مشافي حلب الخاصة.. وسيلة جديدة لإزهاق أرواح المدنيين



على الرغم من “تحرير” حلب، و”عودة الحياة” فيها إلى سابق عهدها، كما يدّعي النظام، فإن هذه المرحلة أفرزت وسيلة جديدة لموت المدنيين، أو إصابتهم بإعاقات جسدية غير تلك الناتجة عن القصف فيما مضى، فالحرب ليست الأداة الوحيدة لإزهاق أرواح أهالي، بل يوجد الآن مشافي عامة وخاصة تشارك في إضافة إعداد لا بأس بها من الضحايا، بين الحين والآخر.

منذ أيام، نشرت صفحة (أخباء حي الزهراء بحلب) المؤيدة للنظام قصةَ وفاة شابة عشرينية دخلت لإجراء عملية جراحية بالغدة، في مشفى (الكلمة) الخاص، وعلى الرغم من أن العملية تكلّلت بالنجاح، فإن الفتاة فارقت الحياة نتيجة خطأ طبي. وفقَ ما ذكرت الصفحة.

ذكرت الصفحة أن إحدى الممرضات أعطت المريضة علاجًا مسكنًا (حقنة ديكلون)، بعد خروجها من العملية، ما أدى إلى اختناقها بسب احتباس السوائل في جسدها، ووفاتها خلال فترة وجيزة، بعد خروجها من غرفة العمليات، وأضافت أن “أهل الفتاة حاولوا الاستنجاد بالطبيب المناوب والممرضات، عندما لاحظوا وجودَ أعراضٍ غريبة تظهر على ابنتهم، لكن الجواب كان بأنهم أدرى بعملهم، وأنها بحالةٍ جيدة، وليس هناك أي داعٍ لمراقبة وضعها”.

يتمتع مشفى (الكلمة) -وفقًا لآراء الكثير من الأهالي والناشطين الحلبيين- بسمعة سيئة جدًا، فهذه ليست المرة الأولى التي يتسبّب الإهمال أو الأخطاء الطبية، في وفاة المرضى. في هذا الصدد، قال طبيب الأمراض الداخلية (عبد الكريم) لـ (جيرون): “حصلت 16 حالة وفاة في المشفى، خلال السنوات الخمس الماضية، وعلى الرغم من ذلك، ما زال المشفى مفتوحًا ولم يتعرّض أي طبيب للمساءلة”.

روت (حسناء)، وهي سيدة ثلاثينية من حلب، لـ (جيرون) قصة وفاة والدتها في مشفى (الكلمة)، منذ سنتين تقريبًا، بسبب تشخيص خاطئ، وقالت: “أدخلنا أمي المستشفى بحالة إسعاف، لأنها كانت تعاني من ضيقٍ حاد في التنفس وتشنّج بيدها اليسرى، وشخّص الطبيب حالتها بأنها تعاني من ارتفاع شديد في ضغط الدم، أدى إلى تباطؤ ضربات القلب، لكن الحقيقة أنها كانت تعاني من أعراض جلطة قلبية، وفقًا لتشخيص طبيب آخر سألته عن حالة والدتي حينها، وبسبب عدم تلقّيها الإسعافات اللازمة لعلاج الجلطة؛ انتهى الأمر بوفاتها”.

وفقَ الطبيب (عبد الكريم)، فإن الانفلات الذي حصل في المدينة، منذ اندلاع الثورة حتى الآن، زاد من الإهمال الطبي، وأضاف في هذا الخصوص: “إن ظاهرة الإهمال الطبي ليست جديدة في سورية، ولكنها تفاقمت في الوقت الراهن بشكلٍ كبير، حيث إن الرقابة على أداء الأطباء وتقييم إمكاناتهم المهنية معدومة، فعندما يتخرج الطبيب لا يخضع لما يُعرف في الدول الغربية باسم (التقييم الأكاديمي الدوري) الذي يخضع له كل منْ يعمل في المجال الطبي بشكل دوري، من أجل التأكد من كفايته”.

وأضاف: “هناك مسألة أخرى، وهي أن غالبية الأطباء يعتقدون أن إجراء مثل هذا التقييم إهانة لهم وتقليل من خبراتهم العلمية، غير أن الموضوع ليس له علاقة بذلك، فمن الطبيعي أن الطب يتقدّم ويتطوّر مع مرور الزمن، ولا بدّ أن يكون الطبيب مواكبًا لحالة التطور هذه”.

بدوره أكد المحامي فراس موازيني وجودَ ضعفٍ في محاسبة المسؤولين عن الأخطاء الطبية، لأسباب كثيرة تأتي الرِّشا في مقدمتها، إضافة إلى تعاطف الأطباء مع زملائهم المخطئين في نقابات الأطباء والتستّر على أفعالهم. وحول عقوبة ارتكاب خطأ طبي، أوضح موازيني لـ (جيرون): “إن العقوبات الطبية متسلسلة، تبدأ بالتنبيه الموجّه إلى المُسجّل، ثم إنذار الطبيب، إلى إغلاق العيادة من شهر إلى ثلاث سنوات، أو إغلاق نهائي، وذلك بحسب الأخطاء المرتكبة من قِبله”.

أضاف: “لا يُسحب ترخيص مزاولة المهنة من الأطباء إلا بقرارٍ وزاري، بناء على قرار قضائي، ويحتاج الأخير إلى إحالة ملف القضية من قِبل نقابة الأطباء إلى الجهات القضائية المختصة، لكن هذا الأمر نادر الحدوث، وعادةً ما تكتفي النقابة بتوجيه إنذار للطبيب فقط”.


نسرين أنابلي


المصدر
جيرون