أيتام سوتشي والصفعة الأميركية



بعد انتظار طويل وتقلبات مميتة في السياسة الأميركية، بالنسبة إلى الشارع السوري، وبين تردد وإقدام ووعود زائفة، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أهدافَ إدارة ترامب في سورية دون مقدمات أو مواربة؛ فأتت السياسة الأميركية على خمس نقاط مهمة، هي:

– القضاء على (داعش) والجماعات المتطرفة الأخرى.

– عدم السماح بوجود إيران على كامل الأرض السورية.

– تحقيق انتقال سياسي حقيقي وكامل دون وجود الأسد.

– عدم امتلاك سورية في المستقبل لأسلحة دمار شامل.

– عودة النازحين إلى سورية بشكل طوعي وآمن.

وقد أكد وزير الخارجية الأميركية، من خلال حديثه، أن هذه هي الاستراتيجية الجديدة لبلاده في سورية، وأن الولايات المتحدة عازمة على تحقيقها بالقوة.

كلام وزير الخارجية الأميركية يُعدّ أمرًا جديدًا في السياسة الأميركية، فهذه هي المرة الأولى منذ سبع سنوات التي يُعلن فيها مسؤول أميركي أن هناك مصالح حيوية في سورية، بهذا الوضوح الذي لا لبس فيه ولا مجال لتأويله، وتعدّ هذه التصريحات اندفاعةً أميركية قوية في لحظة مهمة، وهي استعداد موسكو لعقد مؤتمر سوتشي، ليُعلن بوتين نصره في سورية، والموقف الأميركي المستجد هذا سيتبعه، بطبيعة الحال، مواقف دولية وإقليمية، كانت قد يئست من أن يكون لأميركا أي دور في إيجاد حل أو مخرج للكارثة التي تعصف بالسوريين منذ سنوات سبع.

مِمَّا لا شك فيه، أن الموقف الأميركي الجديد سيلقى ترحيبًا أوروبيًا وعربيًا إلى حد ما، حتى تلك الدول التي كانت تُهادن موسكو أو استفادت منها بصفقات تجارية أو صفقات تسليح ستجد نفسها مضطرةً إلى إعادة حساباتها من جديد، وإيجاد وسائل المساعدة لإعادة التموضع بما يخدم مصالحها، ولا شك أن الموقف الأميركي سيكون مُشجّعًا لكثير من القوى الإقليمية التي ذهبت بعيدًا، في الضغط على المعارضة السورية لأجل الذهاب إلى سوتشي، وقبلها تقديم تنازلات في جنيف.

من هذه الدول التي في الغالب ستعيد ترتيب أوراقها، تركيا، وهي التي كادت تقع في فخ مهادنة موسكو، بعد محاولة الانقلاب الشهيرة في تركيا، وبعد أن أظهرت الولايات المتحدة العداء لتركيا، من خلال دعمها لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي”، الذي تقول تركيا إنه ذراع إرهابي لـ “حزب العمال الكردستاني” التركي، وتتهمه بأنه يتلقى التعليمات من جبال قنديل، المركز الأساسي للحزب، وقد اضطرت تركيا إلى أن تعُدّ نفسها طرفًا ضامنًا إلى جانب كل من روسيا وإيران، مقابل أن تسمح روسيا لها بالتدخل في إدلب وعفرين، فتركيا اليوم بحاجة إلى تحرر سياسي، كي تُنسّق مع الطرف الأميركي الذي أعلن عن نيته نشر قوات كردية على طول الحدود مع تركيا والعراق، وحجة أميركا في هذا هي ضبط الحدود من أجل عدم تسلل الدواعش من العراق، وعدم تسلل الإرهابيين من تركيا، إضافة إلى ضبط الوجود الإيراني في سورية، ونعود لنؤكد أن تيلرسون وزير الخارجية الأميركية قد ذكر كلمة (القوة)، في معرض حديثه عن تطبيق الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في سورية.

مما لا شك فيه أن هذه الاستراتيجية الأميركية شكّلت صفعة قوية لموسكو ومخططاتها في عقد مؤتمر سوتشي، ومن النتائج الملموسة السريعة لإعلان هذه الاستراتيجية، أن جميع المترددين في حضور سوتشي سيكون قرارهم رفض الذهاب بعد الكلام الأميركي الجديد. وعلى أي حال، بات على موسكو أن تُعيد حساباتها بشكل جيد جدًا، وأن تقبل بمكاسب متواضعة في سورية، إن أرادت أن تتفادى حرب استنزاف طويلة في سورية تجعل مصيرها في سورية مشابهًا لمصيرها في أفغانستان سابقًا، والأصعب من ذلك أنها باتت في موقف صعب أمام حليفها الاستراتيجي الإيراني، لأنها لن تستطيع تقديم الحماية له، ولن يستطيع أحد لوم أميركا، إن هي قصفت الميليشيات التابعة لإيران مثل قوات (حزب الله) و(زينبيون) و(فاطميون)، بصفتها تنظيمات إرهابية وقوى غير نظامية لا تتبع جيوشًا رسمية.

أعتقد أن هذه فرصة مناسبة، على المعارضة السياسية والعسكرية السورية اغتنامها، وفهم الجهود الأميركية المستجدة، إن كانت جادة، والانخراط بها، لأنها تعيد التوازن السياسي على أقل تقدير في الميدان السوري، بعد انكفاء أميركي طويل.


مشعل العدوي


المصدر
جيرون