للعدالة وجه واحد



العدالة أساس الملك، وكما أن الملك “الدولة” هو أساس الاجتماع البشري، فإن العدالة هي صفوته وعلة وجوده وديمومته. والعدالة تقوم على أساس المساواة بين المواطنين أمام القانون، من حيث حمايتهم ومن حيث محاسبتهم. أما أن تكون للبعض من أفراد المجتمع سطوة على العدالة ومونة على القانون؛ فإن ذلك يجعل للعدالة أكثر من وجه، وللقانون هيبة وسلطة على البعض دون الآخر.

تترسخ هيبة القانون وتحترَم بتحقيق العدالة، وتقوى وحدة الملك وتتعزز بالمحافظة على مؤسسات العدالة، ومنحها عناصر القوة التنفيذية الرادعة. ولولا أن البعض، ممن تسول له نفسه الخروج عن العدالة أو التعدي على مؤسساتها أو ضرب هيبتها عرض الحائط، يحظى بغطاء من الملك، أو بعض الملك؛ لما تجرأ على مثل هذا الفعل الشائن، الذي يتعدى كل قيم المجتمع ومبادئه الأخلاقية والإنسانية، ويتجاوز عاداته وتقاليده الراسخة التي تحترم وتجل العدالة، وتحث دائمًا على الاحتكام للقانون.

لا شك في أن أي مجتمعٍ، يعيش حالة من الاقتتال الداخلي، سوف تضعف فيه هيبة الملك، وتتردى حالة الاستقرار والأمان والعدل، لكن يجب التمييز هنا بين مجتمع محلي بلغ فيه العنف الذروة، وبين مجتمع محلي ما يزال ينعم ببعض عوامل ومرتكزات التماسك والاستقرار التي تحميه من الانزلاق في الفوضى أو الفتنة.

والمجتمع المحلي في محافظة السويداء -بالرغم من تأثره بكل ما يجري حوله في المجتمع السوري الأم- ما يزال يحافظ على وجوده الأهلي والمدني، وما تزال الدولة فيه الضامن الوحيد لتطبيق القانون، وحماية أرواح الناس وممتلكاتهم ومنع مؤسسات العدالة من الانهيار أو التعدي عليها، ريثما يتعافى المجتمع السوري كله من محنته، ويعود للدولة سلطانها بواسطة القانون، وللعدالة هيبتها بميزانها الذي لا يختل.

إن محافظة السويداء تعيش منذ سنوات حالة تشبه حالة الجمر تحت الرماد، جمر المجتمع المحلي الذي يعاني من أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية، رغم أنه اختار السلم الأهلي بين مكوناته ومع جيرانه في المحافظات الأخرى، ورماد إدارة الأزمة التي فشلت فشلًا ذريعًا في تفهم هذا الخيار، وما زالت تصر على إنتاج الأزمات، من خلال الغلو الأمني تجاه أي نشاط سياسي أو مدني أو فكري أو ثقافي لا يأتي على هواها في الوقت الذي تترك فيه الحابل على الغارب للحثالة والمجرمين، يعيثون فسادًا وفرقة وفوضى وخرابًا في ظل تغييب مقصود لسلطة القانون لا يقبله عاقل، وبات يقض مضاجع الجميع؛ لأنه يتناقض مع خيار السلم الأهلي والإصرار على دور القضاء والشرطة في حفظ الأمن الداخلي وسلامة أرواح الناس وممتلكاتهم، وتطبيق القانون دونما محاباة.

وبما أن السوريين يسلّمون بخروج الحل والربط من يدهم؛ فإن هذين الخيارين: السلم الأهلي والدولة، لا يؤمنهما إلا انفراج سياسي داخلي، مع حوار وطني بين السوريين حول مستقبل بلدهم، في ظل حالة الاستعصاء والمراوحة في الحرب والسياسة التي تمسك خيوطها الدولتان العظميان وملحقاتهما الإقليمية، وأي حل قد تفرضه لن يكون إلا على مقاس مصالحها ووفق توافقاتها، دونما أي اعتبار لمصلحة الشعب السوري، ومن ضمنها مصلحة محافظة السويداء، باعتبار أنها جزء لا يتجزأ من سورية، وأن مصلحة أبنائها من مصلحة الشعب السوري الوطنية التي ينتجها الحوار الوطني، ويقطع الطريق أمام أي سيناريو خاص بمحافظة السويداء أو المنطقة الجنوبية.

إن تداخل المحلي بالوطني لا يُعالج بـ “فشّات” الخلق، لا من قبل المجتمع بالخروج عن الخيار السلمي والدولة، ولا من قبل إدارة الأزمة بإصرارها الفاضح على الوسائل السابقة الفاشلة والمؤذية للسلم الأهلي ولدور مؤسسات الدولة. وطالما أن هذه الإدارة عاجزة عن تغيير اتجاه الأشرعة لملاقاة المجتمع وخياراته؛ فعليها الرحيل، ويجب مجيء إدارة جديدة تتفهم هواجس محافظة السويداء وأبنائها، وتعيد للعدالة هيبتها وسلطتها. إن العدالة لا تكون أساسَ الملك إلا إذا كانت بوجه واحد، وإلا؛ فسينتفض الجمر من تحت الرماد ويحرق الهشيم.


مهيب صالحة


المصدر
جيرون