سوتشي مذكرة جلب لبيت الطاعة الأسدي



من العسير أن نتصور ما سيجري من مفاوضات في سوتشي الروسية، نهاية الشهر الحالي، لوضع تصور أفضل لمستقبل السوريين، خصوصًا أن تدمير هذا المستقبل قد تم بالفعل، من خلال الحاضرين بمذكرة جلب للمفاوضين، عملت موسكو على إعداد قائمتها، ومن الصعب تصور ما تحاول أن تشيعه أجهزة إعلام موسكو وتصريحات وزير خارجيتها لافروف، بشأن المطالب التي تخص انعقاد مؤتمر سوتشي. نقول ذلك لأن ما سيجري ليس أكثر من معركة تخوضها الأطراف المجتمعة، لقتل الوقت حتى يكتمل تدمير موسكو والنظام السوري لما تبقى من مناطق سورية خارج سيطرة النظام.

حتى تكون البدايات صحيحة، يجب الإشارة إلى أن مهمة القضايا الكبرى التي تقع على عاتق المعارضة السورية، تقتضي إظهار الاستعداد لتغيير البرامج والآليات التي درجت على الالتزام بها، وكانت نتاجًا لمرحلة سابقة، قدّمت الأعوام الستة الماضية حكمها عليها.

كثير من هذه المعارضة، المتذبذبة المواقف حيال موسكو ومفاوضاتها، وحيال الضغوط الهائلة التي تتعرض لها من المجتمع الدولي، للرضوخ لإملاءات دمشق وموسكو، لم يكن موقفها إزاء مذكرة الجلب الروسية لسوتشي ينم عن صلابة ورفض حاسم. ودون أدنى وقفة لجردة حساب، بالخسائر الأمنية والسياسية التي تسبق مفاوضات كهذي، يبدو جليًا أن المؤشرات الجديدة، إن صح التعبير، في الحركة السياسة السورية المعارضة، تثير قلقًا كبيرًا في نفوس النظام وحلفائه، ويبدو أن هذه الأخيرة، للأسف، أكثر تقديرًا لمغزى مؤشرات القوة التي يتمتع بها السوري أكثر من المعارضة نفسها التي تتذرع بواقعية، تغفل عن رصد معطيات واقعها الذي يقودها الى سوتشي.

في خضم ذلك كله، تبرز ثغرتان كبيرتان نافرتان تتعلقان بمفاوضة النظام: الأولى تتمثل في نظام دمشق الذي لم يمتثل لأي قرار دولي أو أي اتفاق تم التوصل إليه، سواء برعاية إقليمية أو دولية، من فك الحصار عن القرى والبلدات إلى خفض التصعيد، بل سعى منذ ستة أعوام لمماطلة كلفت السوريين ملايين الضحايا. باختصار: لم يكن عمل الوفود العربية بداية الثورة وكل الموفدين المحليين والإقليميين، وصولًا إلى دي ميستورا في جنيف، ولافروف في أستانا وسوتشي، إلا في سلوك معاكس ومعاد للشعب السوري. فوق هذا كلّه، تبرز ثغرة ثانية هي عجز المعارضين عن تقديم مواقف جذرية بعيدة عن الارتهان السياسي والعسكري والمالي والذي بدوره كلف فاتورة باهظة للشعب السوري.

غير أن المسألة لا تتوقف عند حدود ما ذكرناه آنفًا، إذ إن القول بدخول المعارضة السورية تجربة سوتشي من المفاوضات، يأمر بالبحث في عوامل متغيرة موضوعية وذاتية وقعت، أو مرشحة للظهور والتبلور، وتشكل بمجموعها مركز الصراع، فمنذ التوقيع على (جنيف 1) ومآلات أستانا ونسخ جنيف المتعددة؛ دخلت المعارضة السورية مرحلة جديدة تستوجب إذكاء عملية نقدٍ ومراجعة واسعة وشاملة وموضوعية وجذرية للمرحلة السابقة، تمهّد بالضرورة لإعادة بناء ذاتها استنادًا، إلى قراءة متفحصة وعلمية لسمات وخصائص المرحلة المقبلة من الصراع.

مرحلة تستدعي عملية تجديد، أولى موجباتها الاعتراف بأن وحشية النظام التي حلت على عموم سورية، ما كانت لتكون وتستمر دون التواطؤ الحاصل والعجز والارتهان لحسابات إقليمية ودولية، انتهت إلى كوارث على الأرض، من حلب شمالًا إلى درعا جنوبًا، ومن الرقة ودير الزور شرقًا إلى إدلب وريف اللاذقية غربًا، حملت جميعها انكسارات لم تكن متوقعة، وفق أكثر الحسابات تشاؤمًا. وبغض النظر عن المكتسبات الكبيرة والإيجابية الملموسة التي حققتها الثورة السورية، فإن كل ما تحقق لا يعفي أحدًا من رؤية ميزان الحساب الذي رجح لصالح السلب بمقياس النتائج والأهداف.

هنا يتوجب التشدد في الحذر، بوضوح لا يقبل الالتباس، من أن مرحلة سوتشي أو جنيف تظل مرحلة نضال وثورة ضد الطاغية والفاشي، تعطى فيها الأولوية لتوظيف كل الإمكانات التي تجوز بوضع شعار لها “كل المفاوضات جائزة خارج بيت طاعة الأسد”، هنا تكمن مسؤولية قوى وفصائل ونخب المعارضة التي يجب عليها الإقدام بجرأة على عملية مراجعة بعيدًا عن العبارات الممجوجة.


نزار السهلي


المصدر
جيرون