أي دور للمرأة السورية في مؤسسات وآليات حل النزاع؟



منذ استلام “حزب البعث” السلطة في سورية، إثر انقلاب عسكري عام 1963؛ تراجعَ دور المرأة السورية من الحياة السياسية والاجتماعية، واحتكر الحزب تمثيل المرأة وكافة أنشطتها، من خلال مؤسسات تابعة له، مثل “الاتحاد النسائي” الذي كان الكتلة الوحيدة التي تمثل النساء في سورية، طوال هذه العقود.

بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، حدث تغيّر ملحوظ في مسار نشاط المرأة؛ إذ أدّت النساء دورًا بارزًا في التظاهرات، وفي توثيق انتهاكات حقوق الإنسان. حيث انخرط الرجال في المجال العسكري، بينما قامت النساء السوريات، داخل مخيمات ومجتمعات اللاجئين في جميع أنحاء سورية، بأدوار قيادية في غياب الرجال، بما في ذلك العمل في المستشفيات الميدانية، والحفاظ على المدارس مفتوحة.

لكنّ مشاركة النساء، على المستوى السياسي، بقيَت خجولة، ولم ترقَ إلى مستوى إمكاناتها ومساهمتها في الثورة السورية. ولهذا الأمر أسبابه، من وجهة نظر الباحثة والأكاديمية السورية سميرة مبيّض التي صرحت لـ (جيرون) قائلة: “هناك عدة أسباب أدت الى عدم وجود دور مؤثر للمرأة، في المؤسسات الفاعلة بالشأن السوري، منها ما يتعلق ببنية هذه المؤسسات، والآلية التي نشأت بها بعيدًا عن عمق حاجة المجتمع السوري، وتقيدها بفكرة المحاصصة تبعًا للمصالح الخارجية على حساب المصلحة السورية، وكان التواجد النسائي ضمنها دائمًا هو الأضعف، في هذه المعادلات”.

أضافت الباحثة: “ومن تلك الأسباب أيضًا، إحجام النساء السوريات عن العمل، في الشأن العام وفي السياسة، نتيجة تراكم ثقافي من فترة الركود المجتمعي والسياسي في سورية، إضافة إلى عدم تقبّل المجتمع بسهولة لوصول المرأة إلى مواقع التأثير في القرار، بسبب العادات والتقاليد المتوارثة، وهي أمور يجب العمل عليها، في عمق المجتمع السوري؛ من أجل تحقيق تقدم في هذا المجال”.

الناشطة في المجال الإغاثي (شيرين) رأت، في حديث لـ (جيرون)، أن “الذهنية التي كانت مسيطرة على المجتمع، وترى أن النساء بحاجة إلى تمكين، وأنهن ضعيفات لا يصلحن للعمل في كافة الميادين وبخاصة السياسية منها، أدّت دورًا كبيرًا في إقصاء النساء عن مؤسسات وآليات حل النزاع”. وأضافت: “أعرف الكثير من الفتيات اللواتي تحلّيْن بشجاعة كبيرة، خلال الثورة السورية، وشهدتُ مواقف كثيرة كانت تتعارك فيها النساء مع رجال الأمن، لتخليص الشبان من قبضتهم في أثناء التظاهرات. لكن -للأسف- كل مؤسسات وهيئات المعارضة تتغاضى عن أهمية وجود المرأة في مراكز اتخاذ القرار وحل النزاع”.

منذ عام 2012، كان هناك غياب واضح للوجود النسائي، في أثناء إجراء العديد من جولات المفاوضات، سواء جنيف أو أستانا، واستمر الأمر كذلك حتى 22 آذار/ مارس 2016، يومَ أعلنت الأمم المتحدة عن تشكيل “المجلس الاستشاري للمرأة السورية”، وهو مجموعة تتألف من 12 امرأة سورية من خلفيات مهنية وسياسية مختلفة، لتقديم المشورة للمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية: ستيفان دي ميستورا؛ لكنّ تأثيره بقي محدودًا، لأنه لم يكن طرفًا ثالثًا في المفاوضات.

المحامية منال زعيتر أرجعَت عدم تأثير “المجلس الاستشاري للمرأة السورية” المذكور آنفًا، إلى “عدم مشاركته في طاولة المفاوضات، بشكل مباشر”. وأضافت موضحة، خلال حديثها لـ (جيرون): “كان ينبغي لهذا المجلس أن يكون حاضرًا بشكل حقيقي، وأن يقدم خططه ومقترحاته لكلا فريقي التفاوض: النظام والمعارضة، وألا يقتصر دوره على تقديم المشورة والمقترحات لمبعوث الأمم المتحدة فقط”.

في هذا السياق، تعتقد الأكاديمية سميرة مبيّض أن “آليات حل النزاع غير موجودة بشكل فاعل وحقيقي، إلى اليوم، وغياب التأثير السوري عمومًا فيها واضحٌ جدًا؛ إذ إنها ما تزال في دائرة القرارات الدولية والإقليمية، وعلى الرغم من تأسيس وإنشاء لجان وتجمعات نسوية؛ فإن دورها ما زال بعيدًا عن التأثير الحقيقي، بسبب الظروف السياسية المحيطة بالوضع السوري”.

عن سبل تمكين المرأة السورية، قالت الباحثة: “تحتاج المرأة السورية إلى الانطلاق من قضية المجتمع السوري، وهموم المرأة ضمنه؛ كي تكون فاعلة في حل النزاع، وتفهم جميع أطرافه، عبر حوارات معمقة، بين النساء وبين جميع الأطراف المتنازعة. والتوصل إلى بلورة الأسباب الحقيقة، لوضع حقوق المرأة المتردي للغاية في سورية، والذي يتعلق بشكل أساس بوجود نظام قمعي شمولي، انتهك حقوق المرأة، وانتهك القوانين الناظمة للمجتمع، خلال عقود طويلة”.


نسرين أنابلي


المصدر
جيرون