on
“حرب أميركا الأبدية”.. من أفغانستان إلى سورية
أعلنت إدارة دونالد ترامب هذا الأسبوع أن الولايات المتحدة مقبلة على تمديد وجودها العسكري في سوريا. فضمن فعالية احتضنتها جامعة ستانفورد يوم الأربعاء الماضي، قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، إن نحو ألفي جندي سيبقون في سوريا بشكل دائم، كاشفاً عن الأهداف العسكرية الأميركية هناك، والتي تتجاوز القضاء على «داعش» وتنظيمات متطرفة أخرى. ذلك أن القوات الأميركية ستبقى هناك أيضاً من أجل احتواء النفوذ الإيراني وللمساعدة على التوصل إلى اتفاق سلام يتضمن رحيل الرئيس بشار الأسد عن السلطة، كما قال تيلرسون.
بيد أن أي مراقب للأزمة سيعرف أن هذه ليست مهمات بسيطة أو سريعة، كما أن تيلرسون لم يكشف عن أي جدول زمني لسحب الجنود الأميركيين. وعليه، فإنه من المغري استنتاج خلاصة تُفهم من دون الحاجة للكلمات: إن «حرب (أميركا) الأبدية» مستمرة.
سوريا باتت الآن تبدو كأحدث فصل في حرب على الإرهاب مستمرة منذ قرابة 17 سنة، فقد بدأت في أفغانستان ثم امتدت إلى العراق وباكستان وبلدان أخرى عديدة، ولا تبدي أي مؤشر على أنها ستنتهي قريباً. وقد ذهبت تقديرات مستقلة من السنة الماضية إلى أن هذه النزاعات كلّفت دافع الضرائب الأميركي نحو 5.6 تريليون دولار، أما التكلفة البشرية التي صدر بخصوصها تذكيرٌ جديد يوم الخميس بفضل تقرير جديد من مشروع «إير وورز» («الحروب الجوية») الذي يراقب هذه الحرب، فإنه من المستحيل تقديرها، لكن جل المؤشرات تؤكد أنها باهظة جداً.
وفي هذا السياق، كتب الكاتب «كلزي دي. أثيرتون» في تغريدة على تويتر: «إن حرب سوريا الأبدية هي الابن المولود حديثاً لوالديه المراهقين؛ حرب أفغانستان الأبدية (17 سنة في أكتوبر المقبل) وحرب العراق الأبدية (15 سنة في مارس المقبل)».
والواقع أنه كانت ثمة بعض الآمال قبل سنة في أن تقوم إدارة ترامب بكبح حرب أميركا العالمية الممتدة. ذلك أنه حتى قبل أن يصبح مرشحاً رئاسياً، كان ترامب يشكّك في الحكمة من وراء غزو العراق في عام 2003، كما كان يقول إن أفضل خيار بالنسبة لأفغانستان هو سحب الجنود، ما دفع البعض ممن كانوا يشعرون بأن الحرب على الإرهاب قد تجاوزت الحدود المرسومة لها إلى مقارنته بمنافسته هيلاري كلينتون على نحو إيجابي. كما أطلقت عليه المعلّقة السياسية في صحيفة «نيويورك تايمز» لقب «دونالد الحمائمي».
غير أنه إذا كان الأمل في إنهاء الحرب الأبدية قد راود ترامب يوماً ما بالفعل، فإن ذاك الزمن قد ولى. ذلك أنه عندما تطرح على الرئيس الأميركي خياراتٌ متعددة في موضوع من مواضيع السياسة الخارجية، يميل بشكل دائم تقريباً إلى توسيع الحرب. ففي أغسطس الماضي، على سبيل المثال، تراجع ترامب عن تعهدات سابقة بالسحب التدريجي للجنود الأميركي من أفغانستان. وبالمقابل، مضى قدماً في اعتماد زيادات في عدد الجنود، معمِّقاً بذلك التزام الولايات المتحدة تجاه أطول حروبها على الإطلاق. ومثلما أشار إلى ذلك ماكس بيراك في صحيفة «واشنطن بوست» مؤخراً من أفغانستان، فإن الضربات الجوية الأميركية ازدادت بشكل دراماتيكي تحت قواعد اشتباك جديدة وفضفاضة أكثر.
غير أن الخبراء يشكّكون في قدرة العمل العسكري لوحده على دحر «طالبان» عملياً. وفي هذا السياق، يذهب بعض المسؤولين الأجانب في المجالس الخاصة إلى أن بقاء الجيش الأميركي في أفغانستان قد يستمر إلى ما لا نهاية، على غرار بقائه في شبه الجزيرة الكورية. ومثلما أشار إلى ذلك بعض المراقبين عندما أعلن ترامب عن الزيادة في أغسطس الماضي، فإن الرئيس الأميركي لم يقدّم تفاصيل كافية حول الشكل الذي يمكن أن يتخذه هذا التصعيد الجديد.
والحقيقة أن الحرب ضد تنظيم «داعش» في سوريا والعراق شكّلت إحدى النقاط المضيئة بالنسبة لترامب خلال السنة الماضية، ذلك أن الضربات الجوية المتكررة للائتلاف ساعدت على تفكيك «دولة» التنظيم المتطرف المزعومة، وإن ليس من دون زيادة موازية في الوفيات المدنية. غير أنه على الرغم من الأضرار التي أُلحقت بالمتطرفين في عام 2017، إلا أنه من غير الواضح ما إن كان سيتسنى دحر تنظيم «داعش» بشكل واضح ونهائي، على غرار «طالبان».
وعلاوة على ذلك، وبينما تضيف الولايات المتحدة مزيداً من أهداف الحرب إلى مهمتها السورية، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل تستطيع هذه الأخيرة التوفيق بين أهدافها المتنافسة وتجنب مزيد من الحرب غير المقصودة؟ الواقع أن المؤشرات حتى الآن ليست واعدة. ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، أقدمت الولايات المتحدة على خطوة عجيبة عندما قررت إنشاء «قوة أمن حدودية» قوامها 30 ألف رجل لحراسة المناطق الكردية في شمال سوريا. غير أن فكرة وجود دائم لقوة ذات أغلبية كردية مدعومة من الولايات المتحدة على حدود تركيا دفع أنقرة إلى التهديد بغزو.
وبينما عدلت إدارة ترامب عن وصفها للقوة الأمنية المخطط لها، هدّدت سوريا بأنها ستقوم بإسقاط الطائرات التركية في حال تدخل جنودها في شمال سوريا، ما تسبب في تصعيد آخر ممكن للحرب الطويلة. وفي هذا الصدد، قال نيكولاس هيراس، من «المركز من أجل أمن أميركي جديد» في واشنطن، لـ«ليز سلاي» من صحيفة «واشنطن بوست»: «هذا قرار متهور وغير متأن». وضمن تعليقاته يوم الأربعاء، أوضح تيلرسون أن قرار إدارة ترامب بشأن استمرار الوجود العسكري في سوريا تأثر بالقرارات السيئة على ما يفترض لإدارة أوباما، إذ قال: «إننا لا نستطيع ارتكاب الأخطاء نفسها التي ارتُكبت في عام 2011 عندما سمح الانسحاب المبكّر من العراق لتنظيم (القاعدة) في العراق بالبقاء والاستمرار ثم التحول إلى (داعش) في النهاية».
وبطبيعة الحال سيرى البعض مصدراً للسخرية في هذا الكلام: ذلك أن مقاربة ترامب لمحاربة تنظيم «داعش» تُعتبر بشكل عام امتداداً واستمراراً معزَّزاً لمقاربة أوباما، إلا أن تصريحات تيلرسون تثير أيضاً التخوف من أن يتسبب ترامب في الحكم على المهمة بالفشل من خلال محاولته رسم مسار أكثر طموحاً لوجود أميركا في سوريا.
«كوي شايك»، المحلل العسكري بـ«مؤسسة هوفر» الذي شغل عدداً من المناصب داخل البيت الأبيض خلال إدارة جورج دبليو. بوش، تحدّث بشكل إيجابي عن خطاب تيلرسون في تغريدة على تويتر، لكنه حذّر من أن إدارة ترامب «لا تسخّر الموارد الكافية لتحقيق هذه الأهداف الطموحة». هذا في حين أشار آخرون، مثل مايكل ماكفول، السفير الأميركي لدى موسكو خلال إدارة أوباما، إلى الطريقة الفضفاضة وغير الواضحة التي يعالَج بها موضوع روسيا التي تُعد أهم حليف للأسد في سوريا.
وقد أقر تيلرسون بصعوبات الوضع يوم الأربعاء حيث قال: «إن سوريا تظل مصدر مشاكل استراتيجية كبيرة وتحدياً مهماً لدبلوماسيتنا»، مضيفاً: «لكن الولايات المتحدة ستواصل انخراطها».
والحال أنه من دون معالجة المشاكل المتزايدة في سوريا بشكل مناسب، فإن ذلك الانخراط يمكن أن يمتد إلى الإدارة المقبلة، ما سيترك كل هذه المشاكل للشخص الذي سيخلف ترامب على رئاسة الولايات المتحدة. وعليه، فإن ترحيل المشاكل وإرجاءها قد يكون ناجحاً الآن، لكنه لن يقرّب أميركا من هدف إنهاء «حربها الأبدية».
(*) كاتب أميركي
الاتحاد
المصدر
جيرون