احذروا إيران: الهدوء الحالي في الشرق الأوسط أمرٌ عابر



(نشرت المقالة سابقًا تحت عنوان: “مطلوب استراتيجية لإيقاف إيران”).

من الشائع، ولكن الخاطئ، أن يُقرأ الوضع الاستراتيجي الراهن في الشرق الأوسط، وكأنه يشارف على نهاية فترة الاضطرابات. وقد يكون تعبير “عودة الدولة العربية” واحدًا من أكثر التعبيرات التي أنتجتها تلك النظرة جاذبيةً.

وفقًا لهذه النظرة، تشارف الحروب في سورية والعراق على الانتهاء. وتمثل هزيمة (تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش) في هذين البلدين أفول الطموحات السياسية للتيارات السلفية الجهادية في المستقبل المنظور. ويتم تحضير الأسد لاستعادة حكمه القمعي، ولكن المستقر في سورية. وفي العراق، أنهت ردة الفعل الحاسمة من حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، تجاه استفتاء الأكراد على استقلالهم، احتمالات تقسيم البلاد. في لبنان، فشل الجهاديون السنة في تصدير الحرب السورية إلى الداخل اللبناني، وكل الأمور هادئة الآن.

ولكن إذا نظرنا إلى هذه الأمثلة من الاستقرار؛ فسيصبح من الجلي أن هنالك أمرين مشتركين: الأول هُم، إلى حد لا يستهان به، نتيجةُ سياسة إيران التدخلية في الدول العربية المجاورة لها. في كل من تلك الحالات، في سورية، وفي العراق، وفي لبنان، يتفوق وكلاء إيران المحليون، ويمسكون بالحكم. والثاني، وهو أمر مرتبط بالأول، أن ذلك الاستقرار المزعوم ليس سوى وهم. وقد عزز ذلك الوهم قوة موالي الجانب الإيراني أنفسهم، والضعف المؤقت، ولكن ليس الاختفاء الكلي، لأعداء طهران. في الواقع، سوف تسفر التدخلات الإيرانية في دول الجوار عن حتمية وقوع المزيد من الاضطرابات، والمعاناة، وسفك الدماء. وسيظل الاستقرار سرابًا، ما لم تتم معالجة هذه المشكلة.

لنتمعن في الصورة: في سورية، كان للمقاتلين بالوكالة عن إيران، والمتمثلين في (حزب الله) اللبناني، ومقاتلين شيعة متنوعين من العراق، والفاطميين من أفغانستان، والزينبيين من باكستان، دورٌ أساس في منع سقوط نظام الأسد. إضافة إلى مساهمة “الحرس الثوري” الإسلامي الإيراني في القتال، خاصة مع النقص الكبير في قوى الجند لدى نظام الأسد، عبر تأسيس وحدات قتالية، مثل قوى الدفاع الوطني.

ولكن على عكس ما يعتقد كثيرون، فإن حفاظ إيران (إلى جانب روسيا بالطبع) الناجح على نظام الأسد الوحشي، والغارق في الدماء، لا يؤمن عودة الاستقرار إلى سورية. بل تبقى سورية مقسمة، وفي صراع مستمر، على الرغم من مكاسب النظام الأخيرة. وتحتفظ (قوات سورية الديمقراطية) التي تدعمها أميركا ويشكل الأكراد أغلبيتها، بالسيطرة على نسبة 28 في المئة من مساحة البلاد، شرقي نهر الفرات. في تقرير نشر مؤخرًا في صحيفة (الشرق الأوسط)، اقتبس الكاتب -عن مسؤول غربي رفيع لم يذكر اسمه- تنبؤًا بـ “اعتراف ديبلوماسي” أميركي وشيك لقوى الأمر الواقع هناك.

وبينما قد تكون قوى الثورة في حالة تراجع، إلا أنها لم تدمَّر بعد. ففي الجنوب الغربي، والشمال الغربي لسورية، لا تزال قوى المعارضة قوية، وتحتفظ بسيطرتها على الأرض في تلك المناطق. وبالنظر إلى الأمر بشكل أكثر جذرية، ليس لدى إيران ما تقدمه لأكثر من 60 في المئة من السكان السوريين من العرب السنة، ونحو 15 في المئة من الأكراد. لذلك يضمن دعمهم المتواصل لنظام الأسد أمرين: أولهما بقاء الأسد، والآخر استمرار الصراع في سورية.

احتلال القوات العراقية المدعومة إيرانيًا لكركوك في تشرين الأول/ أكتوبر 2017 حطم آمال الأكراد بالاستقلال (في الوقت الراهن).

وبشكل مشابه، فإن الميليشيات الشيعية في العراق لعبت دورًا رئيسًا في كل من هزيمة (داعش)، وسحق آمال الأكراد بالاستقلال بشكل سريع، بعد الاستفتاء الذي تم إجراؤه في أيلول/ سبتمبر من العام المنصرم. وتحضر ميليشيا وحدات “الحشد الشعبي” في الوقت الحالي للوقوف في انتخابات أيار/ مايو 2018. بعض عناصرها، ومنها منظمة بدر الموالية لإيران، يجلس في حكومة العبادي.

ولكن لا يمكن لتلك الميليشيات تدمير طموحات الأكراد أو العرب السنة بشكل كامل. فصعود هؤلاء، أو بالأحرى الوضع الذي يعد بصعودهم، لم يأتِ إلا بالصراعات الطائفية. وأما العراق، التي تحاول إيران وعملاؤهما بناءه على طريقتهم، فهو إسلامي شيعي، ومنطقة مقسمة طائفيًا، وما من كثير يعرض على مواطنيه من الأكراد أو العرب السنة. وأما الاعتراض والاحتراب الذي سيؤدي إليه وضع كهذا، فهو أمر حتمي.

في لبنان، وصل الوكيل الإيراني (حزب الله) إلى حكم الأمر الواقع في البلاد. لكن لم يتم تمويل الحزب وتسليحه من إيران لجلب الاستقرار إلى لبنان، بل لتحويل لبنان إلى قاعدة عمليات أمامية لخوض حرب طويلة مع (إسرائيل). وبفعل ذلك؛ اتخذت إيران السكان الآخرين (غير المؤيدين لحزب الله) رهينة لها. وهكذا، حتى في لبنان، حيث القوى المناهضة للبنان تبدو مدجنة، إلا أن النتيجة الصرفة للسيطرة الإيرانية هي المزيد من الصراع، والمزيد من الحرب.

وليست التفرقة القائمة في الدول نتيجة عفوية أفرزتها الاستراتيجية الإيرانية، بل هي هدفها المباشر. فإيران تفضل جيرانًا ضعفاء، وفي طريقها لفعل ذلك تحقق ممرًا جغرافيًا إلى المتوسط، عبر الدول العربية المتصلة به التي تبسط سيطرتها فيها. أما جيران أقوياء، وإن كانوا حلفاء، فلن يوافقوا على ظهور مساحات تسيطر إيران فيها ضمن أرضهم.

وأما السعي الحثيث إلى السيطرة الإقليمية، فهو السياسة المفضلة للتيار المتشدد المسيطر في النظام الإيراني. والأسلمة الشيعية هي طبيعته وإيديولوجيته، وهو غير قادر على جذب ولاءات، أو حتى السعي إليها، من الغالبيات السكانية غير الشيعية في البلدان التي تنشط فيها. وبذلك تكون النتيجة الحتمية للتدخل الإيراني هي الصراعات والفوضى، والتي يمكن لإيران في خضمها السعي إلى مصالحها الخاصة، وإهمال سيادة تلك الدول.

في الأيام الأخيرة، تواجه إيران، بطبيعة الحال، صراعها الداخلي. فاستراتيجية طهران المتمثلة في التدخل الإقليمي، وتكاليفه الباهظة، كانت أمرًا مركزيًا ركزت عليها الاحتجاجات في الداخل الإيراني. وكانت شعارات مثل “اتركوا سورية، وفكروا بنا”، أو “الموت لحزب الله”، مسموعة في تلك الاحتجاجات.

لكن يؤسفني القول إنه ما لم يسقط النظام نتيجة للاضطرابات (وهو أمر غير مرجح حسب الأوضاع الحالية)، فمن المرجح أن يخرج التيار المتشدد من الاضطرابات الحالية أقوى مما كان عليه. بل إن من المرجح استخدام الإدارة “الإصلاحية” الحالية، للرئيس حسن روحاني، كبش فداء لتلك الاحتجاجات. ويعني ذلك استمرار التمدد الإيراني في المنطقة: في سورية، والعراق، ولبنان، وغيرهم (اليمن، والأراضي الفلسطينية، والبحرين، وشرقي السعودية). وإن كان للاستقرار الإقليمي والحكم الرشيد أن يصلا إلى منطقة الشرق الأوسط المنكوبة، وهو أمر ضروري لجيرانها، فلا بد من إيجاد استراتيجية غربية وإقليمية شاملة لتحمي ظهره.

يدعو تشخيص ترامب لإيران، في استراتيجية الأمن القومي الأخيرة، إلى التفاؤل، وخصوصًا وصفه إيران بــ “الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم”، وذكره الحاجة إلى “تحييد النفوذ الإيراني الخبيث”. ولكن يبقى أن نرى أستُترجم الأقوال إلى أفعال وجهد شامل أم لا.

اسم المقالة Beware Iran: The Current Middle East Lull Is Transient اسم الكاتب Jonathan Spyer، جوناثان سباير المصدر وتاريخ النشر The American Interest

15 كانون ثاني/ يناير 2018 رابط المقالة http://www.meforum.org/7158/wanted-a-counter-iran-strategy اسم المترجم مروان زكريا


مروان زكريا


المصدر
جيرون