الثورة السورية.. الوعي يساهم في تصويب مسارها



انطلقَت الثورة السورية في ربيع 2011، ولمّا تقطف ثمارها بعد: إسقاط النظام الدكتاتوري ونيل الحرية والكرامة، وما يزال رأس النظام بشار الأسد قابعًا في قصره ملتصقًا بكرسي الرئاسة. لم يهرب كما فعل بن علي في تونس، ولم يتنحَّ كما حسني مبارك في مصر، وأيضًا لم يُلاقِ حتفه كما القذافي في ليبيا وعلي صالح في اليمن، وقايضَ الوريثُ كرسيه بالوطن كلّه، وحتى الآن، مهما حاولنا أن نفهم كيف فعل هذا، فإننا نعجز عن فهم هذه المعادلة: كرسي بوطن! ونطرح هنا السؤال: أحقًا هو ابن هذا الوطن! كيف له أن يكون وقد أحاله إلى خراب ودمار؟! وأحال ثورة محقة إلى حرب قذرة باستقدامه كل شذاذ الأرض، للقتال فيها والدفاع عنه وعن كرسيه، كما أنه لم يبخس على حلفائه بأن جعل البلد ساحة لهم، يتقاسمونها حسب مصالحهم وأطماعهم، شرط بقائه متربعًا على عرش خراب الوطن.

نطرح سؤالنا عن حال الثورة على أحد أساتذة مادة التاريخ والناشطين السياسيين في ريف حماة (أ. م) فيقول: “إن استخدام النظام للقوة العسكرية المفرطة بداية، والاستعانة بقوى إقليمية ودولية لاحقًا ضد السوريين، دفع بعض المعارضين بالمقابل إلى الاستعانة بالخارج أيضًا، وبدأت الثورة تأخذ طابعًا آخر غير طابعها السلمي الذي ابتدأت به؛ فكثرت التدخلات والولاءات والتبعية، ما أضر بالسوريين بالدرجة الأولى، وأصبحت سورية ساحة حرب حقيقية تحصد أرواح السوريين حصادًا. لا يضرنا أن نعترف بأن الثورة السورية انقلبت إلى حربٍ، بسبب التدخلات الدولية والإقليمية، إن كانت من الجهات الداعمة للنظام أو من الجهات الداعمة لفصائل المعارضة المسلحة، فلكل داعم هدف ومصلحة يسعى إليه من خلال تقديمه الدعم، بل على العكس تمامًا، إن الاعتراف بواقع الحال الذي وصلنا إليه لا بد أنه سيساعدنا -السوريين- في أن نحاول أن نعي ما يمكن أن يكون بانتظارنا، لو استمر الحال عما هو عليه، ولربما يكون دليلنا في قادم الأيام، للعودة بأبناء الثورة إلى طريقها الأول، وخروجهم من متاهة الحرب، ووضعها مجددًا في الطريق الذي ابتدأته”.

يرى الشاب (ف. د)، وهو من الذين شاركوا في بدايات الثورة، واعتُقل على إثر مشاركته، ونال “نصيبه” من التعذيب، أنه “لم يبق شيئ منها”، وبدورنا نسأل: كيف لمن شارك من البداية بأن يسأل سؤال كهذا؟ فيجيب: “لأننا كنا في البداية -وأنا غير قادر على تصديق ما يحدث الآن- نطالبُ بحريتنا وكرامتنا، أردنا أن نسقط المستبدّ فأسقط البلد، وحتى من كان معنا وشجعنا في البداية، خذلنا، ولم يتكلف عناء السؤال عنا بعد الخروج من المعتقل، وأصبح للفصائل المسلحة قادة، وهؤلاء القادة لا يهتمون إلا بمصالحهم الشخصية، وهم أتباع داعميهم وحسب، وتسألني عن الثورة!”.

(علاء) من شباب الثورة في ريف حماة، يقول: “لقد خرجنا لإسقاط الطاغية؛ فظهر لنا الأمراء! كيف لنا أن نستمر في ثورتنا، وهم لا يؤمنون إلا بأنفسهم، ويعتبروننا أعداء لهم لمجرد اختلافنا معهم؟ هل نسقط الطاغية وننصب الأمير!! لقد قمنا بثورة، والحرية هدفنا”.

(مريم. ع)، فتاة من الناشطات في بداية الثورة، في ريف حماة، قالت: “إن التدخلات التي لا تُعدّ ولا تُحصى حرفَت الثورة عن مسارها، وقلبتها إلى حرب، يريد كل طرف أن يأخذ حصته منها دون أي التفاتة إلى ما أراده ويريده السوريون من نيل حريتهم والخلاص من نظام الاستبداد، وباتوا يعتقدون أن العالم لا يضيره شيء، إن أبقى الطاغية على عرشه، في سبيل مصالحه. وهذا ما تشير إليه الوقائع على الأرض السورية، فلا المعارضة قادرة على اتخاذ أي قرار أو مبادرة لتغيير الوضع، ولا حتى الفصائل العسكرية المعارضة، ويبقى الفعل الحقيقي للقوى الدولية والإقليمية الفاعلة على الأرض السورية، ولا هَمّ لها سوى تحقيق مصالحها، وأخذ حصتها من هذا البلد الذي أصبح مباحًا لهم”.

هذا المستوى العالي من الوعي السياسي لشباب الثورة، لمجريات الواقع، يساهم في إعادة الثورة إلى مسارها الصحيح، والخروج من دوامة الحرب التي لم تكن هدفها يومًا.


زين الأحمد


المصدر
جيرون