on
هل حان الوقت لإيجاد تقاطع مصالح مع روسيا؟
قبل أن تبدأ الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، كانت علاقات سورية بروسيا جيدة، وإنْ كانت باردة وليست نشطة؛ إذ لم يكن حجم التبادل التجاري يزيد عن 1 مليار دولار. ولن نُعيد هنا قصة الاندفاع الروسي المطلق للدفاع عن نظام الأسد، وما له من أسباب جيوسياسية واقتصادية وعسكرية وحتى دينية.
أخطأت القيادة الروسية كثيرًا في مواقفها من الثورة السورية، وتمسكت بنظام عائلة الأسد، وأظهرت مواقف تبيّن أنها مَلكية أكثر من الملك، واعتقد الكثيرون أن روسيا متمسكة بشخص الأسد. والحقيقة أن الأسد الابن استلم السلطة عام 2000 ولم يزر روسيا حتى عام 2005، في حين أنه قام بزيارة الدول الأوروبية. ويعترف الروس بأن الأسد ليس صديقهم ولا حليفهم، ولكنهم يعتقدون أنه الأكثر تأهيلًا للدفاع عن مصالحهم. والسبب الحقيقي هو أن الأسد الشخصية الأضعف التي يمكن التحكم بها. تذكروا كيف تعامل صدام حسين مع الروس، لقد طرَد الشخصية المخضرمة يفغيني بريماكوف من بغداد، عندما اقترح عليه ترك السلطة؛ بينما بشار الأسد يتلقى الإهانات واحدة تلو الأخرى من الرئيس بوتين، فالأول هزيل ضعيف فاشل، والثاني يتمتع بإهانته لإظهار جبروته.
جاءت الزيارات التي قامت بها وفود المعارضة إلى موسكو، بدءًا من وفد التغيير الوطني المنبثق عن مؤتمر أنطاليا في تركيا، ومرورًا بكل الوفود الأخرى للمجلس الوطني والائتلاف، وكلها أجريت بالسيناريو نفسه: وفد المعارضة يردد الشعارات التي يرددها الشارع السوري، وهي صحيحة ولا غبار عليها، ويرد لافروف أو غيره من المسؤولين الروس بلهجة خشبية بالمقولات الروسية الممجوجة، مثل وحدة سورية وعدم المساس بالسيادة واحترام القانون الدولي، والسوريون يقررون مصيرهم بأنفسهم و و و؛ ثم تنتهي اللقاءات بين المعارضة والروس، بلا نتائج.
أقول -بكل تواضع- إنني اقترحت أفكارًا مهمة للتعامل مع الروس، ليس بطريقة الخطابات بل بشكل هادئ، وبداية بعيدًا عن الإعلام، وبمشاركة خبراء من الطرفين، لمناقشة الوضع بشكل معمق والوصول إلى قواسم مشتركة. ولكن لم يأخذها أحد بعين الاعتبار، وكل ما حدث أني سمعت كلمات مجاملة ومديح لما أقدّمه، حتى إني دعيت مرّة من قبل المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري في إسطنبول (عام 2012)، وبحثنا ساعات طويلة كيفية التعامل مع الروس، ولكني تفاجأت بعد أسبوع بنسيان ذلك الكلام. كما أني اقترحتُ على الأصدقاء في قيادة المعارضة الرسمية خططًا للعمل الإعلامي، في الساحة الروسية، ولم يستجب أحد باستثناء بعض الشخصيات التي دعمت الفكرة، مدة محدودة، بشكل فردي.
لقد عانينا الأمرَّين من التعامل السلبي والبارد من قبل الروس -مسؤولين ومواطنين- مع مأساة الشعب السوري، ولم نتعلم خلال سبع سنوات كيف نبحث عن تقاطعٍ مع الروس. بالطبع ما يدفعني إلى هذا الكلام هو تغير المعطيات في الساحة السورية والإقليمية والدولية، وقد نجد منافذ لنا، لتحقيق طموحات شعبنا في الحرية والكرامة، بطريقة وآليات متفق عليها، ويُمكن أن تُطبّق.
صحيح ما يقوله الكثيرون عن السياسة الروسية في سورية؛ فهي خاطئة ومجرمة بحق شعبنا. ولكن تبقى السياسة سياسة. والمعادلات تتغير في الساحة السورية، ونشاهد الآن دورًا أميركيًا قويًا يقلق الروس، ودورًا تركيًا نشيطًا بالتنسيق مع الروس. وهناك تناقضات روسية إيرانية أكيدة؛ فهم لا يثقون ببعضهم، كما أكد لي أحد الخبراء الروس الذي زار طهران، والتقى بباحثين ومسؤولين في إدارة الرئيس روحاني، قال لي إن العلاقات بين روسيا وإيران ليست جيدة، وهم لا يثقون ببعضهم.
كما أن الروس لديهم مشكلات اقتصادية كبيرة، نتيجة العقوبات، انعكست على الوضع المعيشي للمواطنين الروس. فهناك نسبة فقر عالية تزيد عن 20 مليون روسي، وهناك نسبة بطالة كبيرة تقدر بالملايين. وروسيا مقبلة على انتخابات رئاسية في 18 آذار/ مارس القادم، وستحتضن بطولة (كأس العالم) في حزيران/ يونيو القادم. وفي ظل ذلك، فإن القيادة الروسية بأمس الحاجة إلى أخبار إيجابية، يعلنونها للشعب الروسي. وحان الآن وقت قطاف ثمار التدخل الروسي، وهو بتطبيق عملية سياسية. حتى اليوم موقف الروس ثابت إلى جانب النظام، وقد ساعدوه بشكل كبير، وهم من حافظ على بقائه، ولكن صدقوني ليس حبًا لا ببشار ولا بعائلة الأسد، بل لاعتقادهم الخاطئ أن هذا النظام هو المؤهل للحفاظ على مصالحهم، وهذا غير صحيح. ومنذ أشهر، هناك من يفكر بجدية في روسيا بإيجاد مخارج أخرى للحل غير التي يقترحها الروس عادة في خطابهم الرسمي. وأعتقد أنهم يبحثون عن شريك مؤهل وفعال يضمن مصالح الروس، ومستقل عن التأثير الأميركي.
أكثر ما يقلق الروس اليوم هو العامل الاقتصادي. فعندما زار نائب رئيس الوزراء ديمتري روغوزين دمشق، منذ أشهر، قال بالحرف: إن الروس ينتظرون نتائج ملموسة ومنفعة مالية بالدولارات من كل الدور الروسي في سورية. يعني أن روسيا تريد جني الثمار من التكاليف الباهظة التي صرفتها في سورية، وتريد نتائج اقتصادية وبخاصة من إعمار سورية.
المشكلة هي أن روسيا وإيران عاجزتان عن تمويل إعادة الإعمار التي تقدر بـ 300 مليار دولار. وماذا ستفعل روسيا بشخص هزيل وضعيف مثل بشار، وكيف سيدير بلدًا مدمرًا من دون تمويل، فالمنظومة الصاروخية الروسية المتطورة لن تطعم الناس خبزًا، ولن تبني المنازل المهدمة. وهنا نجد اليد التي توجع الروس، ويجب الإمساك بها. فإذا وافقت دول الخليج العربي، وأعطت ضمانات للمشاركة في الإعمار؛ فإن ذلك سيؤثر جدًا على روسيا، فروسيا اليوم ليست روسيا قبل سنتين.
هناك عامل آخر مهم، وهو الوجود الأميركي، وموقف المعارضة منه. أنا أشجع الهيئة العليا للتفاوض بالذهاب إلى موسكو، ليس فقط لتبادل الاتهامات، بل أن يذهب الوفد ومعه خطة أو مقترح ملموس يجعل الروس يفكرون كثيرًا، قبل أن يرفضوا. وبشار ليس أغلى من مليارات الدولارات التي ستجنيها روسيا من عملية بناء سورية. ولكن هذا الأمر، يبدو أنه يحتاج إلى دراسة معمقة ومشاورات على مستوى الخبراء والتواصل مع الدول الخليجية ومع الاتحاد الأوروبي، وأعتقد أن الطريق ليست مغلقة، ومن واجبنا طرق الأبواب والحفاظ على ثوابت ثورتنا.
محمود الحمزة
المصدر
جيرون