المختلف في “غصن الزيتون” التركي



بدأت العملية العسكرية التركية: (غصن الزيتون)، في عفرين السورية، وتساقطت القذائف المدفعية والصاروخية التركية في (جلمة) جنوب عفرين ومرعناز، مستهدفة مواقع ميليشيات الوحدات الكردية، مع ورود أنباء عن تحرك وحدات من الجيش السوري الحر، للدخول إلى عفرين من (كلس) التركية، بمعنى أن العملية التركية تم التنسيق لها مع موسكو التي اتهمت واشنطن بـ “تسليح الأكراد سلاحًا نوعيًا، أدى إلى تأزيم الوضع”.

الهموم الأمنية لتركيا شمال سورية تسير بمحاذاة الهموم الأميركية والروسية والإيرانية والإسرائيلية والأردنية والبريطانية، وهذا يصح تمامًا، في مجال “المصالح الأمنية” المرتبطة بمناطق النفوذ والسيطرة التي عبّرت عنها الخطوط المحاذية للمصالح الأمنية، فوق الأراضي السورية. إسهامُ الجانب التركي في تعزيز أمنه الإقليمي، انطلاقًا من الشمال السوري، وتفهم كل من موسكو وواشنطن لـ (غصن الزيتون) التركي -بالرغم من التذمر العلني لواشنطن من أنقرة، وانصياع الجميع، بما فيهم النظام السوري الذي هدد تركيا، عبر نائب وزير خارجيته، بأن مضاداته الجوية ستتصدى للطائرات التركية- مردّه أن جهة الاستثمار التي يعمل وفقها نظام دمشق تتعلق بالسلطة، وهذا ما يفهمه كل المجتمع الدولي الذي تسمح له رؤيةُ النظام السوري بأن يطل، ويكون حضوره “فاعلًا” على الأرض، ليخرج البيان التركي بالقول إننا أبلغنا النظام السوري، عبر رسالة مكتوبة، بعملية “غصن الزيتون”.

تُدرك موسكو والنظام السوري، وحتى واشنطن التي سعت دومًا إلى تأكيد ذاتها من خلال تسليح الميليشيات الكردية، أن المواجهة مع أنقرة بعيدة كل البعد عن أرض الميدان، لارتباط خيوط المصالح الممتدة في نهاية المطاف بالمصالح مع أنقرة، وأن النظام السوري المدعوم من موسكو وطهران آخر همومه التصدي للأتراك، فهو أجبن من أن يزيح سلاحه من على صدور السوريين، مثلما كانت مصالح موسكو القاضية باستحداث قاعدة عسكرية في حميميم، وتدعيم قاعدة طرطوس، مقابل دعم أبدية الأسد، ينظر الأتراك إلى مصالحهم غير البعيدة عن مصالح الخيوط الأخرى.

من الملاحظ أيضًا في العملية العسكرية التركية، وهي ليست الأولى فوق الأراضي السورية، أن ميزان علاقة أنقرة بحلف الأطلسي حساس جدًا، ومن الواضح أيضًا أن تركيا عملت على تطوير سياسة أمن إقليمي أكثر وضوحًا وتعقيدًا في المشهد السوري، أكثر مما هي عليه سياستها المرتبطة مع موسكو وطهران تنسيقًا في سورية، والتي بموجبها تجد أنقرة نفسها أمام تحديات كبرى، يكون فيها استخدام دغدغة المشاعر بعيدًا عن المكانة الحقيقية التي توليها لمصالحها.

كان المشهد، عقب التحذير التركي بعملية عسكرية في عفرين السورية، يشي بمواقف واشنطن وموسكو عالية النبرة والتصعيد، ليتبين أن مقايضة موسكو لأنقرة في مواقف تتصل بمؤتمر سوتشي، الذي أعدت موسكو قائمة المدعوين إليه، وانتظرت موافقة أنقرة للضغط على المشاركين القبول بسوتشي، مقابل انسحاب وحدات الشرطة الروسية من عفرين. المختلف في عملية (غصن الزيتون) أنها أوضحت المواقف والحسابات الإقليمية والدولية الملتزمة بالحفاظ على الوضع الراهن المتعلق بالمعارضة السورية، بالمقابل يتم تجنيد وتجهيز عشرين ألف مقاتل من الجيش الحر، لزجه في معارك مع الوحدات الكردية، وجرى تكبيله في معارك أخرى، شهدها الشمال السوري من حلب إلى حماة وإدلب.

أخيرًا، يبقى التدخل العسكري في كل المشهد السوري، تصعيدًا وهبوطًا، غير مرتبط أساسًا لا بـ “غصن زيتون” تركي، أو روسي وإيراني، ولا بكل العمليات العسكرية البعيدة عن مطالب السوريين في الحرية والكرامة، والخلاص من الطغيان والاستبداد الذي شكلت العسكرة والقوة عماد استمراره وذرائع تتعلق بمكافحة الإرهاب، فيما الإرهابي العتيق ينعم في دمشق بتدمير مطالب السوريين، ولا يفتح جبهات قتال إلا على غياث مطر و وروده، وعلى أناشيد القاشوش التي سرقتها الأغصان المزيفة والأغاني التي اغتصبت حق السوريين في الحياة، لتعزف لهم لحن “الخلود للطاغية”.


نزار السهلي


المصدر
جيرون