الأولى تحديد عينة الأفراد والاتصال بهم، وهؤلاء كانوا على علاقة/ تواصل معها. والثانية أنها موضوع المقابلات النوعية، الأمر الذي ضاعف من أخطاء عينتي المؤسسات والأفراد معًا، وبالتالي فقد تم ارتكاب الكثير من التحيزات.

ولدى محاولة فريق العمل التخفيف من التحيزات في عينة الأفراد، يذكر التقرير أنه تم الحصول على بيانات سكانية شاملة من الحكومات الوطنية عن السوريين في البلدان الثلاثة؛ ما سمح بإجراء بعض التقويم، من خلال معرفة تمثيل العينة في التركيبة الديموغرافية في البلد. وهذا التبرير في الحقيقة كشف لنا عن التباس جديد، حول ما أورده التقرير من تبرير اللجوء إلى عينة غير احتمالية/ كرة الثلج، فقد كان السبب المقدم لاختيار هكذا عينة هو عدم توافر قاعدة بيانات عن السوريين (ص12).

لدى تبرير التقرير اختيار البلدان الثلاث: النمسا وهولندا والمملكة المتحدة، تم ذكر عاملين:

– توفر منظمات في البلدان المذكورة يُوفر المساعدة في إنجاز البحث، وهي منظمات مرتبطة بالجهات الراعية للبحث.

– هي بلدان لديها أنظمة مختلفة، في مراحل انتظار طالبي اللجوء، للوصول إلى سوق العمل ومنح إذن العمل.

ولدى فحص هذا العامل؛ لم يظهر أن له أي أثر في التصميم المحدد للعوامل المؤثرة في العمل، وبالتالي يمكن القول إن التبرير الثاني المذكور يحمل صفة تضليلية.

لماذا نهتم بالتقرير؟

جاء في خلاصة التقرير أن “لدى اللاجئين السوريين في أوروبا مهارات ومواهب وتطلعات. وأن كثيرين منهم حاصلون على تعليم عالٍ، غير أنهم يواجهون معوقات كبيرة في الحصول على عمل. ومع الدعم الملائم، من حيث اللغة والتدريب والمعلومات؛ قد نتمكن من التغلب على المعوقات”. فلدى الشركات والحكومات والمجتمع المدني واللاجئين أنفسهم، دورٌ مهم، ومن خلال العمل الجماعي يمكن للجميع الاستفادة من المشاركة الاقتصادية الفضلى للاجئين”.

بغض النظر عن الملاحظات المنهجية الجدية التي سقناها حول ما تم نشره، في تقرير “الحياة الاقتصادية للاجئين السوريين في أوروبا”، وبغض النظر عن مدى صدق المعلومات التي توصل إليها وتمثيلها للواقع، فقد أثار التقرير مسألة هجرة/ لجوء الكفاءات والمهارات السورية، وهي مسألة لم تنل ما تستحق من اهتمام، على خطورتها وتأثيرها على مستقبل سورية، وما يجب عمله. ومن جهة أخرى، تكشف المسألة المطروحة عن إحدى جوانب المأساة التي باشرها النظام الحاكم بحق سورية والسوريين.


ريمون المعلولي


المصدر
جيرون