في ضرورة الطبل والزمر



على نحو مفاجئ، تنتقل ظاهرة “النمر” من صفوف “الجيش العربي السوري” إلى تحت قبة البرلمان السوري، وبصيغة أقرب للمنطق والواقع، فأنْ يصف عضوٌ في البرلمان السوري الإعلامَ الرسمي بـ “المطبل والمزمر”؛ فهذا أصدق ما يُمكن أن يوصف به إعلام السلطة، فإعلامٌ نجومه شادي حلوه وحسين مرتضى لا شك أن يهبط إلى الدرجة العاشرة، وهذا كله يتسق تمامًا مع سياسات الطغمة الحاكمة في باقي شؤون الدولة، والعاملون اليومَ في إعلام السلطة يشبهون إلى حد بعيد الميليشيات التي استقدمها النظام لمحاربة الشعب.

مبدأ الميليشيات هذا تم تعميمه على كافة أجهزة الدولة وعلى كافة المستويات، فالميليشيات العسكرية تتطلب بطبيعة الحال ميليشيات إعلامية، فتم تعيين مدير تلفزيون مُقال من عمله وزيرًا للإعلام، ويعود الوزير المُقال عاملًا تحت إدارة الوزير الجديد، ضاربين بعرض الحائط كل القوانين والأعراف والتقاليد والنواميس.

كما تتطلب الميليشيات العسكرية نظيرتها السياسية، فتم تعيين مخرج من وسط (عربود) ليتم تعيينه مُخرجًا لمسرح مجلس الشعب الذي غص عن آخره بالكومبارس، وربما يكون عضو مجلس الشعب صاحب مقولة “الطبل والزمر” هو أفضل الموجودين على دكة المجلس.

ولم تنجُ العشائر والقبائل من التنظيم الميليشيوي، فقام النظام بتشكيل ميليشيات عشائرية وقبلية، من بعض أبناء العشائر في الزوايا المعتمة، وقام بـ “توضيبهم” على شكل شيوخ عشائر، وشكل لهم مجلسًا، وقام بتوزيعهم بين مؤيد للسلطة ومعارض لها في حميميم؛ وكل هذه الميليشيات يلزمها إعلام على شكل التطبيل والتزمير؛ لأن هذا هو المستوى الحقيقي لها. إعلام يهلل بعد كل مجزرة يذهب ضحيتها عشرات المدنيين لبطولات الجيش في “مكافحة الإرهاب”، دون أي ذكر للضحايا المدنيين والأملاك الخاصة والعامة، هو إعلام “مطبل مزمر”.

واستمرارًا في كشف المستور، في مقطع مصور، يطالب “السناتور” محمد قبنض بحقوق جرحى الجيش قائلًا: “إن الكثير من الشهداء يذهبون إلى رجال الأعمال يتوسلون إليهم، من أجل المساعدة لشراء كرسي متحرك أو تركيب طرف صناعي”، نعم قال “الشهداء” يذهبون وهذا ليس خطأً طباعيًا، وهنا يكشف “السناتور” عمق أزمة النظام وعجزه حتى عن مساعدة جرحاه أو إعانتهم، كي يستمروا في الحياة ولو بالحد الأدنى من الحركة، وطالب سعادة “السناتور” موجهًا كلامه إلى وزير الصحة، بأن يتم النظر في وضع هؤلاء الجرحى وإنقاذهم من الإذلال من طرف رجال الأعمال.

“قبنض” هذا الذي بدا وكأنه ليس عربيًا ولا يجيد اللغة العربية، هو ليس الوحيد في مجلس التطبيل والتزمير بهذا المستوى الضعيف، فغالبية أعضاء هذا المجلس، تم تعيينهم في آخر دورة تشريعية، كأعضاء شهود زور على أهم مرحلة تمر فيها البلاد منذ الاستقلال؛ إذ إن “قبنض وأمثاله هم من أقر دستور الجمهورية في العام 2012، وهم من يمنح السلطة القائمة شرعيتها وشرعية قرارتها.

لا نتوقع أن يتوقف “تطبيل وتزمير” إعلام الطغمة الحاكمة في القريب، ولا أن يتحول إلى إعلام عاقل أو متزن، بل سيزداد التطبيل والتزمير لإنجازات “الحكومة الحكيمة”؛ لأن هؤلاء المطبّلين سيجدون أنفسهم على الرصيف؛ إن هم فكّروا مجرد تفكير بالتوقف عن العزف أو تخفيض مستوى قرع الطبل، كما حصل مع مراسل قناة (الميادين) رضا الباشا الذي غيّر نغمة العزف، وقال إن من يقوم بأعمال “التعفيش” في حلب هم قوات النظام واللجان الشعبية، ما دفع وزارة الإعلام إلى أن تُصدر قرارًا تمنع فيه رضا الباشا من العمل نهائيًا في سورية، عازيةً الأمر إلى (مخالفته قانون الإعلام). واليوم تستمر حملات “الردح” بين كندة علوش وشادي حلوة الذي تحوّل بقدرة قادر من موظف بلدية إلى إعلامي ومراسل حربي.

وأخيرًا لا نملك سوى أن نقول ما قاله الشاعر العباسي سِبْط ابن التعاويذي:

وقالوا استبانَت يا بن عروة ابنتك … فقلت لهم: ما ذاك في حقه نقصُ

إذا كان ربُّ البيت بالدف ضاربًا … فشـــــيمة أهــل البيــــــت كلهم الرقصُ


مشعل العدوي


المصدر
جيرون